< قائمة الدروس

الأستاذ السید منیر الخباز

بحث الفقه

45/03/03

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: فروع العلم الإجمالي

 

فروع العلم الإجمالي/الفرع السادس عشر

والحاصل: أن من علم إجمالاً وهو في القنوت بأنه إما ترك السجدتين من الركعة السابقة أو ترك القراءة من هذه الركعة، فبناءً على عدم جريان قاعدة التجاوز في السجدتين تصل النوبة للاستصحاب، ومقتضى استصحاب عدم الإتيان بالسجدتين تداركهما، ومقتضى استصحاب عدم الإتيان بالقراءة تداركها، فإذا تدارك السجدتين والقراءة تولد له علم إجمالي بأنه إما زاد سجدتين أو زاد قياماً، فإنه في الواقع إن كان لم يأت بالسجدتين فالقيام إلى الركعة الثانية قيام زائد ومقتضى كونه قياماً زائداً وجوب سجود السهو، وإن كان قد أتى بالسجدتين فهاتان السجدتان المتداركتان زيادة، فهو يعلم بزيادة إما زيادة السجدتين وهذا موجب لبطلان الصلاة، أو زيادة القيام للركعة الثانية إن كان في الواقع لم يأت بالسجدتين وهذا موجب لسجود السهو، فمقتضى منجزية العلم الإجمالي - إما بإعادة الصلاة لزيادة السجدتين أو وجوب سجود السهو لزيادة القيام - الجمع بينهما، فيعيد صلاته ويسجد سجدتي السهو.

ولكن قد يقال إذا جرى في أحد طرفي العلم الإجمالي أصل مثبت منجز للتكليف فإن العلم الإجمالي ينحل حكماً، حيث يجري الأصل الترخيصي في الطرف الآخر بلا معارض، وهذا متحقق في المقام.

وبيان ذلك: أن المكلف إذا علم بأن صلاته إما يجب إعادتها لزيادة السجدتين أو يجب عليه سجود السهو لزيادة القيام، ففي الطرف الأول يوجد أصل مثبت منجز للتكليف وهو استصحاب بقاء الأمر بالصلاة لأنه يشك في امتثال الأمر بهذه الصلاة، إذ لعله زاد سجدتين فلم يمتثل الأمر بها، وبما أن لديه شكاً في الامتثال فالشك في الامتثال مجرىً لاستصحاب بقاء الأمر بالصلاة، فإذا جرى استصحاب بقاء الأمر بالصلاة جرى في الطرف الآخر وهو تردد المكلف في أنه هل يجب عليه سجود السهو أم لا? أصل البراءة عن وجوب سجود السهو بلا معارض، إذ المفروض أن الطرف الأول ليس فيه أصل مرخص كي يعارض البراءة عن وجوب سجود السهو، وإنما الأصل القائم في الطرف الأول أصل منجز وهو استصحاب بقاء الأمر، فلا مانع من جريان البراءة عن وجوب سجود السهو بلا معارض وبه ينحل العلم الإجمالي حكماً، فيعيد الصلاة ولا يجب عليه سجود السهو.

النقطة الثالثة: هل يمكن للمكلف قبل تدارك السجدتين قطع الصلاة أم لا? وبعبارة أخرى ما هو الموجب للعود والتدارك مع علم المكلف بأنه إما ترك سجدتين أو ترك قراءة، وإن تداركهما سيحصل له علم إجمالي بالزيادة، إما زيادة سجدتين وهو مبطل للصلاة أو زيادة قيام وهو موجب لسجود السهو، فهل يتعين عليه التدارك وإتمام الصلاة ثم إعادتها؟

ذكر الشيخ المرتضى الحائري قدس سره [في كتابه خلل الصلاة وأحكامها] توجيهاً لما في متن العروة من الحكم بلزوم العود والتدارك، بأن الموجب للعود والتدارك أن قطع الصلاة قطع للصلاة الصحيحة القطعية بخلاف ما بعد التدارك مما يعني أن هناك فرقا بين ما قبل التدارك وما بعد التدارك، فإذا نظر إلى ما قبل التدارك فالصلاة صحيحة قطعاً فقطعها حرام، لذلك وجب عليه العود والتدارك، ولكنه بعد التدارك - أي بعد أن أتى بسجدتين تداركاً للسجدتين إن كانتا ناقصتين - لا يعلم بأن صلاته صحيحة بل لعلها انقطعت بزيادة السجدتين، أي لعل السجدتين المتداركتين هما القاطع للصلاة، وحيث يحتمل أن الصلاة قد انقطعت بزيادة السجدتين فهو لا يحرز كون فعله قطعاً كي يكون حراماً.

ولكن يلاحظ على ذلك: أنه إن قلنا بأن ما يحرم قطعه من الصلاة هو الصلاة الصحيحة حين القطع فربما يتم كلامه، لأن الصلاة كانت صحيحة حين القطع قبل التدارك، وأما إذا قلنا - كما هو الصحيح وفاقاً لسيدنا الخوئي قدس سره - بأن القدر المتيقن مما يحرم قطعه الصلاة التي يمكن الاكتفاء بها في مقام الامتثال، وهذه الصلاة لا يمكن الاكتفاء بها في مقام الامتثال وإن كانت صحيحة بالفعل، لأن حالها دائر بين أمرين إما عدم التدارك ويأتي بالركوع ويمضي فلا يحرز تمامية الصلاة إذ لعلها نقصت سجدتين، وإما أن يعود ويتدارك فلا يحرز أيضاً صحة الصلاة إذ لعله زاد سجدتين، فهذه الصلاة بحسب المآل مما لا يمكن الاجتزاء بها في مقام الامتثال، وبناءً على ذلك لا يحرم قطعها، مضافاً إلى أن القطع محتمل على كل حال، فإنه إن لم يتدارك ومضى فلعل الركوع قطع لأن الصلاة نقصت سجدتين، وإن تدارك فلعل التدارك قطع لأنه زيادة سجدتين، فالقطع محتمل في كلتا الحالتين. هذا تمام الكلام في الصورة الأولى.

الصورة الثانية: أن يعلم المكلف بعد قيامه للركعة الثالثة بأنه إما ترك السجدتين أو ترك التشهد، وفي هذه الصورة عدة مطالب:

المطلب الأول: في جريان قاعدة التجاوز: الصحيح عدم جريان قاعدة التجاوز لا في التشهد ولا في السجدتين، وهذا هو الفارق بين هذه الصورة والصورة السابقة، حيث مضى في الصورة السابقة إمكان جريان قاعدة التجاوز في السجدتين بلا معارض، ولكن في هذه الصورة لا يتم ذلك.

أما عدم جريان قاعدة التجاوز في التشهد فللعلم بلغوية القيام والعلم التفصيلي بأن التشهد لم يمتثل أمره، فإن المكلف إما ما أتى بالتشهد أو إن كان قد أتى به فقد أتى به في غير محله لنقص السجدتين قبله، ومع العلم التفصيلي بعدم امتثال أمره فلا موضوع لجريان قاعدة التجاوز فيه - يعني في التشهد -، كما أنها لا تجري في السجدتين، والسر في ذلك أحد وجهين:

الوجه الأول: لغوية القيام مع عدم إحراز جزء آخر يتحقق به تجاوز السجدتين، حيث إن الركعة ناقصة إما سجدتين أو تشهد، فلنقص أحد الجزئين قبل القيام يكون القيام لغوا على كل حال، والقيام اللغو ليس محققاً للتجاوز كي تجري بلحاظه قاعدة التجاوز، ولا يحرز جزء آخر دخل فيه بعد السجدتين كي يكون مناطاً في جريان قاعدة التجاوز في السجدتين .

الوجه الثاني: بما أن التشهد لا بد من تداركه فمتى رجع لتداركه صار الشك في السجدتين شكاً في المحل لا بعد المحل، لأنه ما دام مطالباً بتدارك التشهد فهو بالنسبة للسجدتين لم يخرج من المحل الشرعي والعرفي للسجدتين كي تجري فيهما قاعدة التجاوز.

المطلب الثاني: بما أن قاعدة التجاوز لا تجري لا في التشهد ولا في السجدتين فمقتضى استصحاب عدم الإتيان بهما تداركهما، فلو رجع المكلف وتدارك السجدتين والتشهد وبعد تداركهما علم إجمالاً بزيادة، إما زيادة السجدتين إن كان قد أتى بهما في علم الله أو زيادة التشهد إن كان قد أتى به في علم الله، وليس المقصود بزيادة التشهد هو التشهد الثاني بل التشهد الأول، لأنه إن كان قد أتى بالسجدتين في علم الله فتدارك السجدتين زيادة قادحة، وإن كان لم يأت بالسجدتين في علم الله فقد أتى في الواقع بالتشهد لأنه يعلم بالإتيان بأحدهما ونقص الآخر، والنتيجة أنه يعلم بعد التدارك إما زاد سجدتين بتداركهما أو أن التشهد الذي وقع منه وقع قبل السجدتين فوقع زيادة، فهو يعلم بزيادة على كل حال، فيقال مقتضى العلم الإجمالي أن يعيد صلاته لاحتمال زيادة السجدتين أو يأتي بسجود السهو لاحتمال زيادة التشهد، ولكن هذا العلم الإجمالي محل نظر باعتبار أنه مبني على وجوب سجود السهو لكل زيادة، وأما إذا أنكرنا ذلك - كما هو الصحيح - فكون التشهد زيادة لا يعني وجوب سجود السهو، فليس لدى المكلف علم إجمالي منجز إما بزيادة سجدتين فالصلاة باطلة أو زيادة تشهد فعليه سجود السهو، بل زيادة التشهد لا أثر لها شرعاً، ويحتمل زيادة السجدتين فيجري في السجدتين استصحاب عدم الزيادة بلا معارض وينحل به العلم الإجمالي.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo