< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

45/10/18

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الحجّ/شرائط وجوب حجّة الإسلام /مَن استقرّ عليه الحجّ وتمكّن من أدائه ليس أن يحجّ عن غيره ...

 

(مسألة110): مَن استقرّ عليه الحجّ وتمكّن من أدائه ليس له أن يحجّ عن غيره تبرّعاً أو بإجارة، وكذا ليس له أن يحجّ تطوّعاً ...

وربّما يتمسّك للبطلان في المقام بخبر سعد بن أبي خلف عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) عن الرجل الصرورة يحجّ عن الميّت؟ قال (عليه السلام): نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحجّ به عن نفسه، فإن كان له ما يحجّ به عن نفسه فليس يجزي عنه حتّى يحجّ من ماله، وهي تجزي عن الميّت إن كان للصرورة مال، وإن لم يكن له مال ، وقريب منه صحيح سعيد الأعرج عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) وهما كما ترى بالدلالة على الصحّة أولى، فإنّ غاية ما يدلّان عليه أنّه لا يجوز له ترك حجّ نفسه وإتيانه عن غيره، وأمّا عدم الصحّة فلا، نعم يُستفاد منهما عدم إجزائه عن نفسه، فتردّد صاحب المدارك في محلّه، بل لا يبعد الفتوى بالصحّة لكنّ لا يترك الاحتياط، هذا كلّه لو تمكّن من حجّ نفسه.

وأمّا إذا لم يتمكّن فلا إشكال في الجواز والصحّة عن غيره، بل لا ينبغي الإشكال في الصحّة إذا كان لا يعلم بوجوب الحجّ عليه، لعدم علمه باستطاعته مالاً، أو لا يعلم بفورية وجوب الحجّ عن نفسه فحجّ عن غيره أو تطوّعاً.

ثمّ على فرض صحّة الحجّ عن الغير ولو مع التمكّن والعلم بوجوب الفورية لو آجر نفسه لذلك فهل الإجارة أيضاً صحيحة أو باطلة، مع كون حجّه صحيحاً عن الغير؟ الظاهر بطلانها، وذلك لعدم قدرته شرعاً على العمل المستأجر عليه؛ لأنّ المفروض وجوبه عن نفسه فوراً، وكونه صحيحاً على تقدير المخالفة لا ينفع في صحّة الإجارة خصوصاً على القول بأنّ الأمر بالشيء نهي عن ضدّه؛ لأنّ الله إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه وإن كانت الحرمة تبعيّة ...

كان الكلام في الأمر الثالث من هذه المسألة في الأمور التي استدلّ بها القائلون على فساد الحجّ التطوّعي عن نفسه والحجّ النيابي عن غيره بأُجرة أو تبرّعاً، وهو التمسّك بالروايات حيث ذكروا أنّ الروايات تدلّ على الفساد، بينما دلالتها على الصحّة أولى، فإنّها صريحه في أنّ حجّ النائب عن غيره تطوّعاً أو نيابة صحيح ويكون مجزياً عن الغير (الميّت) لا عن النائب نفسه.

وأمّا الروايات، منها: صحيحة سعد بن أبي خلف، قال: «سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن الرجل الصرورة يحجّ عن الميّت؟ قال: نعم، إذا لم يجد الصرورة ما يحجّ به عن نفسه، فإن كان له ما يحجّ به عن نفسه فليس يجزي عنه حتّى يحجّ من ماله، وهي تجزي عن الميّت إذا كان للصرورة مال وإن لم يكن له مال» [1] ، بدعوى أنّ الضمير المجرور في قوله (عليه السلام) «فليس يجزي عنه» يرجع إلى الميّت.

وفيه: إنّ صدر هذه الصحيحة يدلّ على صحّة حجّ الصروة عن الميّت إذا لم يجد الصرورة ما يحجّ به عن نفسه، ولا يدلّ على فساد الحجّ عن الغير، مضافاً إلى أنّ الصدر خارج عن محل الكلام؛ لأنّ البحث في المقام حول مَن يجد ما يحجّ به لا أنّه لم يجد ما يحجّ به، وأمّا قوله (عليه السلام) «فإن كان له ما يحجّ به عن نفسه فليس يجزي عنه حتّى يحجّ من ماله» فهو صريح في أنّ الصرورة لو كان له مال ومع هذا حجّ عن الميّت، فحجّه عن الميّت لا يصحّ عن نفسه حينئذ؛ لأنّه نوى الحجّ عن الميّت فحجّه لا يقع صحيحاً عن نفسه إلّا أن يحجّ من ماله عن نفسه، وأمّا الصرورة لو حجّ عن الميّت فحجّه يصحّ عن الميّت سواء كان للصرورة مال أو لم يكن له مال، وذلك هو مقتضى قوله (عليه السلام): «وهي تجزي عن الميّت إذا كان للصروة مال وإن لم يكن له مال».

ومنها: صحيحة سعيد الأعرج: «إنّه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصرورة، أيحجّ عن الميّت؟ فقال: نعم، إذا لم يجد الصرورة ما يحجّ به، فإن كان له مال فليس له ذلك حتّى يحجّ من ماله، وهو يجزي عن الميّت كان له مال أو لم يكن له مال» [2] ، ومحلّ الاستشهاد به قوله (عليه السلام): «فليس له ذلك» أي: لا يصحّ منه الحجّ عن نفسه لو نواه عن الغير.

وفيه: مضافاً إلى خروج صدرها عن محلّ الكلام، إنّها صريحة في أنّ حجّ النائب عن الميّت يصحّ عن الميّت دون النائب.

وهنا يوجد مبنى في أنّه لا يمكن فهم الروايات غاية الفهم إلّا أن نرجع إلى فتاوى أهل السنّة، فيوجد قول عندهم ولم تقل به المدرسة الإماميّة، وهو إذا وجب الحجّ على شخص مستطيع ولكنّه لم يحجّ عن نفسه بل حجّ عن غيره قبل أن يحجّ عن نفسه، فيكون حجّه حينئذ لنفسه وتحسب له لا لمن نواه. وقال ابن قدامه في المغني: وبهذا قال الأوزاعي، والشافعي، وإسحاق. واستُدلّ على ذلك بما روى ابن عباس، أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) سمع رجلاً يقول: لبيك ‌عن ‌شبرمة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مَن شبرمة؟ قال: قريب لى، قال: هل حججت قط؟ قال: لا، قال: فاجعل هذه عن نفسك، ثم احجج عن شبرمة.

وبناء على هذا، أنّ هذين الصحيحتين في صدد نفي ما ذهب إليه أهل السنّة من صحّة حجّ الغير عن نفس النائب، وفي صدد إثبات صحّة الحجّ عن الميّت تبرّعاً أو نيابة دون النائب نفسه وهو القول الثاني، فالروايتان يدلّان على القول الثاني وهو الصحّة، ولا دلالة فيهما على الفساد وهو القول الأوّل.

إذن، القول الأوّل وهو فساد الحجّ التطوّعي والحجّ النيابي باطل؛ لبطلان أدلّته كلّها.

وأمّا القول الثالث وهو التفصيل بصحّة الحجّ التطوّعي عن نفسه دون الحجّ النيابي عن غيره بأُجرة أو تبرّعاً فهو باطل أيضاً؛ لعدم الفرق بين طرفي التفصيل، فإذا بطل الحجّ التطوّعي عن نفسه يبطل الحجّ النيابي عن غيره أيضاً.

وأمّا القول الثاني وهو صحّة الحجّ مطلقاً هو الصحيح وإن كان عاصياً بترك الحجّ عن نفسه ويستحقّ العقاب على ذلك، فالمتعيّن هو القول الثاني بعد إبطال القول الأوّل والثالث، وبعد دلالة الصحيحتين المتقدّمتين على صحّة الحجّ عن الميّت حيث قال (عليه السلام): «تجزي عن الميّت إذا كان للصرورة مال وإن لم يكن له مال».

هذا كلّه في الفرع الأوّل فيما لو تمكّن من حجّ نفسه.

الفرع الثاني:

وأمّا إذا استقرّ عليه الحجّ وكان متمكّناً من إتيانه في الأزمنة السابقة ولكنّه عجز عنه فعلاً فيصحّ حجّه نيابة عن غيره ولا مانع من الصحّة حينئذ؛ لأنّه غير مأمور بالحجّ عن نفسه بعد العجز، بخلاف ما إذا كان متمكّناً من الحجّ عن نفسه ولكن حجّ عن الغير كما تقدّم البحث عنه في الفرع السابق؛ إذ إنّ المانع هناك هو كونه مأموراً بالحجّ عن نفسه. وعليه، إنّ المانع من صحّة الحجّ النيابي وهو الأمر بوجوب الحجّ عن نفسه غير موجود فلا يمكن القول بأنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه، ولذا لو حجّ نيابة عن غيره يكون حجّه صحيحاً حينئذ؛ لوجود الأمر بالحجّ النيابي والحجّ عن الغير، فإنّ النيابة عقد تشملها دليل «أوفوا بالعقود»، والحجّ عن الغير مستحب وفيه أمر.

الفرع الثالث:

وأمّا لو كان جاهلاً بوجوب الحجّ عليه لأجل عدم العلم بالاستطاعة الماليّة كما لو لم يعلم مقدار ربحه في هذه السنة، أو مات مورِّثه ولم يعلم بانتقال التركة إليه، أو كان يعلم بأنّه مستطيع ولكنّه جاهل بفورية وجوب الحجّ عليه، أو كان قاصراً فترك حجّة الإسلام وحجّ عن غيره تطوّعاً أو نيابة يصحّ حجّه عن الغير حتّى عند القائل بعدم الصحّة في الفرع الأوّل، وليس عاصياً ولا يستحقّ العقاب لجهله العذري ولقصوره.

وأمّا لو كان الجهل بوجوب الحجّ أو بوجوب فوريّته غير عذري مثل ما لو كان مقصّراً في ترك تعلّم الأحكام التي تخصّه والفحص عنها أو كان هو من أهل العلم مثلاً وادّعى جهله بها فترك حجّة الإسلام وحجّ عن غيره تطوّعاً أو نيابة، فإنّ حجّه عن الغير صحيح كما تقدّم ذلك إمّا من جهة دلالة الروايات المتقدّمة على صحّة الحجّ النيابي عن الغير سواء كان له مال أو لم يكن له مال، أو من جهة الأمر الترتّبي بالحجّ النيابي؛ لأنّه كان مأموراً بالحجّ عن نفسه وأن يسأل عن أحكامه وعن فوريّة وجوب الحجّ وعدمها، فإذا لم يفعل ذلك وترك حجّة الإسلام يتفعّل الأمر الترتّبي بالحجّ النيابي عن الغير حيث إنّه مستحب وفيه أمر، ولكنّه يكون عاصياً بترك حجّة الإسلام ويستحقّ العقاب على تركها؛ لأنّ الجهل في وجوب الحجّ أو في وجوب الفوريّة جهل في الشبهة الحكميّة فلا يكون عذراً على الإطلاق.

الفرع الرابع:

وأمّا بعد القول بصحّة الحجّ عن الغير من جهة الحكم الوضعي واستحقاق العقوبة لعصيانه في ترك الحجّ عن نفسه من جهة الحكم التكليفي يقع الكلام في صحّة الإجارة وعدمها لو آجر نفسه إلى الغير، فقد ذهب المصنّف (قده) وجماعة كثيرة من علمائنا إلى أنّه وإن كان الحجّ عن الغير صحيحاً إلّا أنّ الإجارة فاسدة فيبطل المسمّى ويستحقّ أُجرة المثل، فإذا كان المسمّى خمسة عشر مليون دينار وأُجرة المثل ستة ملايين دينار يستحقّ ستة ملايين دينار.

واستدلّ على ذلك المصنّف (قده) بوجهين:

الأوّل:

إنّ متعلَّق الإجارة وهو الحجّ عن غيره لا بدّ أن يكون مقدور التسليم، ولكنّ المفروض في المقام أنّ الأجير مأمور بالحجّ عن نفسه، ويجب عليه صرف قدرته في الحجّ عن نفسه ولا يجوز له صرفها في الحجّ عن الغير، فعلى هذا يكون غير قادر على تسليم الحجّ المستأجر عليه إلى المستأجر.

ويلاحظ عليه: إنّ القدرة على تسليم الحجّ المستأجر عليه موجودة وهي القدرة التكوينيّة لا القدرة الشرعيّة حتّى يقال: إنّه غير قادر على تسليم الحجّ لكونه مأموراً بحجّة الإسلام، والنهي الشرعي عن حجّ الغير ـ على فرض وجوده ـ لا ينفي القدرة التكوينيّة، فإنّها موجودة وحاصلة وجداناً وإلّا يلزم بطلان الإجارة في كلّ عمل مضادّ لواجب شرعي كما لو آجر نفسه لخياطة أو حياكة أو عمل آخر لا يمكن معه أداء دينه الواجب.

ولو قيل: إنّ المراد من القدرة على تسليم الحجّ عن الغير ليست خصوص القدرة التكوينيّة بل المراد القدرة الشرعيّة أيضاً، فنقول في الجواب: إنّ القدرة الشرعيّة على تسليم الحجّ عن الغير إلى من استأجره عليه موجودة بناء على الترتّب بأن يعصي ما أُمر به من الحجّ لنفسه فيتمكّن حينئذ من أن يأتي بالحجّ عن الغير للأمر الترتّبي به، وكأنّ المولى أمره بالحجّ عن نفسه فإن لم يفعل وعصى الأمر المتوجّه إليه يتفعّل الأمر الثاني بأن يحجّ عن غيره، فالقدرة الشرعيّة حاصلة أيضاً بناء على الأمر الترتّبي الطولي بالحجّ عن الغير.

والثاني:

إنّ الضدّ وهو الحجّ النيابي عن الغير وإن كان محبوباً ذاتاً ولذلك قلنا بصحّته عن الغير إلّا أنّه بناء على أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه الخاص يكون مبغوضاً فعلاً بالنهي التبعي لأجل الإتيان بالحجّ الواجب عن نفسه، ولا منافاة بين المحبوبيّة الذاتيّة والمبغوضيّة الفعليّة حينئذ، فالحجّ عن الغير إذا كان مبغوضاً شرعاً ولو بالنهي التبعي لا يصحّ تعلّق الإجارة به؛ لأنّ الله تعالى إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه، إذن تبطل الأُجرة المسمّاة ويستحقّ أُجرة المثل حينئذ.

ويلاحظ عليه: إنّ الله أمر بحجّة الإسلام ولم يحرّم الضدّ بل أوجب ترك الضدّ من باب المقدّمة الموصلة لأجل الإتيان بحجّة الإسلام، وأمّا الرواية القائلة: «إنّ الله إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه» فهي ضعيفة السند إلّا أنّ مضمونها صحيح؛ لأنّ الشيء إذا كان محرّماً شرعاً لا تصحّ المعاملة عليه، لعدم إمضاء الشارع المعاملة الواقعة على الحرام، كالنهي عن غناء النساء للرجال إن كان مورداً للمعاملة.

إذن ما ذكره المصنّف (قده) من أنّ الحجّ النيابي عن الغير محبوب ذاتاً يقتضي صحّة الإجارة عليه.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo