< قائمة الدروس

الأستاذ السید منیر الخباز

بحث الفقه

45/03/22

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: فروع العلم الإجمالي/المسألة التاسعة عشرة/

 

ذكر سيد العروة قدس سره في المسألة التاسعة عشر: (إذا علم المكلف أنه إما ترك السجدة من الركعة السابقة أو التشهد من هذه الركعة) التي هو فيها (فإن كان جالساً في الركعة الثانية ولم يدخل في القيام أتى بالتشهد) باعتبار عدم جريان قاعدة التجاوز في التشهد لعدم دخوله في غيره إذ ما زال جالساً (وأتم الصلاة وليس عليه شيء) ببركة جريان قاعدة التجاوز في سجدة الركعة السابقة بدون معارض (وإن كان حال النهوض إلى القيام) بناءً على أن مقدمة الجزء كالجزء في تحقيقها لقاعدة التجاوز، وهذا ما سيأتي تنقيحه (أو بعد الدخول فيه) أي في القيام وعلم بأنه إما ترك التشهد من الركعة التي قام عنها أو ترك السجدة من الركعة السابقة (مضى وأتم الصلاة وأتى بقضاء كل منهما مع سجدتي السهو) وظاهره أن مدركه إما تعارض قاعدتي التجاوز في الطرفين وعدم الانتهاء للأصل الموضوعي في التشهد أو أنه لا يرى منجزية العلم الإجمالي إما بترك سجدة من الركعة السابقة فيجب قضاؤها بعد الصلاة، أو ترك تشهد من الركعة التي قام عنها فيجب تدارك التشهد لعدم دخوله في ركن لاحق، والسر في عدم منجزيته أنه يعتبر في منجزية العلم الإجمالي تعلقه بتكليف فعلي على كل تقدير، بأن يكون كلا طرفيه تكليفاً فعلياً، كما لو علم بأنه يجب عليه هذا اليوم صلاة الجمعة أو صلاة الظهر فحيث إنه علم بتكليف فعلي على كل تقدير فيكون منجزاً، وأما إذا علم بأنه إما يجب عليه صوم اليوم أو يجب عليه صلاة الكسوف غداً، فهذا العلم الإجمالي ليس منجزاً، لأن أحد طرفيه ليس تكليفاً فعلياً وإنما هو تكليف مستقبلي.

كذلك الأمر في المقام حيث يعلم المكلف بأنه إما يجب عليه تدارك التشهد في الركعة التي قام عنها وهذا تكليف فعلي، أو يجب عليه قضاء السجدة بعد الصلاة لتركها في موضعها وهذا تكليف استقبالي، فلأجل عدم منجزية العلم الإجمالي تجري البراءة عن وجوب العود للتشهد ووظيفته المضي في صلاته، فإذا أتم الصلاة قضى كلا الجزئين - أي قضى التشهد و السجدة بمقتضى استصحاب عدم الإتيان بهما لأنه يعلم بترك أحدهما - ويسجد سجدتي السهو لنسيان السجدة (وأتى بقضاء كل منهما مع سجدتي السهو والأحوط إعادة الصلاة أيضاً) وظاهر العبارة أنه لم يفت بصحة الصلاة بل احتاط لزوماً بإعادتها.

وتقريب المصير إلى الاحتياط اللزومي - مع أنه قضى السجدة والتشهد بمقتضى استصحاب عدم الإتيان بهما - ما يبتني على مقدمتين:

١- أن الصلاة الفعلية مما لا دليل على وجوب قضاء ما علم بتركه منها، فإن وجوب قضاء الجزء فرع نسيانه إلى أن ركع، حيث إن الدليل الدال على وجوب قضاء السجدة بعد الصلاة أو التشهد بعد الصلاة موضوعه الجزء المنسي، وهذا الموضوع مما يعلم عدم انطباقه على التشهد، لأن المكلف لو كان تركه في موضعه فلم يتركه نسيانا حتى ركع لأجل التفاته له قبل الركوع، وأما بالنسبة للسجدة فإن استصحاب عدم الإتيان بالسجدة لا يثبت نسيانها إلا بالأصل المثبت، فلم يحرز وجوب قضاء ما علم بتركه في هذه الصلاة.

٢- أن لدى المكلف علماً إجمالياً بعد الصلاة إما بوجوب القضاء إن كانت وظيفته كذلك واقعاً، أو وجوب الإعادة حيث إن صلاته خالية قطعاً إما من التشهد أو من السجدة في موضعهما.

ثم قال: (ويحتمل وجوب العود لتدارك التشهد والإتمام) أي يحتمل أن وظيفته عدم المضي في الصلاة بل يرجع ويتدارك التشهد، لعدم جريان قاعدة التجاوز فيه إما للتعارض أو للعلم التفصيلي بلغوية القيام لترك أحد الجزئين قبله - وحيث إنه لم يدخل في ركن لاحق، فمقتضى الأصل الموضوعي وهو استصحاب عدم الإتيان به الرجوع وتداركه ثم يتم صلاته - وإن لم نقل بمنجزية العلم الإجمالي بالتدارك أو القضاء (وقضاء السجدة فقط) إما تطبيقاً للعلم الإجمالي الذي حدث عند القيام من الركعة الثانية وهو أنه إما يجب عليه تدارك التشهد أو قضاء السجدة، أو لاستصحاب الأمر الضمني بالسجدة (مع سجود السهو) لنسيان السجدة، أو لزيادة القيام، إذ المفروض أنه هدم القيام وتدارك التشهد فيجب عليه سجود السهو لزيادة القيام لا لنسيان السجدة حيث لا يحرز نسيان السجدة باستصحاب عدمها (وعليه أيضاً الأحوط الإعادة أيضاً.) وتقريب عدم الفتوى بصحة الصلاة والاحتياط اللزومي بالإعادة: أن من رجع وتدارك التشهد كان تدارك التشهد معرضاً لزيادة قادحة، لأنه إذا عاد فتدارك التشهد سيتداركه بقصد الجزئية، فإذا تداركه بقصد الجزئية كان التشهد معرضاً للزيادة القادحة، لأنه من المحتمل أن يكون زيادة ملتفتاً إليها، والزيادة الملتفت إليها مما لا يشملها حديث لا تعاد، وحيث لم يشملها حديث لا تعاد، واستصحاب عدم الزيادة أو البراءة عن مانعية تدارك التشهد لا يثبت امتثال الأمر الضمني به، فمقتضى قاعدة الاشتغال إعادة الصلاة.

وقد تأمل بعض الأعلام في ذلك بأنه على فرض أن التشهد مكرر فإن الإتيان به كان بمقتضى أصل شرعي وهو استصحاب عدم الإتيان به، وحيث استند لأصل شرعي فقد استند لأمر الشارع، وما استند لأمر الشارع ليس زيادة قادحة، أي أن دليل مانعية الزيادة قاصر عن الشمول له من الأساس، وأن امتثال الأمر بكل جزء مركب من الإتيان به وعدم الزيادة فيه، والأول محرز بالوجدان والثاني باستصحاب عدم الزيادة، كما يمكنه الإتيان بالتشهد بقصد الرجاء وبقصد الذكر المطلق لا بقصد الجزئية كي يكون معرضاً للزيادة القادحة.

هذا تمام الكلام في شرح عبارة سيد العروة قدس سره والتعليق عليها.

وتحقيق المسألة بشكل مفصل يتم بعرض ثلاث صور:

الصورة الأولى: أن يعلم بترك التشهد أو السجدة من الركعة السابقة وهو في حال الجلوس، ووظيفته بالنسبة لسجدة الركعة السابقة جريان قاعدة التجاوز، وبالنسبة لتشهد الركعة التي هو فيها جريان استصحاب عدم الإتيان بالتشهد فعليه أن يتداركه ويمضي في صلاته ولا شيء عليه.

الصورة الثانية - وهي المهمة -: أن يعلم بعد الدخول في القيام أنه ترك التشهد من الركعة أو السجدة من الركعة السابقة، فهنا وقع البحث في علم الأصول في أن العلم الإجمالي بالتدرجيات منجز أم لا؟ حيث إن المكلف لا يعلم بتكليف فعلي على كل حال وإنما يعلم بأنه إن كان ترك التشهد وجب تداركه، وإن كان ترك السجدة من الركعة السابقة فيجب قضاؤها بعد الصلاة، فأحد طرفي العلم الإجمالي ليس فعلياً بل هو مستقبلي.

وقد نسب لسيد العروة قدس سره عدم منجزية العلم الإجمالي في التدريجيات، وبناءً عليه ليس لدى المكلف علم إجمالي منجز أثناء الصلاة إما بتدارك التشهد أو قضاء السجدة بل يمضي للبراءة عن وجوب التدارك.

ولكن أشكل على ذلك بمنع الصغرى والكبرى: أما منع الصغرى فدعوى أن أحد التكليفين ليس فعلياً - وهو وجوب السجدة – ممنوعة، بل ذكر سيدنا الخوئي قدس سره أن الأمر بالسجد فعلي، لأن المكلف بمجرد أن تجب عليه الصلاة فهو مأمور أمراً ضمنياً بالسجدة بالنحو الأعم من السجدة في محلها أو السجدة بعد السلام، فما هو متعلق الأمر الضمني الجامع بين سجدة في محلها أو سجدة بعد السلام، وهذا الأمر الضمني بالجامع أمر فعلي بمجرد دخول الوقت فيجب على المكلف الخروج من عهدته بامتثاله. فالعلم الإجمالي بأنه إما يجب عليه تدارك التشهد أو يجب عليه امتثال الأمر الضمني بالسجدة ليس علماً بأحد طرفين مع عدم فعلية أحدهما، بل هو علم بطرفين فعليين فهو منجز في حقه.

وما ذكره متين قدس سره.

وأما الكبرى، أي فلنفترض أن العلم الإجمالي في المقام أحد طرفيه غير فعلي وهو وجوب قضاء السجدة بعد الصلاة، ولكن ما هو الوجه في عدم منجزية العلم الإجمالي في التدريجيات؟

بيان ذلك: ذكر في الأصول - في محله - أنه قد يقال: إن العلم التفصيلي بالتكليف المستقبلي ليس منجزاً فكيف بالعلم الإجمالي?! كما لو علم المكلف تفصيلاً بأن غداً ستنكسف الشمس ويجب عليه غداً صلاة الآيات، لكن هذا العلم التفصيلي الفعلي ليس منجزاً.

والسر في عدم منجزيته أحد منبهين:

المنبه الأول: أن المكلف إذا علم بأنه يجب عليه غداً صلاة الكسوف ولكنه تبدل علمه إلى الشك أو فقد القدرة على الصلاة كما لو دخل في حالة الشلل المانع حتى من الإيماء أو مات قبل أن يتمكن من أداء الصلاة، فإذا قيل بأن العلم التفصيلي كان منجزاً في حقه فلازم ذلك الانقلاب، أي أن العلم التفصيلي كان منجزا واليوم غير منجز لفقد القدرة أو زوال العلم، وانقلاب الشيء عما وقع عليه محال.

فالصحيح: أن العلم ما كان منجزاً في حقه لا أنه كان منجزاً ثم تبدل.

المنبه الثاني: أن منجزية العلم التفصيلي للتكليف المستقبلي إما تنجيزية فعلية أو تعليقية، وكلاهما باطل.

أما تنجزه بالفعل - مع أنه تكليف مستقبلي - فهو لغو لا أثر له، وأما أنه معلق على شرط متأخر، أي أن العلم التفصيلي منجز اليوم إذا تحقق الشرط المتأخر في ظرفه - وهو حصول كسوف الشمس غداً - فالمنجزية تعليقية لا فعلية، فلا يعقل في الأحكام العقلية التعليق، وإنما يعقل التعليق على الشرط المتأخر في الأمور الاعتبارية، كأن يقال: وجوب صوم شهر رمضان أمر اعتباري فهو ثابت من حين بزوغ الهلال معلق على مجيء الفجر من هذه الليلة بالنسبة لهذا المكلف، وأما أحكام العقل فهي دائرة بين الوجود والعدم، فإن العقل إما يحكم بالمنجزية بالفعل أو لا يحكم، لا أن العقل يحكم بالمنجزية إن تحقق التكليف في ظرفه. فمنجزية العلم التفصيلي للتكليف المستقبلي غير معقولة فكيف بالعلم الإجمالي؟! بل عدم منجزية العلم الإجمالي من باب أولى.

ولكن الصحيح - كما اتفق عليه الأعلام من الشيخ الأعظم قدس سره وحتى أساتذتنا قدست أسرارهم - أن العلم الإجمالي والتفصيلي وإن تعلق بتكليف مستقبلي منجز بالفعل.

أما بالنسبة العلم التفصيلي وهو أن يعلم المكلف بأن غداً صوم شهر رمضان لأن الليلة بزوغ هلال شهر رمضان، فالعلم التفصيلي بوجوب الصوم غداً منجز من الآن لا معلقاً ويكون منجزيته لغواً، فإن أثرها أن يجب عليه حفظ القدرة على الصوم إلى أن يأتي ظرفه، فلا يجوز له أن يعجز نفسه بحبة أو إبرة أو ما أشبه ذلك، بل يجب عليه حفظ القدرة إلى أن يأتي ظرف الصوم فيأتي بالصوم فيه. وهذه المنجزية ببناء العقلاء، فإن بناء العقلاء قائم على أن من التفت في هذا اليوم إلى أن السلطان سيأمره غداً بأمر لا مناص منه فإنه يتنجز عليه من اليوم ويجب عليه حفظ القدرة عليه من الآن ولا يعذر في تعجيز نفسه عن امتثال التكليف في ظرفه، فالمقتضي للمنجزية وهو بناء العقلاء موجود، والمانع وهو دعوى اللغوية مفقود.

وأما لو أنه تحول من العلم إلى الشك أو انتفت قدرته فهذا ليس من باب الانقلاب بمعنى أنه كان منجزاً ثم خرج عن المنجزية، بل من باب انكشاف أن العلم التفصيلي لم يكن منجزاً من الأساس، لا أنه من باب الانقلاب كي يقال أن الانقلاب محال.

هذا بالنسبة إلى العلم التفصيلي، وأما بالنسبة إلى العلم الإجمالي فهو منجز تعلق بالفعليات أو بالتدريجيات، سواءً قلنا بالعلية أو قلنا بالاقتضاء.

أما إذا قلنا بمسلك العلية - وهو مسلك العراقي قدس سره - من أن العلم الإجمالي علة تامة للمنجزية فيكفي في عليته صلاحيته لبعث المكلف وتحريكه على كل تقدير، والمفروض أن العلم الإجمالي في التدريجيات صالح لتحريك المكلف على كل تقدير، فلو علم بأنه إما يجب عليه صوم هذا اليوم لأن اليوم شهر رمضان أو يجب عليه صوم غد لأن الغد شهر رمضان كان العلم الإجمالي صالحاً لتحريكه وبعثه نحو الصوم على كل حال فهو منجز.

وأما على مسلك الاقتضاء فإن المناط في منجزية العلم الإجمالي بناءً على الاقتضاء تعارض الأصول في أطرافه، والمناط في تعارض الأصول في أطرافه استلزام جريانها معاً للترخيص في المخالفة القطعية، فمتى استلزم جريان الأصول في أطراف العلم الإجمالي الترخيص في المخالفة القطعية كان منجزاً سواءً كانت أطرافه فعلية أم تدريجية.

وفي المقام كذلك فمن علم إجمالاً وهو في الصلاة بأنه إما يجب عليه تدارك التشهد أو قضاء السجدة بعد الصلاة، فلو أجرى الاصلين في الطرفين - وهما قاعدة التجاوز - ومضى في الصلاة دون أن يأتي بشيء منهما علم بوقوعه في مخالفة التكليف الواقعي قطعاً. فجريان الأصلين معاً ترخيص في المخالفة القطعية، والترخيص في المخالفة القطعية قبيح عقلاً، سواء كانت المخالفة دفعية أو تدريجية، حيث لا فرق في ذلك من حيث القبح عقلاً.

فتلخص: أن الصحيح - خلافاً لسيد العروة قدس سره - أن العلم الإجمالي منجز سواء كانت أطرافه فعلية أم تدريجية.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo