< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/05/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.

وأما حديث المنع من فضل الماء:- وهو ( عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن عبد الله بن هلال عن عقبة بن خالد عن ابي عبد الله عليه السلام قال:- قضى رسول الله صلى الله عليه وآله بين أهل المدينة في مشارب النخل أنه لا يمنع نفع [ نقع ]شيء وقضى بين أهل البادية أنه لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلاء وقال لا ضرر ولا ضرار )[1] ،[2] ومحمد بن يحيى فهو الأشعري الثقة الذي يروي عنه الكليني كثيراً، ومحمد بن الحسين فهو ابن أبي الخطاب وهو من أجلة أصحابنا، وأما محمد بن عبد الله بن هلال وعقبة لا يوجد توثيق في حقهما.

وشيخ الشريعة قال إنَّ الجمع هنا بين ( وقال لا ضرر ولا ضرار ) هذا حديث آخر غير حديث ( قضى بين اهل المدين أنه لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلاء ) فهذا حديث ولا ضرر حديث آخر قالهما النبي صلى الله عليه وآله سلم بشكل منفصل ولكن عقبة جمع بينهما، وقد قلنا إنَّ السبب الذي دعا شيخ الشريعة إلى أن يصنع هكذا هو أنه أراد أن يفسّر حديث سمرة بالنهي ولكن يقف أمامه هذا الحديث فهنا لا يمكن تفسيره بالنهي لأنه جاء تعليلاً إلى ( قضى النبي بالشفعة) مثلاً والشعفة حكم وضعي، وهكذا المنع فضل الماء، وهذا المنع كراهتي فكيف يعلَّل بالحكم التحريمي، فصار هذا دليلاً على أنه من الجمع بين الروايتين.

فالمقصود أنَّ شيخ الشريعة(قده) ذهب إلى أنَّ هذا من الجمع هو جمع بين الرايتين والشيء المهم الذي تمسك به رواية عبادة، لأنَّ عبادة روى الفقرتين أحدهما منفصلة عن الأخرى بفاصلٍ طويل كما بينا ذلك سابقاً.

والذي نريد أن نقوله هنا: - وهو أنَّ الشيخ النائيني(قده) الذي وافق شيخ الشريعة(قده) من كون المورد من الجمع بين الروايتين ذكر وجهين غير ما استند إليه شيخ الشريعة(قده) من التمسك برواية عبادة وإنما تمسك بوجهين آخرين على أنَّ من قبيل الجمع في مقام الرواية: -

الوجه الأول:- إنَّ المنع من فضل الماء ليس إضراراً وإنما هو عدم وصول النفع إلى الآخرين، وفرق بين الضرر وبين عدم النفع والذي نحن نريده هو الضرر لأنَّ الحديث الثاني هو ( قال صلى الله عليه وآله وسلم لا ضرر )، وهنا المورد ليس هو مورد الضرر وإنما هو مورد عدم النفع، لأنَّ الذي منع فضل الماء من بئره مثلاً صار سببا لعدم وصل النفع إلى جاره مثلاً لا أنه صار سبباً إلى ضرره، فحديث لا ضرر لا يمكن أن يرتبط بحديث ( لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلاء )، لأنَّ هذا ليس من باب الضرر وإنما من باب عدم النفع، فحديث ( لا ضرر ) لا يرتبط بحديث ( لا يمنع فضل ماء )، وقد ذكر هذا قبله شيخ الشريعة(قده) كما وافقه على ذلك جماعة كالسيد الخميني(قده) والسيد الخوئي(قده).

الوجه الثاني: - إنَّ المنع من فضل الماء ليس شيئاً محرماً بل المشهور أنَّ ذلك بنحو التنزيه يعني الكراهة، فإذا كان عند شخص بئراً مثلاً وهو يحتاج إلى نصف مائه أما نصفه الآخر فهو زائد فلو منع غيره من الاستفادة من الماء الزائد فالمشهور ذهب إلى الكراهة لا إلى الحرمة، فإذاً النهي عن فضل الماء كراهتي وليس تحريمياً على رأي المشهور ومادام كراهتياً فلا يمكن أن يعلل بلا ضرر الذي هو تحريمي، فالمنع من فضل الماء تنزيهي فلا يندرج تحت كبرى لا ضرر، فهذه قرينة على ذلك. وقد وافقه على ذلك السيد الخوئي(قده)[3] .

هذا ما ذكره الشيخ النائيني(قده) ووافقه على ذلك جماعة.

ويقع الكلام قضية: - وهي أنه إذا حفر الانسان بئراً في ملكه وستفاد منها فالسؤال هو أنه إذا جاء شخص آخر وأراد أن ستفيد من ماء هذا البئر فهل يتمكن الذي حفر البئر أن يمنعه؟

ذهب المشهور إلى أنَّ المنع مكروه، ولكن نقول كيف يعلل المنع من فضل الماء بلا ضرر بعد كون المنع من الماء مكروه وليس بحرام؟!!، نعم لو كان يحرم على من حفر البئر أن يمنع الثاني فالتعليل بلا ضرر يكون وجيهاً، أما بعد كونه شيئاً مكروهاً كما هو المعروف فكيف نثبت أنَّ هذا مكروه وليس بمحرّم؟

قد يقال: - هناك إجماع على أنَّ النهي تنزيهي وليس نهياً تحريمياً، فعلى هذا الأساس من حفر البئر لا حق له في الماء إلا بمقدار حاجته، وحينئذٍ لا يجوز له أن يمنع الشخص الثاني لأنَّ ذلك سوف يكون ضرراً، نعم لو احتاج الأول إلى كل ماء البئر فهو حقٌّ له، أما إذا احتاج نصف ماء البئر فلا حق له في أن يمنع بلحاظ النصف الثاني ويكون التعليل بلا ضرر وجيهاً.

ولكن يوجد سؤالان: -

السؤال الأول: - إنه بناءً على هذا سوف يكون منع الشخص الثاني من قبل حافر البئر محرّماً والحال أنه قد أدّعي الاجماع على أنه بنحو الكراهة، فعلى هذا الأساس لحافر البئر الحق في أن يمنع الشخص الثاني.

السؤال الثاني: - كيف نثبت أنَّ صاحب البئر لا حق له إلا بمقدار حاجته؟ وإن كان المشهور لا يقول بهذا ولكن نحن كيف نثبت أنه لا حق له في منع الآخرين إلا بمقدار حاجته؟

أما بالنسبة إلى السؤال الأول فيمكن ان يقال في مقام التعليق:- إنَّ دعوى الاجماع محل تأمل، إذ يوجد مخالف لهذا الاجماع وهو الشيخ الطوسي(قده) فإنه حرّم أن يمنع من حفر البئر الشخص الآخر من الاستفادة من مائه الزائد، فإذاً هو لم يوافق على الكراهة بل قال هو تحريمي، فإذا كان تحريمياً فيمكن أن يعلل بلا ضرر الذي هو تحريمي، قال:- ( مسألة 13:- إذا ملك البئر بالاحياء وخرج ماؤها فهو أحق بمائها من غيره بقدر حاجته وحاجة ماشيته وما يفضل عن ذلك يجب عليه بذله لغيره لحاجته إليه للشرب له ولماشيه ... )[4] ، فإذاً هذ المسألة خلافية ولا يمكن أن يدّعى فيها الاجماع على أنَّ النهي كراهتي فإذا كان كراهتياً فلا يمكن أن يعلل بلا ضرر الذي هو تحريمي.

على أنَّ هذا الاجماع منقول، وهو ككل الاجماعات الأخرى حيث إنَّ حجيتها غير ثابتة إما لوهن نفس النقل أو لعدم حجية النقل ولو فرض صحة النقل، فإذاً لا يوجد اجماع معتبر في المقام حتى يمكن التمسك به لإثبات أنَّ المنع لحافر البئر جائز ولكنه مكروه حتى يأتي كلام شيخ الشريعة ومن تبعه من أنَّ التعليل بلا ضرر لا يرتبط به لأنَّ لا ضرر يفيد التحريم وهذا مكروه.

وهناك قضية ثانية نشير إليها: - وهي أننا فهمنا أنه لا دليل على أنَّ حافر البئر له الحق في المنع لوهن الاجماع، ولكن كيف نثبت أنَّ صاحب البئر لا حق له أكثر من مقدار حاجته، أوليس هذا قد حاز ومن حاز ملك؟

والجواب: - إنَّ سعة ملكية الحافر هي التي تحتاج إلى مثبت، والقدر المتيقن هو بمقدار ما حازه من الماء، أما ما زاد على مقدار حاجته فإثبات كونه أحق به هو الذي يحتاج إلى مثبت، وإذا قلت:- إنَّ سيرة العقلاء قد جرت على أنَّ من حاز ملك، قلنا:- إنَّ السيرة دليل لّبي والقدر المتيقن منها هو مقدار الحاجة، أما المقدار الفائض عن الحاجة كالنصف الثاني من ماء البئر فلا يوجد مثبت لأحقيته به، فعلى هذا الأساس لم يثبت حقٌ لحافر البئر إلا بمقدار حاجته وهو نصف ماء البئر أما النصف الثاني فيحرم عليه أن يمنع عنه لا أنه يكره ذلك.

ومن باب الكلام يجر الكلام نذكر مسألة ظريفة: - وهي أنَّ بعض الناس يحوز أراضٍ أكثر من حاجته، كما لو ذهب إلى الصحراء وكانت حاجته دونماً أو دونمين أو ثلاثة ولكنه حاز أكثر من حاجته كعشرين دونماً، فلو دخلنا تلك الأرض فهل يجوز لنا أن نجلس في الزائد عن حاجته أو نصلي فيه أو غير ذلك أو أنه ليس بجائز؟

والجواب:- مادام المدرك هو السيرة وليس هناك دليل لفظي فالقدر المتيقن منها هو مقدار حاجته، أما الزائد عن حاجته فيمكن التصرف فيه من دون حاجة إلى إذنه، فلو كان عند الحائز قاصرين فوجود القاصرين لا يمنع من التصرف فيها كالنوم والصلاة والجلوس والأكل والشرب والنوم وما شاكل، بل حتى لو قال أنا لا أرضى بذلك فلا اعتبار لمنعه، ولذلك أفتى بعض الفقهاء بذلك وهو شيء وجيه، حيث يقول إنَّ الأراضي الوسيعة والأنهار الوسيعة يجوز التصرف فيها من دون إذن أصحابها - يعني في المقدار الزائد عن حاجته - والمدرك هو هذا، فإنَّ مدرك ثبوت الحق لصاحبها هو السيرة، والسيرة دليل لبّي والقدر المتقين منه هو مقدار حاجته فقط، أما الزائد عن حاجته فيجوز التصرف فيه من دون مانع، وهكذا الحال بالنسبة إلى الأشجار التي حازها والنهر الذي حازه إذا كان بمقدار زائد عن حاجته فهذا الكلامي يأتي أيضاً.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo