< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

45/10/28

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الحجّ/فصل في الحجّ الواجب بالنذر والعهد واليمين /الشرائط المعتبرة في النذر وأخويه

 

فصل في الحجّ الواجب بالنذر والعهد واليمين

ويشترط في انعقادها البلوغ والعقل والقصد والاختيار، فلا تنعقد من الصبي وإن بلغ عشراً وقلنا بصحّة عباداته وشرعيتها، لرفع قلم الوجوب عنه، وكذا لا تصحّ من المجنون والغافل والساهي والسكران والمُكره، والأقوى صحّتها من الكافر وفاقاً للمشهور في اليمين، خلافاً لبعض، وخلافاً للمشهور في النذر، وفاقاً لبعض، وذكروا في وجه الفرق عدم اعتبار قصد القربة في اليمين، واعتباره في النذر، ولا تتحقّق القربة في الكافر ...

ولنا إشكال على تعبير المصنّف (قده) من وجوب الحجّ بالنذر والعهد واليمين حيث قال: «فصل في الحجّ الواجب بالنذر والعهد واليمين»؛ لأنّ الحجّ الواجب هو حجّ الإسلام فقط الذي دلّ على وجوبه القرآن والسنّة، وأمّا الواجب الذي يتحقّق بعد النذر والعهد واليمين في المقام وكذا في الحجّ الاستئجاري ليس هو الحجّ بل الواجب إنّما هو لزوم الوفاء بالنذر والعهد واليمين والإجارة نتيجة دليل (فِ بالنذر والعهد واليمين) أو نتيجة دليل (أوفوا بالعقود). وبناء على ذلك، فإنّ الحجّ في هذه الموارد يكون مستحبّاً لا واجباً، والواجب هو لزوم الوفاء بالنذر والعهد واليمين والإجارة، ولزوم الوفاء يوجب إتيان الحجّ (المستحب) في الخارج، ولا يوجب سريان الوجوب من الوفاء بالنذر ونحوه إلى الحجّ.

ونقول بهذا الأمر أيضاً في غير الحجّ كما لو نذر شخص أن يصلّي صلاة الليل إذا رزقه الله ولداً، فالواجب هنا هو وجوب الوفاء بالنذر نتيجة (فِ بالنذر)، ولا يسري الوجوب منه إلى صلاة الليل بل تبقى هذه الصلاة على استحبابها ولا تنقلب من كونها مستحبّة إلى واجبة، وإنّما يجب الإتيان بصلاة الليل المستحبّة نتيجة الوجوب بوفاء النذر.

إذن في توصيف الحجّ الواجب بالنذر والعهد واليمين هنا مسامحة، إذ إنّ الواجب من الحجّ هو خصوص حجّة الإسلام، وفي النذر يكون الوجوب للنذر، وهذا الوجوب يدلّ على إتيان الحجّ في الخارج إلّا أنّه لا يوجب سريان الحكم من عنوان الوفاء بالنذر الواجب أو الوفاء بعقد الإجارة الواجب (أوفوا بالعقود) إلى عنوان الحجّ، ويبقى الحجّ عن الغير ويبقى الحجّ عن المنذور مع أخويه اليمين والعهد على الاستحباب ولا يكون واجباً، فما يُقال من أنّ الحجّ المنذور واجب بالعرض غلط ومسامحة في التعبير، ولا ينبغي أن يصدر من العلماء وإن كان قد يصدر من غيرهم، وهذا التعبير «وجوب الحجّ المنذور ووجوب الحجّ الذي عليه يمين» ليس صحيحاً.

قال صاحب العروة (قده): يُشترط في انعقاد النذر وأخويه أمور أربعة، وهي: البلوغ والعقل والقصد والاختيار، فلا ينعقد النذر والعهد واليمين من الصبي حتّى لو قلنا بصحّة عبادته إذا بلغ عشراً؛ لأنّه قد رُفع عنه القلم حتّى يحتلم، والظاهر من رفع القلم إنّما هو رفع قلم التكليف لا رفع قلم المؤاخذة ولذا لم يوضع تكليف على الصبي، وأمّا الروايات الدالّة على صحّة عبادات الصبي إذا بلغ عشراً فهي دليل خاص على أنّ عباداته شرعيّة وليست تمرينية ويثاب عليها، ولكنّها لا تدلّ على صحّة الحجّ بالنذر والعهد واليمين، وهكذا الروايات الواردة في قبول وصيّة الصبي إذا بلغ عشراً، فإنّ المستفاد منها مشروعيّة الوصيّة للصبي ولا دلالة فيها على صحّة الحجّ بالنذر ونحوه.

إذن هذه الروايات الخاصّة تدلّ على مشروعيّة عبادات الصبي وقبول وصيّته وهي مخصّصة لعموم أو إطلاق قاعدة رفع القلم، ولكنّ الحجّ بالنذر والعهد واليمين يبقى تحت القاعدة المذكورة.

وكذا لا ينعقد النذر والعهد واليمين من المجنون؛ لحديث رفع القلم عن المجنون حتّى يفيق، ولما رواه إبن ظبيان حيث قال: «أتي عمر بامرأة مجنونة قد زنت فأمر برجمها، فقال علي (عليه السلام): أما علمت أنّ القلم يرفع عن ثلاثة: عن الصبي حتّى يحتلم ، وعن المجنون حتّى يفيق، وعن النائم حتّى يستيقظ؟!» [1] ، ولكثير من الروايات في أنّ التكليف منوط بالعقل.

وكذا لا ينعقد النذر والعهد واليمين إلّا من القاصد فلا يصحّ من الغافل والساهي والسكران؛ لأنّ النذر هو الالتزام بشيء لله تعالى وهو تابع للقصد والتوجّه، وكذا العهد واليمين، وإن لم يقصد ذلك كما لو صدر من الساهي والنائم والخاطئ والسكران فلا عبرة به ولم يتحقّق به الالتزام.

ويدلّ على ذلك، إنّ المستفاد من ظهور دليل وجوب الوفاء بالنذر أو وجوب الوفاء بالعقد أو وجوب الوفاء بكلّ الانشاءات الصادرة من المكلّف هو أن يكون مع القصد وليس مطلقاً حتّى يشمل الغافل والساهي والنائم، وهذا الظهور هو الحجّة.

وكذا لا ينعقد النذر والعهد واليمين من المُكره؛ لحديث الرفع حيث إنّه يدلّ على أنّ أموراً تسعة أو ستة ومنها الإكراه يرفع التكليف أو يرفع المؤاخذة (على قول)، وهو ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام)، أنّه قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): رُفع عن أُمّتي تسعة أشياء: الخطأ، والنسيان، وما أُكرهوا عليه، وما لا يعلمون، وما لا يُطيقون، وما اضطرّوا إليه، والحسد، والطيرة، والتفكّر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطقوا بشفة» [2] ، وكذا تدّل أدلّة كثيرة على أنّ الإكراه يرفع التكليف أو يرفع المؤاخذة منها ما دلّ على عدم صحّة طلاق المُكره، وكذا ساير الموضوعات التي تقع على نحو الإكراه.

وأمّا مسألة انعقاد النذر والعهد واليمين من الكافر، واعتبار الإسلام ففيها ثلاثة أقوال:

الأوّل: يصحّ اليمين من الكافر؛ لأنّه مكلّف بالفروع ولا يشترط قصد القربة في اليمين، ولكن لا يصحّ منه النذر والعهد؛ لاشتراط قصد القربة في النذر والعهد ولا يتحقّق ذلك من الكافر.

الثاني: لا يصحّ النذر والعهد واليمين من الكافر، لاشتراط قصد القربة في الجميع، وقال صاحب الجواهر (قده): «لم أجد خلافاً في عدم صحّته [أي: النذر] منه [أي: من الكافر] بين أساطين الأصحاب» [3] .

الثالث: يصحّ النذر والعهد واليمين من الكافر، لعدم الاشتراط وهو ما ذهب إليه صاحب العروة (قده).

وهذه الأقوال كلّها مبنية على أنّ الكفّار مخاطبون بالفروع، وأمّا بناء على ما ذهب إليه المحقّق صاحب الحدائق والمحقّق الخوئي (قدّس سرّهما) من اختصاص الفروع بالمسلمين وعدم تكليف الكفّار بها فلا مجال لهذا الاختلاف؛ لأنّ الكافر غير مكلّف بالنذر والعهد واليمين.

وأمّا بناء على ما اخترناه في أنّ كلّ مَن على وجه البسيطة مخاطب بشريعة الإسلام حتّى الكافر فيأتي هذا الاختلاف، فإنّ الكافر مكلّف بالفروع وتشمله الخطابات الشرعيّة أيضاً، وهذه الخطابات لا تختصّ بالمؤمنين وإن ورد الاختصاص في بعضها مثل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ لكنّه للتشريف.

وبناء على ما ذهب إليه المشهور من تكليف الكافر بالفروع فقد أفاد المحقّق الخوئي (قده) [4] : قد يقال: لا ينعقد النذر من الكافر؛ لأنّه يشترط في صحّته قصد القربة خصوصاً بعد كونه فعلاً عباديّاً، ولا يتحقّق ذلك من الكافر.

وفيه: لا دليل على كون النذر عبادياً بل إنّ المستفاد من بعض الروايات أنّه مكروه، ويدلّ على ذلك موثّقة إسحاق بن عمار، قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)، إنّي جعلت على نفسي شكراً لله ركعتين أُصلّيهما في السفر والحضر، أفأصلّيهما في السفر بالنهار؟ فقال: نعم، ثمّ قال: إنّي لأكره الإيجاب أن يوجب الرجل على نفسه، قلت: إنّي لم اجعلهما لله عليّ، وإنّما جعلت ذلك على نفسي أُصليهما شكراً لله، ولم أوجبهما على نفسي، أفأدعهما إذا شئت؟ قال: نعم» [5] ، فإنّ معنى الإكراه في قوله «إنّي لأكره الإيجاب» لغة هي الحرمة والمبغوضية، ولكن إذا صدرت الكراهة في جو يكون الجواز مفروغاً عنه عند المتشرّعة تحمل على الكراهة الاصطلاحية.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo