< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

45/11/03

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الحجّ/فصل في الحجّ الواجب بالنذر والعهد واليمين /انعقاد النذر والعهد واليمين من الكافر

 

تقدّم الكلام في أنّه يصحّ النذر والعهد واليمين من الكافر، ولا دليل على كون النذر وأخويه عبادياً، وكذا لا دليل على كون المتعلّق فيهما كذلك، بل المستفاد من بعض الأدلّة كراهة النذر والعهد واليمين.

وقد يُستدلّ على استحباب النذر قوله تعالى: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً﴾[1] ، هذه الآية نزلت في شأن أمير المؤمنين الإمام علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، فإنّهم أطعموا المسكين واليتيم والأسير في ثلاث ليال، ولم يفطروا على شيء من الطعام ولم يذوقوا إلّا الماء، فأثنى الله عليهم هذا الثناء الحسن، ولكنّها لا تدلّ على استحباب النذر وكونه عباديّاً بل تدلّ على وجوب الوفاء به، وعليه فمَن نذر فإنّه يجب عليه الإتيان به، ويستحقّ العقاب عند العصيان، ولكن نذره مكروه على أيّ حال؛ لأنّه ألزم نفسه بما لم يلزمه الشارع به. إذن هذه الآية تدلّ على صحّة النذر ولزوم الوفاء به، ولكنّه مكروه نظير كراهة بيع الأكفان إلّا أنّ البيع الحاصل منه صحيح ويجب على البائع الوفاء به، ونظير كراهة الصلاة في المزبلة والمقبرة ولكنّها صحيحة.

وكذا قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾[2] ، لا يدلّ على الاستحباب، والتفث هو الوسخ، فيحلّ المحرم من إحرامه بالحلق أو التقصير أو تقليم الأظفار ويترك الوسخ ويغتسل ويتنظّف، والنذر في قوله تعالى: ﴿وليوفوا نذورهم﴾ بمعنى نُسكهم وأعمالهم الواجبة بواسطة الإحرام، أي: وليوفوا نُسكهم التي ألزموا أنفسهم بها بواسطة الإحرام سواء نذروها أو لم ينذروها وكانت حجّة الإسلام، ويطوفوا بالبيت ﴿وليطّوفوا بالبيت العتيق﴾.

ويدلّ على كراهة النذر روايات:

منها موثّقة إسحاق بن عمار، قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)، إنّي جعلت على نفسي شكراً لله ركعتين أُصلّيهما في السفر والحضر، أفأصلّيهما في السفر بالنهار؟ فقال: نعم، ثمّ قال: إنّي لأكره الإيجاب أن يوجب الرجل على نفسه، قلت: إنّي لم اجعلهما لله عليّ، وإنّما جعلت ذلك على نفسي أُصليهما شكراً لله، ولم أوجبهما على نفسي، أفأدعهما إذا شئت؟ قال: نعم» [3] ، فإنّ معنى الإكراه في قوله «إنّي لأكره الإيجاب» لغة هي الحرمة والمبغوضية، ولكن إذا صدرت الكراهة في جو يكون الجواز مفروغاً عنه عند المتشرّعة تحمل على الكراهة الاصطلاحية.

ومنها: الرواية المروية عن الصادق (عليه السلام)، عن أبيه (عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ: ﴿يوفون بالنذر﴾ قال: «مرض الحسن والحسين وهما صبيان صغيران، فعادهما رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومعه رجلان، فقال أحدهما: يا أبا الحسن! لو نذرت في ابنيك نذراً إن عافاهما الله، فقال: أصوم ثلاثة أيام شكراً لله عزّ وجلّ، وكذلك قالت فاطمة، وكذلك قالت: جاريتهم فضّة، فالبسهما الله عافية فأصبحوا صياماً وليس عندهم طعام الحديث» [4] ، وهذه الرواية لم تدلّ على أنّ الإمام علي (عليه السلام) نذر أن يصوم ثلاثة أيّام؛ لأنّه لم يأت بصيغة النذر بل قال أصوم ثلاثة أيّام، وكذلك فاطمة الزهراء (عليها السلام) لم تنذر أن تصوم، فإنّ النذر لا ينعقد إلّا بصيغة معيّنة وهي (لله عليّ أن أفعل كذا)، وكذا العهد واليمن والنكاح والطلاق فإنّ لكلّ واحد منهم صيغة معيّنة ولم ينعقد بدونها.

ومنها: رواية الفضل بن الحسن الطبرسي في (مجمع البيان) قال: روى الخاص والعام، قالوا: «مرض الحسن والحسين (عليهما السلام) فعادهما جدّهما ووجوه العرب، وقالوا: يا أبا الحسن! لو نذرت على ولديك نذراً، فنذر صوم ثلاثة أيام إن شفاهما الله، وكذلك نذرت فاطمة (عليها السلام)، وكذا جاريتهم فضّة فبرئا، وليس عندهم شيء، ثمّ ذكر قصّة نزول هل أتى فيهم» [5] ، وهذا ليس نذراً شرعيّاً؛ لأنّ النذر له صيغة معيّنة وهي (لله عليّ أن أصوم مثلاً إذا حصل كذا) ولم يأتوا بها فلا يكون نذراً شرعيّاً.

ومنها: الرواية عن الإمام الباقر أو الصادق (عليهما السلام) حيث قال: «لا توجب على نفسك الحقوق، واصبر على النوائب، ولا تدخل في شيء مضرّته عليك أعظم من منفعته لأخيك« [6] .

ويدلّ على كراهة اليمين روايات:

منها ما رواه الشيخ الطوسي بسنده عن علي بن مهزيار، قال: «كتب رجل إلى أبي جعفر (عليه ‌السلام) يحكي له شيئاً، فكتب (عليه السلام) إليه: والله ما كان ذلك، وإنّي لأكره أن أقول: «والله» على حال من الاحوال، ولكنه غمّني أن يقال ما لم يكن» [7] ، والكراهة في لسان الروايات لغة معناها المبغوضية، لكن إذا صدرت في جو يكون جواز الحلف مفروغاً عنه تنقلب من المبغوضية إلى الكراهة الاصطلاحية.

ومنها: موثّقة عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «اجتمع الحواريون إلى عيسى (عليه ‌السلام)، فقالوا: يا معلّم الخير! ارشدنا، فقال: إنّ موسى نبيّ الله أمركم أن لا تحلفوا بالله كاذبين، وأنا آمركم أن لا تحلفوا بالله كاذبين، ولا صادقين» [8] .

ومنها: خبر النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مَن أجلّ الله أن يحلف به أعطاه الله خيراً ممّا ذهب منه» [9] .

ومنها: معتبرة أيوب الخرّاز، قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا تحلفوا بالله صادقين ولا كاذبين، فإنّه عزّ وجلّ يقول: ﴿وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ﴾» [10] ، فإنّ النهي وإن كان ظاهره الحرمة ولكن صدر في جو يكون جواز اليمين مفروغاً عنه فيحمل على الكراهة الاصطلاحيّة.

ومنها: رواية عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) «أنّ أباه كانت عنده امرأة من الخوارج، اظنه قال: من بني حنيفة، فقال له مولى له: يا ابن رسول الله! انّ عندك امرأة تبرأ من جدّك، فقضى لأبي أنّه طلّقها، فادّعت عليه صداقها، فجاءت به إلى أمير المدينة تستعديه، فقال له أمير المدينة: يا علي إمّا أن تحلف، وإمّا أن تعطيها، فقال لي: يا بنيّ! قم فأعطها أربعمائة دينار، فقلت له: يا أبة! جعلت فداك، ألست محقا؟! قال: بلى يا بنيّ! ولكنّي أجللت الله أن أحلف به يمين صبر» [11] .

ومنها: الرواية عن الإمام الباقر أو الصادق (عليهما السلام) حيث قال: «لا توجب على نفسك الحقوق، واصبر على النوائب، ولا تدخل في شيء مضرّته عليك أعظم من منفعته لأخيك« [12] .

ومنها: رواية نبويّة «لا تنذروا؛ فإنّ النذر لا يُغني من القدر شيئاً، وإنّما يُستخرج به من البخيل» [13] .

ويدلّ على كراهة العهد:

يقول بعض أهل السنّة: إنّ العهد ليس له خصوصيّة بل إنّه تارة يكون في معنى اليمين والنذر، وأُخرى يكون في معنى اليمين فقط.

ولكنّنا نقول: إنّ العهد ليس بمعنى اليمين ولا النذر، بل هو ما يجعله الانسان على ذمّته، وصيغته هي (عاهدت الله أو على عهد الله أن أفعل كذا أو أترك كذا)، وهو مكروه أيضاً ولكن مَن عاهد الله فإنّه يجب عليه الوفاء به، ويدلّ على لزوم الإتيان به قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ﴾[14] ، وكذا قوله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾[15] ، ولكنّ كراهة العهد لوجود ملاك كراهية اليمين والنذر وهو أن يلزم الرجل نفسه بما لم يلزمه الله تعالى.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo