< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

45/10/26

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الحجّ/شرائط وجوب حجّة الإسلام /مَن استقرّ عليه الحجّ وتمكّن من أدائه ليس له أن يحجّ عن غيره ...

 

(مسألة110): مَن استقرّ عليه الحجّ وتمكّن من أدائه ليس له أن يحجّ عن غيره تبرّعاً أو بإجارة، وكذا ليس له أن يحجّ تطوّعاً ...

نعم لو لم يكن متمكّناً من الحجّ عن نفسه يجوز له أن يؤجر نفسه للحجّ عن غيره، وإن تمكّن بعد الإجارة عن الحجّ عن نفسه لا تبطل إجارته بل لا يبعد صحّتها لو لم يعلم باستطاعته أو لم يعلم بفورية الحجّ عن نفسه فآجر نفسه للنيابة ولم يتذكّر إلى أن فات محلّ استدراك الحجّ عن نفسه كما بعد الفراغ أو في أثناء الأعمال ...

الفرع السابع:

تقدّم الكلام مفصّلاً فيمن استقرّ عليه الحجّ وتمكّن من أدائه ثمّ آجر نفسه ليحجّ عن غيره، فإنّه يستحقّ العقاب على ترك ما وجب عليه من الحجّ الواجب ولكن يصحّ حجّه عن الغير، وقد دلّت الروايات على الصحّة «وهي تجزي عن الميّت إذا كان للصرورة مال أو لم يكن له مال»، وقد ذهب صاحب العروة والمحقّق الخوئي (قدّس سرّهما) إلى بطلان الإجارة، ولكنّنا لم نقبل أدلّتهما على البطلان وذهبنا إلى الصحّة.

وكذا تقدّم الكلام فيمن استقرّ عليه الحجّ لو كان غير متمكّن من إتيان الحجّ عن نفسه فيجوز له أن يؤجر نفسه للحجّ عن الغير؛ لأنّه غير مأمور بالحجّ عن نفسه بعد العجز.

وأمّا الكلام هنا يقع فيمن آجر نفسه للحجّ عن الغير (الميّت) ثمّ تمكّن من الحجّ عن نفسه كما لو كان غير مستطيع وآجر نفسه ليحجّ عن الغير ثمّ استطاع بعد الإجارة، فقد ذهب المصنّف (قده) إلى صحّة الإجارة؛ لأنّه آجر نفسه ليحجّ عن غيره في وقت لم يكن عليه حجّ واجب، وتمكّنه الأخير بعد الإجارة لا يكشف عن بطلانها.

ذكر المحقّق الخوئي (قده) في هذا الفرع ثلاث صور:

الأُولى: لو كان التمكّن من الحجّ عن نفسه بعد فراغه من عمل الغير، كما لو لم يكن مستطيعاً وآجر نفسه ليحجّ عن الغير وأكمل الحجّ النيابي وأعماله ثمّ استطاع للحجّ عن نفسه، فلا إشكال في صحّة الإجارة هنا من حيث إنّه لا يمكن أن يتدارك الحجّ عن نفسه حينئذ.

والثانية: لو كان التمكّن من الحجّ عن نفسه متوقّفاً على صحّة الإجارة، كما لو ملك مال الإجارة و استطاع به للحجّ عن نفسه، فكذا لا إشكال في الصحّة؛ لأنّ صحّة الإجارة وملكيّته لهذا الثمن هو الذي أوجب عليه التمكّن والاستطاعة للحجّ عن نفسه (إذن الإجارة صحيحة).

والثالثة: لو كان التمكّن من الحجّ عن نفسه من غير مال الإجارة، كما لو ورث من مورِّثه مالاً أو وهب إليه أخوه أو بعض أقاربه مالاً واستطاع به للحجّ عن نفسه، فهذا التمكّن بعد الإجارة يكشف عن فساد الإجارة؛ لأنّ العجز وعدم التمكّن من الحجّ لا يرفع التكليف إلى الأبد بل يرفع التكليف ما دام عاجزاً وغير متمكّن من الإتيان، ولذا تجدّد القدرة والتمكّن من حجّ الإسلام يكشف عن بطلان الإجارة من الأوّل حيث إنّ المعتبر في صحّة الإجارة هو مشروعيّة العمل حين العمل لا حين العقد، فلو كان العمل حال الإيجار جائزاً وعند العمل غير جائز لتمكّنه من الحجّ عن نفسه، بطلت الإجارة.

إذن المحقّق الخوئي (قده) وافق ما ذهب إليه المصنّف (قده) من صحّة الإجارة في الصورتين الأُوليتين وخالفه في الصورة الثالثة.

ويلاحظ عليه في الأخيرة:

أوّلاً: لم يفرض صاحب العروة (قده) أنّ الإجارة تتعلّق بالحجّ النيابي عن الغير في هذه السنة حتّى يقال بفسادها من حيث إنّ العمل في وقته لم يكن مشروعاً لأجل التمكّن من الحجّ عن نفسه، فإنّه فرض أنّ المستأجَر آجر نفسه ليحجّ عن غيره مطلقاً من دون تقييد بأنّ الحجّ عن الغير لا بدّ أن يكون في سنة التمكّن، ولذا لو كانت الإجارة مطلقة ثمّ تمكّن من الحجّ عن نفسه وحصلت له الاستطاعة لم يبطل عقد الإجارة؛ لأنّ الإجارة تعلّقت بطبيعي الحجّ عن الغير والمستأجَر يمكن أن يأتي بالحجّ المستأجر عليه في السنة الثانية بعد الحجّ عن نفسه، وصحّة الإجارة حينئذ لا تنافي وجب الحجّ عليه في هذه السنة وهو حجّة الإسلام.

وثانياً: إنّ الإجارة لو تعلّقت بالحجّ النيابي عن الغير في هذه السنة ثمّ تمكّن من الحجّ عن نفسه وحصلت له الاستطاعة بعد الإجارة من مال آخر، فإنّه يمكن أن يقال: إنّ هذا التمكّن يكشف عن بطلان عقد الإجارة، ولكنّنا نقول: إنّ التمكّن من الحجّ وحصول الاستطاعة بعد الإجارة لا يكشف عن البطلان؛ لأنّ العقد أنشأ صحيحاً حين كونه غير متمكّن من الحجّ عن نفسه فيشمله دليل (أوفوا بالعقود)، ولذا يجب عليه أن يأتي بالحجّ عن الغير في هذه السنة وهو حكم تكليفي يدلّ عليه دليل (أوفوا بالعقود) كما ذكرنا.

ولا يقال: إنّ دليل (أوفوا بالعقود) يدلّ على اللزوم وعدم جواز الفسخ وهو حكم وضعي، لأنّنا نقول: إنّ مفادّه إمّا أن يكون الحكم الوضعي والتكليفي معاً ولا إشكال هنا إلّا استعمال اللفظ في معنيين وهو جائز كما قلنا، أو مفادّه يكون الحكم التكليفي فقط من حيث دلالة لفظ (أوفوا) على الوجوب.

وما ذُكر من مناقشة المصنّف (قده) في أنّ المستأجَر غير قادر على الوفاء بالحجّ عن الغير؛ لأنّه مأمور بالحجّ عن نفسه، تقدّم الجواب عنه بأنّ المستأجَر قادر على الحجّ عن الغير تكويناً قبل الاستطاعة وبعدها بالعصيان.

وكذا ما ذُكر في أنّ الحجّ عن الغير منهي عنه، غير صحيح أيضاً؛ لأنّ الأمر بحجّة الإسلام على فرض وجود الاستطاعة لا يقتضي النهي عن ضدّه الخاص وكذا الضدّ العام، فالحجّ عن الغير لا يكون منهياً عنه.

وهنا قد نقول بأنّه يأتي ما قاله المحقّق الخوئي (قده) سابقاً من بطلان عقد الإجارة حين ما تقدّمت الاستطاعة على الإجارة حيث قال: لا يمكن أن يتعلّق مفادّ (أوفوا بالعقود) بالحجّ النيابي عن الغير مطلقاً مع وجوب حجّة الإسلام عليه؛ لأنّ المستأجَر مأمور بالحجّ الواجب عن نفسه حتّى إذا آجر نفسه ليحجّ عن غيره، فلا يمكن أن يُؤمر بالحجّ عن الغير (الميّت) نتيجة دليل (أوفوا بالعقود)؛ لامتناع الأمر بالضدّين في عرض واحد، وكذا لا يمكن أن يتعلّق مفادّ (أوفوا بالعقود) بالحجّ النيابي عن الغير على فرض عصيان الحجّ الواجب؛ لأنّه تعليق والتعليق في العقود يوجب البطلان.

ولكنّنا لم نقبل ما ذكره هناك وقلنا: بأنّه يمكن أن يكون المستأجَر بانٍ على عصيان الأمر المتوجّه إليه بحجّة الإسلام، فيوقع العقد مع المستأجِر من دون تعليق على فرض العصيان، هذا أوّلاً.

وثانياً: نفرض أنّه توجّه إليه أمر بالحجّ عن نفسه بعد التمكّن وحصول الاستطاعة من غير مال الإجارة، وتوجّه إليه أمر بالحجّ عن الغير لصحّة الإجارة نتيجة دليل (أوفوا بالعقود)، لكن بما أنّه لا يتمكّن من إتيان الحجّتين في سنة واحدة في مقام الامتثال فيطبّق أحكام باب التزاحم ويقدّم الأهم وهو الحجّ عن نفسه الذي هو ركن الإسلام وبُني عليه الدين، وإذا عصى وترك الحجّ الواجب عن نفسه فيتفعّل الأمر الآخر الترتّبي وهو الحجّ عن الغير، ولذا يصحّ الحجّ النيابي وتصحّ الإجارة للترتّب.

نعم، أُضمر الأمر بوجوب الحجّ عن الغير حين التزاحم مع الحجّ الواجب عن نفسه، ولكنّه يتفعّل على فرض العصيان.

وربّما يقال: إنّ تصوير هذا الفرع على مبنى المشهور ـ ومنهم المحقّق صاحب العروة والمحقّق الخوئي (قدّس سرّهما) ـ في إجارة الأعمال غير صحيح؛ لأنّ المستأجِر لو آجر شخصاً ليحجّ عن الميّت يملك العمل المستأجر عليه في ذمّة الأجير، والأجير يملك الأُجرة بعقد الإجارة، وبعد أن كان عمل الأجير مملوكاً للغير، فإنّه لا يتمكّن من الحجّ عن نفسه في هذه السنة، ولا تحصل الاستطاعة أصلاً.

وفيه: إنّ الأجير يتمكّن من الحجّ عن نفسه ولو كان عمله مملوكاً للغير بأن يعصي ما استُأجر عليه فيتمكّن من الحجّ عن نفسه تكويناً، هذا أوّلاً. وثانياً: هذا المبنى في عقد الإجارة ليس بصحيح، وذكرنا في إجارة الأعمال أنّ المستأجِر لا يملك عمل الأجير بل إنّما يملك نتيجة العمل، فإنّه لا معنى لملك العمل قبل وجود العمل، وكذا لا معنى لملكه بعد وجود العمل حيث إنّه بعد الوجود ينتهي. وبناء على ذلك، يبقى العمل على ملك الأجير ويكون مملوكاً لنفسه وهو قادر على صرفه في الحجّ عن الغير، والأمر بحجّ الإسلام لا يسلب قدرة الأجير على إتيان الحجّ عن الغير بعقد الإجارة، والأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضدّه فالحجّ عن الغير لا يكون منهياً عنه، ولذا يقع التزاحم بينه وبين الحجّ الواجب فيقدّم الأهم حينئذ. إذن يمكن تصوير هذا الفرع وهو صحيح أيضاً.

ويضاف إلى ذلك أنّ المحقّق الخوئي (قده) قد ذكر في غير المقام ما يدّل على صحّة عقد الإجارة حيث قال: «للمستأجِر مطالبة الأجير بقيمة العمل الذي لم يأت به»، وفي هذا دلالة على أنّه يملك العمل في ذمّة الأجير، ويأخذ منه قيمة العمل لو أتى بالحجّ الواجب عن نفسه وترك ما استُأجر عليه.

وبالجملة: إنّ الحجّ عن الغير حتّى في فرض تمكّنه من الحجّ عن نفسه من غير مال الإجارة غير منهي عنه ويكون جائزاً، فيصحّ عقد الإجارة حينئذ حتّى في الصورة الأخيرة التي ذكرها المحقّق الخوئي (قده)، وما ذهب إليه المصنّف (قده) من الصحّة هو الصيح؛ لأنّ العقد الإجارة أنشأ صحيحاً حين كونه غير متمكّن من الحجّ عن نفسه فيشمله دليل (أوفوا بالعقود) وهو حكم تكليفي، ولذا يجب عليه أن يحجّ عن غيره، غاية الأمر بعد تحقّق الاستطاعة يجب عليه الحجّ عن نفسه أيضاً، وبما أنّه لا يتمكّن من إتيان الحجّتين في سنة واحدة فيقع التزاحم بينهما، ويُقدّم الأهم وهو حجّ الإسلام، وفي فرض العصيان يتعفّل الأمر الآخر وهو الحجّ النيابي المستأجر عليه عن الغير (الميّت).

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo