< قائمة الدروس

الأستاذ السید منیر الخباز

بحث الفقه

45/03/11

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: فروع العلم الإجمالي/ /

 

والحاصل: المعروف أن المكلف إذا علم إجمالاً بأنه إما زاد سجدتين أو زاد تشهداً - مثلاً - فإن هذا العلم الإجمالي منحل حكماً بأصل عقلي في أحد طرفيه، حيث إن الشك في الطرف الأول - وهو احتمال زيادة سجدتين - مورد لأصل عقلي منجز للتكليف ألا وهو قاعدة الاشتغال، فإذا جرت في الطرف الأول قاعدة الاشتغال جرى في الطرف الثاني - ألا وهو احتمال زيادة تشهد موجبة لسجدتي السهو - أصل البراءة بلا معارض، إذ الجاري في الطرف الأول قاعدة الاشتغال، وليس أصلاً ترخيصياً كي يكون معارضاً لأصالة البراءة.

ولكن هذا الكلام مورد لتعليقتين:

التعليقة الأولى: ما ذهب إليه السيد القمي قدس سره [في كتابه آراؤنا في الأصول] من أن تصور انحلال العلم الإجمالي بقاعدة الاشتغال مبني على وجود مورد يستند فيه الأثر العملي لقاعدة الاشتغال كي يقال بأن جريان قاعدة الاشتغال في أحد الطرفين يفتح الباب أمام جريان أصالة البراءة في الطرف الآخر بلا معارض. لكن الواقع أن قاعدة الاشتغال وإن كانت أصلا عقلياً له تقرر في تسلسل الأصول الجارية عند الشك في سقوط التكليف إلا أنه لا يوجد مورد فعلي لها يترتب عليه أثر عملي، فإن الشك في الامتثال مجرىً إما لاستصحاب موضوعي أو استصحاب حكمي، أي أنه إما مجرى لاستصحاب عدم الامتثال وهذا استصحاب موضوعي ومقتضاه فعلية الأمر وأثره الإعادة، أو استصحاب بقاء التكليف بالصلاة وهذا استصحاب حكمي ومقتضاه الإعادة. ومن الواضح أنه مع قيام أصل شرعي منقح للوظيفة العملية - وهو الاستصحاب - فلا تصل النوبة للأصل العقلي المعبر عنه بقاعدة الاشتغال، إذ الأصل الشرعي وارد على الأصل العقلي رافع لموضوعه، فلأجل ذلك ليس هناك مورد فعلي لما يسمى بقاعدة الاشتغال كي يُتكأ عليها في المقام.

ولكن يلاحظ على كلامه قدس سره بأنه: أما جريان الاستصحاب الحكمي عند الشك في سقوط الحكم بالامتثال او حصول المانع أو انتفاء الموضوع - وهو استصحاب بقاء التكليف بالصلاة مثلاً - فهو أمر مبنائي، حيث إن مبنى شيخنا الأستاذ الشيخ التبريزي قدس سره - كما أنه هو المبنى القديم لسيدنا الخوئي قدس سره وإن عدل عنه بعد ذلك - هو تعميم المنع من جريان الاستصحاب في الأحكام حتى لفرض الشبهة الموضوعية ولا يختص المنع بالشبهة الحكمية، ففي المقام مثلاً يكون استصحاب بقاء الأمر بالصلاة من استصحاب الحكم، والاستصحاب في الحكم في الشبهة الموضوعية ليس جاريا على بعض المباني كي يشكل مانعاً من القاعدة.

وأما الاستصحاب الموضوعي - أي استصحاب عدم الامتثال إذا شك في الامتثال - فلا يجري في مورد مبتلى بمانع من جريان الأصل الموضوعي نحو تعارض الأصول في تنقيح الموضوع، مثلاً في موارد توارد الحالتين كما إذا علم المكلف أنه كان في زمان طاهراً وكان في زمان محدثاً وصلى مع فرض الجهل بتاريخ الصلاة، ولا يدري هل أوقع الصلاة في الحدث أم الطهارة? فهنا تقع المعارضة هنا بين الاستصحابين: استصحاب بقاء الحدث إلى حين الصلاة مع استصحاب بقاء الطهارة إلى حين الصلاة، ونتيجة تعارض الاستصحابين تصل النوبة إلى قاعدة الاشتغال، إذ المفروض أن الامتثال لا يمكن تنقيحه نتيجة لتعارض الأصول فيه، وليس عنوان الامتثال عنواناً له موضوعية كي يجري استصحاب عدم الامتثال، فإن المشرع لم يأمر بعنوان الامتثال وإنما عنوان الامتثال مشير إلى مركب ذي أجزاء وشرائط، فإذا وقع الشك في المركب للشك في جزء أو شرط فلا بد من تنقيح ذلك الجزء أو الشرط وجوداً أو عدماً لا عنوان الامتثال، فإذا شك المكلف ولا يدري صلى بطهارة أم صلى بحدث? تعارضت الأصول في تنقيح حال هذا الشرط، فتصل النوبة حتماً للأصل العقلي وهو قاعدة الاشتغال. ونظيره المقام وهو الشك في بطلان الصلاة للشك في زيادة السجدتين، ولا مجال لتنقيحه باستصحاب عدم الزيادة لمعارضته بمثله في التشهد، مما يعني أن لقاعدة الاشتغال وجوداً عملياً إما في فرض تعارض الأصول في تنقيح الامتثال أو بناءً على عدم جريان الاستصحاب في الأحكام في الشبهة الموضوعية.

التعليقة الثانية: هل يمكن انحلال العلم الإجمالي إما بزيادة سجدتين أو زيادة تشهد ببركة قاعدة الاشتغال في طرف زيادة السجدتين أم لا؟

وهنا وجهان للانحلال:

أحدهما: يبتني على القول بعلية العلم الإجمالي للمنجزية، وحاصله أن مناط انحلال العلم الإجمالي بقيام منجز تفصيلي في أحد طرفيه بلا حاجة للنظر في الطرف الآخر، وبالتالي فتطبيق الانحلال في المقام مبني على صغرى وهي كون قاعدة الاشتغال منجزا للتكليف، وكبرى وهي أن المتنجز لا يتنجز، والنتيجة عدم تنجز طرف الإعادة بالعلم الإجمالي، حيث إن إعادة الصلاة قد تنجزت بقاعدة الاشتغال، ومع تنجزها بقاعدة الاشتغال لا يعقل تنجزها بالعلم الإجمالي، إذ المتنجز لا يتنجز، لأن تنجيز المتنجز من باب تحصيل الحاصل، وتحصيل الحاصل محال، فلأجل ذلك يقال: قد انحل العلم الإجمالي، إذ مع وجود قاعدة الاشتغال وهي منجز لإعادة الصلاة فلا قابلية في العلم الإجمالي لتنجيزها، إذ يعتبر في منجزية العلم الإجمالي استتباعه للمنجزية على كل حال، والمفروض أنه على أحد الحالين قد تنجز بمنجز قائم بالفعل وهو قاعدة الاشتغال، فلا يوجد في المقام علم إجمالي منجز بالفعل.

إلا أن هذا مبني على كون قاعدة الاشتغال منجزا في زمن سابق، فلحوق العلم الإجمالي لا يصلح لتنجيز طرف الإعادة لتنجزها مسبقاً، ولكن الصحيح أن قاعدة الاشتغال والعلم الإجمالي في عرض واحد، ولا سبق لأحدهما على الآخر لا زمناً ولا رتبةً، فإذا كانا في عرض واحد فأي مانع من استناد حكم العقل بالمنجزية إلى كليهما، إذ المنجزية هي عبارة عن حكم العقل بأن لا مؤمن أمام المكلف، وحكم العقل بعدم المؤمن قد يستند لملاك واحد وقد يستند لمجموعة ملاكات، لا أن في المقام منجزيتين كي يقال: إن المورد من تنجيز المتنجز وهو تحصيل حاصل، بل المنجزية حكم عقلي بعدم المؤمن في مقام العمل، وهذا الحكم العقلي له ملاكان هما: قاعدة الاشتغال و العلم الإجمالي، كما أن حكم العقل بالمعذرية قد يستند إلى ملاكين كما في فرض اجتماع استصحاب عدم الجعل مع البراءة الشرعية، مثلاً إذا شك في وجوب صلاة الجمعة فيقال مقتضى استصحاب عدم الجعل ومقتضى البراءة الشرعية أن المكلف معذور، فحكم العقل بالمعذرية مستند لملاكين وهذا مما لا مانع منه عقلاً، فكذلك الأمر في المقام.

ثانيهما: بناء الانحلال على القول بالاقتضاء، وحاصله انحلال العلم الإجمالي بجريان الأصل الترخيصي في أحد طرفيه بلا معارض، لعدم كون الجاري في الطرف الآخر أصلا ترخيصياً، وتطبيق ذلك على المقام أن المكلف إذا علم إجمالاً إما بزيادة سجدتين أو بزيادة تشهد، وتعارض استصحاب عدم الزيادة في الطرفين وصلت النوبة لأصل ترخيصي في طرف احتمال وجوب سجود السهو، وهو أصل البراءة، وبه ينحل العلم الإجمالي حكماً، إما لكونه خطاباً مختصاً أو لكونه أصلاً طولياً كما في بعض الكلمات.

ولو نوقش في كلتا النكتتين وقيل بأن المعارضة ثلاثية، أي أن استصحاب عدم الزيادة في السجدتين معارض لأصلين في طرف احتمال وجوب سجود السهو وهما: استصحاب عدم زيادة التشهد والبراءة عن وجوب سجود السهو، فتتساقط الأصول الشرعية بالمعارضة وتصل النوبة للأصول العقلية لا محالة، وحيث إن الأصل العقلي الجاري في طرف الإعادة قاعدة الاشتغال فيجري في طرف احتمال وجوب سجود السهو أصل البراءة العقلية (قبح العقاب بلا بيان) بناءً على جريان البراءة العقلية في أطراف العلم الإجمالي، وجريانها في الشبهات الموضوعية كما بحث في الأصول في باب البراءة. والنتيجة هي الانحلال، حيث سيجري في الطرف الأول من طرفي العلم الإجمالي - وهو الإعادة - قاعدة الاشتغال ومقتضاها الإعادة، وسيجري في الطرف الثاني - وهو وجوب سجود السهو - البراءة العقلية (قبح العقاب بلا بيان) فلا يجب عليه سجود السهو مع إعادة الصلاة.

نعم، إذا أنكر فقيه جريان البراءة العقلية إما لأن الأصل العقلي المرخص - وهو البراءة - لا يجري في أطراف العلم الإجمالي، إذ يعتبر العلم الإجمالي بياناً وجدانياً، ومع وجود البيان ينتفي موضوع قبح العقاب بلا بيان، فلا يجري الأصل العقلي المرخص - وهو البراءة العقلية - في أطراف العلم الإجمالي، أو قال بأنه لا مانع عقلاً من جريان البراءة العقلية في أحد طرفي العلم الإجمالي، لأن كل طرف في نفسه هو احتمال وليس علما، لكن إذا كانت الشبهة حكمية كما إذا شك في أنه يجب عليه صلاة الجمعة أو يجب عليه غسل الجمعة، وأما إذا كانت الشبهة موضوعية كما في المقام حيث إن شك المكلف إنما هو في الامتثال وأنه هل زاد سجدتين أو زاد تشهداً فلا مجرى للبراءة العقلية، إذ العقاب وعدم العقاب موضوعه عالم الأحكام، وأما عالم الموضوعات فوظيفة المكلف هو انجاز الامتثال، لكون الحكم مما قد فرغ عنه وعلم، فلا مورد لقبح العقاب بلا بيان، حيث تم البيان ووصل الحكم، وإنما المطلوب انجاز امتثاله، فإذا مُنع من جريان البراءة العقلية - إما لأن المورد علم إجمالي أو لأن الشبهة موضوعية - فحينئذ لا محالة مقتضى منجزية العلم الإجمالي الجمع بين إعادة الصلاة والإتيان بسجدتي السهو.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo