< قائمة الدروس

الأستاذ السید منیر الخباز

بحث الفقه

45/03/01

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: فروع العلم الأجمالي

 

فروع العلم الأجمالي/الفرع السادس عشر

الفرع السادس عشر من فروع العلم الإجمالي: وفيه ثلاث صور:

الصورة الأولى: أن يعلم المكلف قبل أن يدخل في الركوع بأنه إما ترك القراءة من هذه الركعة أو ترك السجدتين من الركعة السابقة، فما هي وظيفته؟

وهنا عدة مطالب:

المطلب الأول: في جريان قاعدة التجاوز في السجدتين دون القراءة، وذلك لعدة وجوه:

الوجه الأول: لا إشكال في أن قاعدة التجاوز تجري في السجدتين، إذ المفروض أن المكلف قد قام إلى الركعة الثانية، وبما أنه قام إلى الركعة الثانية فقد دخل فيما يحقق التجاوز بالنسبة إلى السجدتين، فالشك في السجدتين بعد القيام شك بعد تجاوز المحل فهو مجرى لقاعدة التجاوز، وإنما الكلام في القراءة، فهل المقتضي لجريان قاعدة التجاوز متحقق في القراءة أم لا?

وبيانه أنه تارة يشك المكلف في قراءة الفاتحة وقد تلبس بالسورة التي بعد الفاتحة فهنا لا إشكال في تحقق المقتضي لقاعدة التجاوز في الفاتحة، حيث إن المكلف تجاوز المحل الشرعي للفاتحة بالدخول في السورة، وتارة يشك المكلف في أصل القراءة بفاتحتها وسورتها ولم يكن تلبس بالقنوت ولم يركع فهنا لا إشكال في أن المقتضي لقاعدة التجاوز لم يتحقق بالنسبة إلى القراءة إذ ما زال في المحل الشرعي للقراءة حيث لم يقنت ولم يركع، وتارة يشك في القراءة وقد تلبس بالقنوت فهنا يقع البحث في أن الدخول في القنوت هل هو محقق للمقتضي لقاعدة التجاوز بالنسبة للقراءة أم لا؟

 

وبيان ذلك بذكر أمرين:

الأمر الأول: قد يقال إن المسألة تبتني على أن المستحب جزء من الصلاة أو ليس بجزء، فإن قلنا بأن المستحب - كالقنوت - ليس جزءاً من أجزاء الصلاة - كما ذكر سيدنا الخوئي قدس سره - بلحاظ أنه لا يعقل الجمع بين الجزئية والاستحباب، فالمستحب ما يجوز تركه اختياراً والجزء ما لا يجوز تركه اختياراً فلا يعقل اجتماعهما، وبما أن القنوت ليس جزءاً فالتلبس بالقنوت لا يكون محققاً للتجاوز، لأن التجاوز هو عبارة عن تجاوز المحل الشرعي بالدخول في جزء آخر، وإن قلنا بأن القنوت جزء وإن كان مستحباً لأنه وإن لم يكن دخيلاً في قوام الصلاة المأمور بها بالأمر الإلزامي فإنه دخيل في كمال الصلاة، وبما أنه دخيل في كمال الصلاة فهو جزء من أجزاء الصلاة وإن لم يكن جزءاً واجباً، فعلى هذا الأساس إذا شك المكلف فيما قبل القنوت وهو في القنوت فقد تحقق التجاوز لأنه دخل في جزء آخر وإن كان هذا الجزء مستحباً، فجريان قاعدة التجاوز وعدم جريانها يبتني على أن القنوت جزء من الصلاة أو ليس بجزء.

ولكن الصحيح منع ذلك، إذ ليست المسألة دائرة مدار الجزئية كي نبحث في أن القنوت جزء أم ليس بجزء، فإن صحيح زرارة الوارد في قاعدة التجاوز قد أجرى القاعدة في الأذان لمن شك فيه وهو في الإقامة (قلت له: رجل شك في الأذان وقد أقام، قال: يمضي، قلت: شك في الإقامة وقد كبر، قال: يمضي) وهذا يعني أن قاعدة التجاوز تجري في المستحبات مع أنهما ليسا جزءاً من الصلاة بل هما من مقدماتها، مما يعني أن المناط في قاعدة التجاوز لا ربط له بكون ما دخل فيه جزءاً من الصلاة أو ليس بجزء، بل مناط جريان القاعدة شيء آخر وهذا ما يراد بيانه في الأمر الثاني.

الأمر الثاني: ما هو المناط في جريان التجاوز كي يحكم بجريان القاعدة في المقام وهو من شك في القراءة وقد تلبس بالقنوت أم لا؟

وأهم المباني في المقام ثلاثة :

المبنى الأول: ما هو مبنى سيدنا الخوئي قدس سره من أن مناط جريان قاعدة التجاوز تجاوز المحل الشرعي للمشكوك، وتجاوز المحل الشرعي للمشكوك بأن يدخل فيما يكون لحوقه شرطاً في صحة السابق كما لو شك في الركوع وهو في السجود، فهنا تجري قاعدة التجاوز لأن لحوق السجود شرط في صحة الركوع، إذ لو لم يلحق الركوع بالسجود لم يقع الركوع صحيحاً، فالمحقق للمحل الشرعي هو أن يدخل المكلف في اللاحق الذي يكون لحوقه شرطاً في صحة السابق، ولذلك جرت القاعدة في الأذان لمن دخل في الإقامة مع أنهما ليسا من الأجزاء لأن لحوق الإقامة شرط في صحة الأذان، فمن أذن ولم يقم فأذانه باطل.

فالسر في جريان قاعدة التجاوز هو تجاوز المحل الشرعي وذلك بالدخول فيما يكون لحوقه شرطاً في صحة السابق، وبناءً على ذلك لا تجري قاعدة التجاوز إذا شك المكلف في القراءة وهو في القنوت، لأن لحوق القنوت ليس شرطاً في صحة القراءة، فإنه سواء قنت المكلف أو لم يقنت فإن قراءته صحيحة.

المبنى الثاني: أن المحقق لمناط قاعدة التجاوز هو أن يتلبس المكلف بما أمر به الشارع مرتباً على المشكوك، سواء كان مستحباً أو واجباً شرطاً في صحة السابق أو ليس بشرط، فهذا ممالا دخل له في قاعدة التجاوز، فإن قوله عليه السلام في صحيحة زرارة: (يا زرارة إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء) ظاهر في أن المكلف متى دخل في شيء أمر به الشارع مرتباً على المشكوك فقد دخل في غيره وتحقق مناط قاعدة التجاوز، سواء كان ما أمر به جزءاً واجباً كما إذا دخل في الركوع وشك في القراءة، أو كان مستحباً كما إذا دخل في القنوت وشك في القراءة، وسواء دخل فيما هو من الصلاة أم ليس من الصلاة كما إذا دخل في التعقيب أو الإقامة وشك في التسليم أو الأذان، فإن كل ذلك مما أمر به الشارع مرتباً، فالدخول فيه محقق لقاعدة التجاوز، وهو مبنى بعض الأجلة في كتابه قاعدة الفراغ والتجاوز، وبناءً عليه تجري قاعدة التجاوز لمن شك في القراءة وهو في القنوت، حيث إن القنوت مما أمر به الشارع مرتباً على القراءة وإن لم يكن شرطاً في صحة القراءة.

المبنى الثالث: ما بنى عليه السيد الأستاذ مد ظله من أن مناط قاعدة التجاوز أن يدخل فيما لا ينبغي له الدخول فيه حال الالتفات إلا بعد الفراغ عما قبله، سواء كان جزءاً أو مقدمة الجزء، مثلاً شك في الركوع وقد هوى إلى السجود فإنه تجري القاعدة في حقه وإن لم يدخل في جزء لاحق وإنما دخل في مقدمته إلا أنه تلبس بما لا ينبغي له الدخول فيه حال الالتفات إلا بعد الفراغ عن الركوع، أو تلبس بالتعقيب وشك في التسليم، ولذلك تجري قاعدة التجاوز فيمن شك في الطواف وهو ذاهب إلى المسعى، إذ يكفي في جريانها أن يدخل فيما لا ينبغي الدخول فيه حال الالتفات إلا بعد الفراغ عما سبق وإن لم يكن ما دخل فيه متعلقاً لأثر شرعي ضمن المركب مرتباً على المشكوك، وبناءً على هذا تجري قاعدة التجاوز في القراءة لمن شك فيها وهو في القنوت.

والنتيجة: أن جريان قاعدة التجاوز في المقام يختلف باختلاف المباني في مناط القاعدة.

الوجه الثاني: على فرض أن المقتضي العام موجود، لكن المقتضي في المقام غير موجود، فإن المكلف يعلم إجمالاً أنه إما ترك السجدتين من الركعة السابقة أو ترك القراءة من هذه الركعة، فالقنوت لغو، لأنه ما دام أحد الأجزاء السابقة مفقوداً فلم يقع في محله فهو لغو على كل حال، وبما أن القنوت لغو لا يكون الدخول فيه محققاً للتجاوز، فلو قلنا - بنحو عام -: إن الدخول في المستحب محقق لمقتضي قاعدة التجاوز لكننا لا نقول به في المقام للعلم بلغوية القنوت، حيث إن المكلف يعلم أنه ترك أحد جزئين قبله إما السجدتين وإما القراءة.

الوجه الثالث: على فرض أنه لا علم بلغوية القنوت فمع ذلك لا تجري قاعدة التجاوز في القراءة وذلك لانتفاء الموضوع، وبيانه أن المكلف يعلم تفصيلاً بأن القراءة لم تقع امتثالاً لأمرها، إما لأن المكلف لم يأت بها، أو إذا كان قد أتى بها فقد أتى بها في غير محلها لأنه ترك السجدتين قبلها، فالقراءة على أي حال مما يقطع بعدم امتثال أمرها، ومع العلم التفصيلي بأن القراءة لم يمتثل أمرها فكيف تجري فيها قاعدة التجاوز؟

وبما أن قاعدة التجاوز لا تجري في المقام في القراءة فتجري في السجدتين بلا معارض، حيث إن المكلف قد تجاوز السجدتين بالدخول في القيام، وحيث تجاوز المحل الشرعي للسجدتين بالدخول في القيام تجري قاعدة التجاوز في السجدتين.

المطلب الثاني: على فرض أن القاعدة - أي قاعدة التجاوز - متعارضة، حيث إن المكلف يعلم إجمالاً إما بترك السجدتين أو ترك القراءة فالقاعدة في أحدهما كاذبة، مما يعني التعارض بين الموردين، فإذا سقطت قاعدة التجاوز بالمعارضة وصلت النوبة للاستصحاب، أي استصحاب عدمهما - عدم السجدتين وعدم القراءة - ومقتضى استصحاب عدمهما تداركهما، فإذا تداركهما دخل في مشكلة جديدة وهي أنه بمجرد أن يتداركهما يتولد له علم إجمالي جديد بأنه إما الصلاة باطلة لزيادة السجدتين أو يجب عليه سجود السهو للقيام الزائد، فإنه في علم الله إن كان قد أتى بالسجدتين سابقاً فالسجدتان المتداركتان زيادة، وزيادة السجدتين مبطل، وإن كان في علم الله لم يأت بالسجدتين فالقيام الذي صدر منه وقع في غير محله، والقيام في غير محله موجب لسجود السهو، فهو يعلم متى تدارك أنه إما يجب عليه إعادة الصلاة لزيادة السجدتين أو يجب عليه سجود السهو للقيام الزائد، واستصحاب عدم زيادة السجدتين معارض باستصحاب عدم زيادة القيام، فمقتضى منجزية العلم الإجمالي أن يجمع بين إعادة الصلاة والإتيان بسجدتي السهو.

فهل هذا العلم الإجمالي منجز أم منحل؟

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo