< قائمة الدروس

الأستاذ السید منیر الخباز

بحث الفقه

45/03/21

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: فروع العلم الإجمالي/الفرع الثامن عشر /الصورة الثانية وهي حصول العلم الإجمالي حال الجلوس.

 

الصورة الثانية: وهي ما إذا علم المكلف حال الجلوس بأنه أتى بأحد الواجبين - وهما التشهد والسجدة - ويحتمل أنه أتى بالواجب الآخر أيضاً، فهنا قد أفاد سيد العروة قدس سره بأن مقتضى استصحاب عدم الإتيان بأي منهما هو تداركهما وصلاته صحيحة وإن كان الأحوط هو الإعادة.

وأورد على كلامه قدس سره بعدة إيرادات:

الإيراد الأول: ما ذكره المحقق العراقي قدس سره [في رسالته] وسيدنا الخوئي قدس سره [في المستند] من أنه لا موجب لتدارك السجدة فإن المكلف يعلم بأنه قد امتثل الأمر بالسجدة إما واقعاً أو ظاهراً، والوجه في ذلك أنه إما أتى بالسجدة واقعاً فقد امتثل أمرها، أو أتى بها ظاهراً بلحاظ أنه إذا دخل التشهد ففي ذلك الفرض تكون السجدة مشكوكة، والمشكوك مجرى لقاعدة التجاوز، فالسجدة إما أتى بها واقعاً أو أتى بها ظاهراً بمقتضى قاعدة التجاوز.

وبعبارة أخرى: لا يخلو حال المكلف واقعاً إما أنه تارك للتشهد واقعاً أو فاعل له، فإن كان في علم الله تاركاً للتشهد واقعاً فقد أتى بالسجدة، لأنه يعلم أنه أتى بأحدهما، وإن كان في علم الله قد أتى بالتشهد فالسجدة في فرض الإتيان بالتشهد ليست معلومة العدم، بل هي في فرض الإتيان بالتشهد مشكوكة الوجود حيث إن المكلف يحتمل أنه أتى بهما معاً، فيكون الشك فيها مجرىً لقاعدة التجاوز فلا موجب لتداركها.

فإن قيل: إن فرض دخول المكلف في التشهد واقعاً وتجاوز السجدتين إنما هو في فرض تركه للسجدة، فكيف تجري في هذا الفرض قاعدة التجاوز في السجدة؟

قلت: هذا اشتباه، إذ من الواضح في عبارة سيد العروة قدس سره أن المكلف يعلم بأنه أتى بأحد الأمرين ويحتمل الإتيان بالآخر، لا أنه يعلم أنه أتى بأحدهما وترك الآخر، بل يعلم أنه أتى بأحدهما ويحتمل الإتيان بالآخر، فلذلك إن كان في الواقع قد أتى بالسجدة فقد سقط أمرها، وإن كان في الواقع أتى بالتشهد فهو يحتمل الإتيان بالسجدة لا أنه يعلم بعدمها ، ومقتضى قاعدة التجاوز الإتيان بها في هذا الفرض.

وهنا تعليقتان على عدم الحاجة لتدارك السجدة :

التعليقة الأولى: أن ما ذكر من قبل العلمين العراقي والخوئي قدس سرهما تامٌ في بعض الصور لا في جميعها. وبيان ذلك: أن المكلف تارة يعلم إجمالاً بأنه إما أتى بالسجدتين أو بالتشهد، وتارة يعلم تفصيلاً بأنه أتى بسجدة قطعاً، ويعلم أنه أتى إما بالسجدة الأخرى أو التشهد، ففي كلتا هاتين الصورتين يتم كلام العلمين. وتارة يعلم بأنه أتى بسجدة واحدة أو تشهد والسجدة الأخرى غير محرزة فهنا لا يكون العلم بترك التشهد علماً بالإتيان بالسجدتين، لأنه يعلم أنه أتى بتشهد أو سجدة، وأما السجدة الأخرى فهي محل شك، فإن ما هو طرف العلم الإجمالي سجدة واحدة لا السجدتان، وبناءً على هذا لا يمكن القول: إنه كان في الواقع قد ترك التشهد فقد أتى بالسجدتين، إذ لعله ترك السجدة الاخرى حتى في فرض ترك التشهد، فلا جزم بأن السجدة وقعت امتثالاً لأمرها إما واقعاً أو ظاهراً، بل من المحتمل أنه ترك التشهد وترك أيضاً إحدى السجدتين، إذ ليس لديه علم بأنه إن ترك التشهد فقد أتى بالسجدة وإن أتى بالتشهد فالسجدة مجرى لقاعدة التجاوز.

التعليقة الثانية: قد يقال: إن ظاهر معتبرة إسماعيل بن جابر: (وكل شيء شك فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه) كون مناط قاعدة التجاوز أن يحرز الدخول في الغير، وفي فرض إحراز الدخول في الغير إذا شك في الجزء السابق جرت القاعدة، وفي المقام لا يحرز الدخول في التشهد لأنه يعلم أنه أتى بأحدهما - إما السجدة أو التشهد -، فالدخول في التشهد ليس محرزاً كي ينطبق عليه مناط قاعدة التجاوز.

ولكن لا يحتمل الخصوصية عرفاً، أي لا يحتمل اعتبار إحراز الدخول في الغير، بل يكفي أن المكلف بين فرضين لا ثالث لهما، وهما أنه إن كان ترك التشهد فقد أتى بالسجدة، وإن كان أتى بالتشهد فالسجدة حينئذ مشكوكة. فالشك في السجدة في فرض الدخول في التشهد - وإن كان لا يحرز الفرض - مما ينطبق عليه قانون قاعدة التجاوز، فلا شاهد على اعتبار إحراز الدخول في الغير - وهو التشهد - ليكون مجرى لقاعدة التجاوز.

الإيراد الثاني: بناءً على عدم جريان قاعدة التجاوز وأن وظيفة المكلف الرجوع وتدارك الواجبين - السجدة والتشهد -، فيقال: متى تداركهما علم إجمالاً بزيادة قادحة، فإنه إن كان في الواقع قد أتى بالتشهد وترك السجدة قبله فالتشهد السابق وقع زيادة، والزيادة موجبة لسجود السهو على بعض المباني، وإن كان في الواقع قد أتى بالسجدة وترك التشهد فتدارك السجدة - الآن - زيادة قادحة وليس فقط زيادة موجبة لسجود السهو.

والوجه في ذلك بذكر أمور سبقت الإشارة إليها:

الأمر الأول: إن ظاهر معتبرة أبي بصير: (من زاد صلاته فعليه الإعادة) أن طبيعي الزيادة موجب للإعادة.

الأمر الثاني: إن ظاهر موثقة القاسم بن عروة: (لا تقرأ في المكتوبة بشيء من العزائم فإن السجود - يعني سجود التلاوة - زيادة في المكتوبة) أن كل سجدة ليست من الصلاة فهي زيادة وإن لم يأت بها بقصد الجزئية.

الأمر الثالث: أن هذه الزيادة - أي زيادة السجدة الناشئة عن التدارك - زيادةٌ لا يشملها حديث لا تعاد، لأن ظاهر سياق حديث لا تعاد أن مورده من التفت للخلل بعد وقوعه، وأما من التفت للخل حال وقوعه أو قبله وقوعه فليس مندرجاً في الحديث، وتدارك السجدة خلل ملتفت إليه، لأن المكلف قبل أن يتدارك السجدة لديه علم بأنه إن كان في الواقع قد أتى بالتشهد دون السجدة فالتشهد السابق وقع زيادة لأنه وقع في غير محله بدون سجدة، وإن كان في الواقع قد أتى بالسجدة فالتدارك لها سيكون زيادة، فالزيادة ملتفت إليها حين العمل بل قبل العمل، وبالتالي فهو خارج عن موضوع حديث لا تعاد، وكل زيادة لا يشملها حديث لا تعاد فهي زيادة قادحة بمقتضى إطلاق (من زاد في صلاته فعليه الإعادة). وبالتالي فالمكلف يعلم إجمالاً إما زاد زيادة موجبة لسجود السهو - وهي التشهد - أو زاد زيادة قادحة - وهي السجدة -، ومقتضى العلم الإجمالي إعادة الصلاة.

وفيه :

أولاً: ما أفاده سيدنا الخوئي قدس سره من أن عدم شمول حديث لا تعاد لهذه الزيادة لا يعني أنها زيادة قادحة، لأن دليل مانعية الزيادة قاصر الشمول لمثل هذه الزيادة، فإن دليل مانعية الزيادة منصرف للزيادة العمدية، وأما الزيادة المأتي بها بأمر الشارع فلا، فإن مقتضى استصحاب عدم الإتيان بالسجدة أمر الشارع بالتدارك، فهي سجدة أمر الشارع بتداركها لأجل استصحاب عدم الإتيان بها، ومع أمر الشارع بها فلا يشملها (من زاد في فعليه الإعادة). فدليل مانعية الزيادة من الأساس منصرف عن هذه الزيادة وإن لم يشملها حديث لا تعاد، غاية الأمر أن المكلف يشك في مانعية هذه الزيادة فيجري البراءة عن المانعية.

ثانياً: مضى أن لا تعاد الصغير حاكم على لا تعاد الكبير، ولا تعاد الصغير هو معتبرة عبيد الله بن زرارة: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل شك فلم يدر سجدتين أم واحدة، فسجد أخرى ثم استيقن أنه زاد سجدة، قال عليه السلام: لا والله لا تفسد الصلاة بزيادة، وقال لا يعيد صلاته من سجدة ويعيدها من ركعة)، وهو حاكم على قوله: (لا تعاد الصلاة إلا من خمسة...)، ومقتضى الحكومة أن الزيادة المأتي بها لأجل التدارك ليست قادحة.

فغاية ما يعلم المكلف به أنه وقعت منه زيادة إما التشهد السابق أو إحدى السجدتين، فإن قلنا بأن كل زيادة توجب سجدتي السهو فلديه علم تفصيلي بوجوب سجدتي السهو لا أكثر من ذلك، وإن لم نقل فهذا العلم الإجمالي لا أثر له. نعم، لو كان تدارك سجدتين مع التشهد سيحصل له علم إجمالي إما بزيادة سجدتين أو التشهد على المبنى المشهور من أن زيادة الركن مبطل، وإن كان على مبنى السيد الأستاذ مد ظله أن زيادة الركن بعذر ليست من المبطلات أيضاً لا يكون لهذا العلم الإجمالي أثر.

الإيراد الثالث: أن سيد العروة في الفرع السابق لم يفت بصحة الصلاة واحتاط لزوماً بإعادتها، فيقال: ما هو الفرق بين الفرعين كي يفتي في هذا الفرع بصحة الصلاة ويحتاط استحباباً للإعادة؟

فإن جريان قاعدة التجاوز - في السجدة في هذا الفرع - إما محتمل أو غير محتمل، فإن كان جريان قاعدة التجاوز في السجدة محتملا فتدارك السجدة - مع تكفل قاعدة التجاوز بالتمامية - زيادة، ولأجل احتمال الزيادة لا فتوى بصحة الصلاة بل يحتاط وجوباً بالإعادة. وإن كان جريان قاعدة التجاوز في المقام غير محتمل فلا تجري أصلاً، لأن المكلف علم بإتيان أحد الواجبين وهو جالس وليس قائماً كما في الفرع السابق، فإذا لم تكن قاعدة التجاوز محتملة لأنه لم يدخل في القيام فما هو وجه الاحتياط بالإعادة؟ فتأمل.

هذا تمام الكلام في الفرع الثامن عشر.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo