< قائمة الدروس

الأستاذ السید منیر الخباز

بحث الفقه

45/03/14

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: فروع العلم الإجمالي

 

الصورة الثالثة: وهي من علم حال القيام بأنه إما ترك تشهداً أو ترك سجدة واحدة من الركعة الثانية التي قام عنها. وهنا رأيان في تحديد الوظيفة:

الرأي الأول: أن المكلف وظيفته الرجوع والتدارك ولا شيء عليه، فإن هناك فارقاً بين هذه الصورة والصور السابقة، حيث إن الصورة السابقة مبتلاة بعلم إجمالي وهو العلم إما بزيادة قادحة أو زيادة تشهد، لعلمه بأنه إما ترك السجدتين أو ترك التشهد، فتدارك الطرفين بناءً على استصحاب عدمهما مساوق لعلم إجمالي إما بزيادة سجدتين أو زيادة تشهد، ولكونه علماً إجمالياً بزيادة قادحة - وهي زيادة السجدتين - كان منجزاً في حق المكلف. وأما في هذه الصورة فالمعلوم بالإجمال ترك تشهد أو سجدة واحدة، فلو عاد وتدارك فإن زيادة السجدة الواحدة ليس من الزيادة القادحة، وغاية الأمر أنه يعلم تفصيلاً بوجوب سجود السهو لزيادة القيام وزيادة أحدهما إما التشهد أو السجدة بناءً على وجوبه لمطلق الزيادة، فالعلم الإجمالي منحل حقيقة بعلم تفصيلي وهو وجوب سجود السهو، لا أن لديه علماً إجمالياً بالزيادة القادحة كما في الصورة السابقة.

الرأي الثاني: أن الصورة الفعلية كالصورة السابقة في ابتلائها بعلم إجمالي بالزيادة القادحة وإن كانت سجدة واحدة، وبيان ذلك بذكر أمور:

الأمر الأول: أن كل سجدة لم تكن جزءاً من الصلاة فهي زيادة لقوله ع في موثقة القاسم بن عروة: (لا تقرأ في المكتوبة بشيء من العزائم فإن السجود زيادة في المكتوبة)، بمعنى أن سجدة التلاوة في الصلاة - لأنها ليست جزءاً - هي زيادة.

الأمر الثاني: أن كل زيادة - ولو كانت سجدة واحدة - لا تشملها قاعدة لا تعاد فهي زيادة قادحة مندرجة تحت موثق أبي بصير: (من زاد في صلاته فعليه الإعادة). فهل السجدة المكررة زيادة لا تشملها قاعدة لا تعاد كي تكون زيادة قادحة؟

الأمر الثالث: بناءً على مبنى سيدنا قدس سره من أن مورد (لا تعاد) الخلل الذي لم يلتفت إليه المكلف إلا بعد وقوعه إما لغفلة أو جهل قصوري، كما إذا سجد سجدة زائدة وبعد أن دخل التشهد أو القيام التفت إلى أنها زائدة فهنا تجري لا تعاد في حقه، وأما الخلل الذي يصدر من المكلف وهو ملتفت إليه فهذا الخلل وإن كان المكلف معذوراً في إيقاعه لكنه خلل عن التفات فلا يشمله حديث لا تعاد، وحيث لم يشمله حديث لا تعاد فهو من الزيادة القادحة.

وتطبيق ذلك على المقام: أن المكلف إذا علم بترك تشهد أو سجدة فرجع لتداركهما بمقتضى استصحاب عدم الإتيان بهما، فحين يعود للتدارك يحصل له علم إجمالي والتفات إلى أن التدارك سيولد زيادة سجدة أو تشهد، ومع وجود هذا العلم الإجمالي حال التدارك فالسجدة لو كانت زائدة فهي خلل ملتفت إليه حين إيقاعه ولو التفاتاً إجمالياً، إذ المفروض أن العلم الإجمالي بإحدى الزيادتين منجز لكون المكلف منهياً عن الزيادة أو مأموراً بسجدتي السهو، فاقتران السجدة بالعلم الإجمالي يعني أن الزيادة عن التفات، فيلزم إعادة الصلاة كالصورة السابقة.

ولكن يمكن الجواب عن هذا الرأي: بأن تدارك السجدة ببركة استصحاب عدمها ليس زيادة قادحة، وذلك لأحد وجهين:

الوجه الأول: انصراف عنوان الزيادة في موثق أبي بصير عن الزيادة التي أمر بها شرعاً من أجل تدارك النقص، والمفروض أن السجدة مأمور بتداركها بمقتضى استصحاب عدم الإتيان بها، حيث أُمر بتداركها بمقتضى استصحاب عدمها كانت زيادة مأموراً بها شرعاً، ومع الأمر الشرعي الظاهري بها - بناءً على الاستصحاب - لا يصدق عليها عرفاً أنها زيادة في الصلاة.

الوجه الثاني: إن ظاهر قوله في معتبرة عبيد بن زرارة: (سألت أبا عبد الله عليه السلام: عن رجل شك فلم يدر سجد سجدتين أم واحدة فسجد أخرى ثم استيقن أنه قد زاد سجدة، فقال: لا والله لا تفسد الصلاة بزيادة سجدة، وقال عليه السلام: لا يعيد صلاته من سجدة ويعيدها من ركعة)، ومورد المعتبرة وإن كان حين إيقاع الزيادة مورد الشك البدوي لا العلم الإجمالي بالزيادة كما في المقام، إلا أن ظاهر الذيل طرح الكبرى العامة (لا والله لا تفسد الصلاة بزيادة سجدة، وقال: لا يعيد صلاته من سجدة ويعيدها من ركعة)، وهي أن أي سجدة يأتي بها لبنائه على كونه مأموراً بها ظاهراً تداركاً للنقص سواءً كان لشبهة بدوية أم لعلم إجمالي فإنها زيادة غير قادحة، وأن الزيادة القادحة زيادة ركعة لا زيادة سجدة، فالمتعين أن يتدارك السجدة والتشهد ويمضي في صلاته ويسجد سجدتي السهو مرتين للقيام الزائد وإحدى الزيادتين التشهد أو السجدة إن قلنا بسجود السهو لكل زيادة.

تم الكلام في الفرع السادس عشر.

الفرع السابع عشر: إذا علم المكلف حال القيام بأنه ترك التشهد ولكن لا يدري هل ترك مع التشهد سجدة أم لا، فما هي وظيفته؟

والكلام تارة في الصغرى وهي جريان قاعدة التجاوز في السجدة المشكوكة، وتارة في مناط كبرى قاعدة التجاوز وهل هو الغير العرفي أم الشرعي.

المقام الأول: هو البحث في الصغرى: إن وظيفة المكلف تدارك التشهد للعلم بتركه، وإنما الكلام في تدارك السجدة، فهل تجري في السجدة المشكوكة قاعدة التجاوز أم لا? وهنا وجوه ثلاثة لمنع جريان قاعدة التجاوز في السجدة:

الوجه الأول: بما أن المكلف لا بد له من تدارك التشهد للعلم بتركه، فمتى شرع في تدارك التشهد صار شكه في السجدة شكاً في المحل لا بعد تجاوز المحل، لكونه مأموراً بتدارك التشهد الذي هو الجزء التالي، ومع أمره بتدارك التشهد المنوط به التجاوز لم يكن قد تجاوز المحل الشرعي للسجدة، إلا أن يقال إن الشيء لا ينقلب عما هو عليه، إذ المفروض أن المكلف حال القيام وقبل الرجوع للتشهد كان شكه في السجدة شكاً بعد التجاوز لأنه دخل في القيام، فانقلاب هذا العنوان بعد رجوعه لتدارك التشهد لعنوان من شكه في المحل غير صناعي، بل هو ممن تجاوز وإن كانت وظيفته تدارك أحد الجزئين السابقين.

الوجه الثاني: إن قوله في موثقة إسماعيل بن جابر: (وكل شيء شك فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه) ظاهر في أن الغير المحقق للتجاوز ما كان قابلاً للمضي عليه، ولا يصدق على ما يجب هدمه كالقيام في المقام أنه مما يمضي عليه، إلا أن يقال بالتفكيك، أي أن هذا القيام ليس مما يمضى عليه بلحاظ التشهد لكونه واجب التدارك، وهو مما يمضى عليه بلحاظ السجدة لأجل جريان قاعدة التجاوز فيها، فيمكن التفكيك في الصدق بلحاظ اختلاف الحيثيات.

الوجه الثالث: أن القيام لغو على كل حال ما دام مأموراً بهدمه، ومع كونه لغواً وجداناً فهو مانع من صدق التجاوز بالدخول فيه، خلافاً لسيد العروة قدس سره حيث التزم بأن المراد بالتجاوز هو التلبس بما يعد غيراً عرفاً، والمناط في الغير العرفي كونه مترتباً على المشكوك عرفاً أو شرعاً، وإن كان المكلف يعلم بلغويته، فالمكلف هنا وإن علم بلغوية القيام لكن يصدق عليه أن القيام غير السجود عرفاً، ولو لكونه مما ذكره الشارع في تعداد أجزاء الصلاة وشرائطها، فقيل: (اسجد ثم تشهد ثم قم) وإن لم يكن غير المشكوك شرعاً للعلم بلغويته ووجوب هدمه. فتأمل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo