< قائمة الدروس

الأستاذ السید منیر الخباز

بحث الفقه

45/03/04

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: فروع العلم الإجمالي

 

المطلب الثالث: ذكر سيد المستمسك قدس سره [ج7 ص626] أنه تارة نبني على أن مطلق الزيادة قادح ولو لم تكن بقصد الجزئية، بتقريب أن ظاهر قوله عليه السلام في موثق أبي بصير: (من زاد في صلاته فعليه الإعادة) أن كل جزء يؤتى به مع عدم الأمر به حال الاختيار فهو زيادة سواء قصد به الجزئية أم لا، ونتيجة ذلك أن المكلف إذا علم إجمالاً بأنه إما ترك سجدتين أو ترك تشهداً فهو يعلم أنه إذا تداركهما معاً ستحصل منه زيادة قطعاً، لأنه أتى بأحدهما قطعاً، فمتى كرر كليهما فقد حصلت منه زيادة لا محالة، والمفروض أن تلك الزيادة أتى بها عن اختيار و لا أمر بها، إذ المفروض أن أحدهما قد سقط أمره، فالإتيان به مرة أخرى إتيان بجزء لا أمر به مصداق للزيادة جزماً.

وهذا القطع يوجب التعارض بين استصحاب عدم الإتيان بالسجدتين المسوغ لتدارك السجدتين واستصحاب عدم التشهد المسوغ لتداركه، فإن الجمع بين الاستصحابين يؤدي لتداركهما، وتداركهما يؤدي للعلم بالمخالفة القطعية وهي الإتيان بزيادة قادحة، فلا محالة لا يمكن البناء على الاستصحابين للمعارضة، بل حتى لو لم يجر الاستصحابان وجرت قاعدة الاشتغال فإن مقتضاها التدارك ومقتضاه العلم بالزيادة، والنتيجة هي لزوم إعادة الصلاة عقلاً للدوران بين الزيادة القادحة - إن تدارك - والنقيصة القادحة - إن لم يتدارك

وتارة نبني على أن الزيادة القادحة هي تكرار الجزء بقصد الجزئية لا أن الزيادة القادحة مطلق تكرار الجزء، بل تكرار الجزء بقصد الجزئية، وأما لو أتى به رجاءً لا بقصد الجزئية من الصلاة فلا ينطبق عليه عنوان الزيادة القادحة، وبالتالي فلا بد من التفصيل - بناءً على هذا المبنى - بين الاستصحاب وقاعدة الاشتغال، فيقال إن كان المستند في التدارك - أي تدارك السجدتين والتشهد - هو الاستصحاب فيعود المحذور، لأن استصحابه عدم الإتيان بالسجدتين يفيد جواز الإتيان بالسجدتين بقصد الجزئية فإنه لم يأت بهما بمقتضى الاستصحاب، واستصحاب عدم الإتيان بالتشهد ينتج جواز أن يأتي بالتشهد بقصد الجزئية لأنه لم يأت به بمقتضى الاستصحاب، فإذا أعادهما بقصد الجزئية رجع المحذور وهو العلم التفصيلي بزيادة قادحة، حيث إنه كرر أحدهما بقصد الجزئية.

وإن كان المستند في التدارك قاعدة الاشتغال حيث إن المكلف لا يدري هل امتثل الأمر بهذه الصلاة أم لا? فمقتضى قاعدة الاشتغال الإعادة من أجل تحصيل اليقين بالامتثال، فقاعدة الاشتغال أصل عقلي لا يترتب عليه شرعا حكم وهو جواز أن يأتي بالسجدتين والتشهد بقصد الجزئية، لأن المطلوب بقاعدة الاشتغال مجرد إحراز فراغ الذمة فيمكنه أن يرجع ويأتي بالسجدتين والتشهد رجاءً ثم يمضي في صلاته وبذلك يحرز فراغ العهدة، لأنه إن كان قد أتى به سابقاً فما كرره ليس زيادة حيث لم يأت به بقصد الجزئية وإنما أتى به رجاءً، وإن كان لم يأت به فقد وقع في محله امتثالاً للأمر، حيث إن الرجاء نوع من أنواع التقرب، وقد أتى بالجزء قربياً إلى الله عز وجل.

 

وفي المقام تعليقتان :

الأولى: إن المبنى الصحيح هو التفصيل بين زيادة السجدة وزيادة التشهد، فالأولى مما لا يشترط فيها قصد الجزئية، فإنه قد دلت موثقة القاسم بن عروة وهي قوله عليه السلام: (لا تقرأ في المكتوبة بشيء من العزائم فإن السجود زيادة في المكتوبة) على أن مجرد تكرار السجود زيادة قادحة قصد به الجزئية أم لم يقصد الجزئية، بلحاظ أن سجود التلاوة مما لا يؤتى به بقصد الجزئية من الصلاة وإنما بقصد امتثال الأمر بسجدة التلاوة، وأما التشهد وغيره من الأجزاء فلا يصدق على تكراره عنوان الزيادة عرفا مالم يكن بقصد الجزئية من الصلاة إذ لا يقال عرفاً (زاد في الصلاة) ما لم يكن بقصد أنه من الصلاة

وبناءً على ذلك فالمحذور باقٍ على كل حال، إذ المكلف لو رجع وكرر السجدتين ثم أتى بالتشهد رجاءً لم يجده ذلك، لعلمه بأنه أوقع زيادة قادحة على كل حال، فإنه إن كان لم يأت بالسجدتين في علم الله فالتشهد السابق قد أتى به لأن صلاته لا تخلو منهما، وحيث إنه أتى بالتشهد بقصد الجزئية عن اختيار ولا أمر به لوقوعه في غير محله فقد وقع زيادة قادحة - بناءً على شمول القادح لما وقع سهواً -، وإن كان قد أتى بالسجدتين فتكرار السجدتين ولو بدون قصد الجزئية زيادة قادحة بمقتضى موثقة القاسم بن عروة.

الثانية: على فرض أن الإتيان بالجزء برجاء المطلوبية لا بقصد الجزئية ليس زيادة قادحة - وإن كان سجدة - كما هو المبنى الثاني، فلا فرق حينئذ بين الاستناد للاستصحاب أو الاستناد لقاعدة الاشتغال في أنه لا محذور في البين، فإنه إن استند لقاعدة الاشتغال وأتى بهما بقصد الرجاء فلا محذور، وإن استند للاستصحاب فإن أثر الاستصحاب لا يعني جواز أن يأتي بالجزء بقصد الجزئية، وإنما الأثر الشرعي المترتب على الاستصحاب بقاء الأمر بالصلاة، لا جواز الإتيان بالجزء المشكوك بقصد الجزئية كي يكون ذلك منشأ لتعارض الاستصحابين بلحاظ أن جريان الأصلين الترخيصيين موجب للعلم بالمخالفة القطعية وهي ارتكاب الزيادة القادحة. نعم، التدارك للطرفين بقصد الجزئية موجب للمحذور لا الجمع بين الاستصحابين، فمن كان ملتفتاً إلى محذور وهو لو أنه أتى بهما بقصد الجزئية فسوف تحصل زيادة قادحة فيمكنه الفرار من ذلك المحذور بالإتيان بهما رجاءً، بني على قاعدة الاشتغال أو بني على الاستصحاب. هذا ما يتعلق بالمطلب الثالث.

المطلب الرابع: إذا تدارك المكلف السجدتين والتشهد فقد قيل بأنه يحصل للمكلف علم إجمالي إما بزيادة السجدتين وهو مبطل، أو زيادة التشهد وهو موجب لسجود السهو على بعض المباني، ولكن قد يقال إن هذا العلم الإجمالي منحل حكماً وذلك بجريان الأصل المثبت في أحد طرفيه وجريان الأصل المرخص في الطرف الآخر، أما الأصل المثبت في الطرف الأول - وهو الشك في الامتثال لكون المكلف لا يدري هل زاد سجدتين فتبطل الصلاة أم لا فالصلاة صحيحة - فالجاري في حقه استصحاب بقاء التكليف بالصلاة كأصل شرعي أو قاعدة الاشتغال كأصل عقلي، وكلاهما أصل مثبت منجز للتكليف، وإذا جرى الأصل المثبت المنجز للتكليف في الطرف الأول - وهو الإعادة - جرى الأصل المرخص في الطرف الثاني بلا معارض - وهو أصالة البراءة عن وجوب السجود - حيث إنه يشك فيه فتجري البراءة عنه، وبذلك ينحل العلم الإجمالي حكماً بجريان الأصل المرخص في أحد الطرفين بلا معارض.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo