< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

41/11/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الثامن ( الانحلال الحقيقي والانحلال الحكمي ) - الشبهة المحصورة - مبحث أصالة الاشتغال ( الشّك في المكلف به )- مبحث الأصول العملية.

أما بالنسبة إلى المصداق الثاني: - فالمناسب عدم الانحلال الحقيقي[1] ، لأنَّ ذلك المعلوم الإجمالي وهو النجاسة بسبب الدم كما يحتمل انطباقه على الأول يحتمل انطباقه على الثاني، ولا تقل إنَّ الأول نحن نعلم بأصل النجاسة فنول صحيح نحن نعلم بأصل النجاسة ولكن يحتمل أن هذه النجاسة بسبب الدم، فكما يتحمل انطباقه على الاناء الأول يحتمل انطباقه على الاناء الثاني أيضاً أحتمل نجاسته لأنه يوجد عندي علم بنجاسة أحد الاناءين فعلى هذا الأساس يحتمل أن الاناء الثاني واقعاً هو النجس بسب الدم والاناء الأول أيضاً نجس ولكن بنجاسة غير نجاسة غير الدم.

ولا يقولن قائل: - إنه يوجد عندنا علم اجمالي بأن أحدهما نجس وليس الاثنان؟

ولكن الجواب واضح حيث نقول:- إنَّ علمنا هو أنَّ واحداً منهما نجس ولكن هذا ليس معناه أنَّ الثاني ليس بنجس وهو طاهر حتماً، كلا وإنما الذي أعلم به على الأقل هو نجاسة واحدٍ من الطرفين أما الطرف الثاني فأيضا يحتمل أنه نجس، ودائماً في موارد العلم الإجمالي الأمر هكذا لا أنَّ الطرف الثاني طاهر جزماً، فعلى هذا الأساس المعلوم بالاجمال كما يحتمل انطباقه على الأول لأننا لا نجزم بانطباقه على الأول، لأنَّ الأول صحيح أنه نجس ولكن من قال إنه نجس بسبب الدم، وإنما أنا أعلم بأصل النجاسة، فكما نحتمل انطباق المعلوم بالاجمال على الأول رغم علمنا بأنه نجس نحتمل انطباق المعلوم بالاجمال على الاناء الثاني، فإذاً كيف ينحل بالأول انحلالاً حقيقياً؟!! كلا بل لا ينحل انحلالاً حقيقياً.

نعم إذا جزمت بكون الاناء الأول مثلاً مصداق للمعلوم بالاجمال فهنا ينحل العلم الإجمالي حقيقةً، ولكن في مقامنا لا يمكن الجزم بذلك، لأنه في الاناء الأول نحن نعلم بأصل النجاسة لا أنها نجاسة الدم ولعله واقعاً النجس بسبب الدم هو الاناء الثاني، لأنه حينما نقول يوجد عندنا علم إجمالي فمعنى ذلك أنه يوجد طرف واحد على الأقل هو نجس بسبب الدم أما الطرف الثاني فلا يعني أنه طاهر.

إذاً اتضح أنَّ المصداق الثاني وإن وقع فيه كلام ولكن المناسب أن لا يكون هناك انحلال حقيقي.

أما بالنسبة إلى المصداق الثالث: - فيمكن أن يقال إنَّ الانحلال الحقيقي يمكن أن يتحقق من زاوية، لأنَّ الاناء الأول هو مصداق للمعلوم بالاجمال جزماً، فيكون الانحلال الحقيقي متحققاً، ولكن يمكن أن يقال إنَّ الانحلال الحقيقي لا يتحقق من زاوية أخرى، لأني كما احتمل أنَّ النجس المعلوم بالاجمال هو الطرف الأول كذلك أحتمل كونه الطرف الثاني، فصحيح أنَّ الثاني عندي شك في نجاسته ولكن يحتمل أنه هو النجس واقعاً، فاحتمال النجاسة المعلومة بالاجمال كما يمكن انطباقها على الطرف الأول يمكن انطباقها على الثاني، فالعلم الإجمالي لا يزول حقيقةً، وهذا هو منشأ الخلاف بين العلمين النائيني والعراقي، فهما اتفقا على الانحلال الحكمي من دون كلام، لأنَّ الطرف الأول لا يجري فيه أصل الطهارة فيجري أصل الطهارة في الطرف الثاني وينحل العلم الإجمالي انحلالاً حكمياً، وإنما الكلام هل يزول العلم الإجمالي زوالاً حقيقياً أو لا ؟ قد اختلف العلمان في ذلك، ونحن بيّنا أنه يمكن أن يكون انحلالاً حقيقياً من زاوية ولا يمكن أن يكون انحلالاً حقيقياً من زاوية أخرى.

ولا يستحق هذا الأمر تطويل الكلام فيه، لأنَّ هذا البحث لا فائدة منه فإنه بعد فرض وجود الانحلال الحكمي لا فائدة من البحث في الانحلال الحقيقي، وبهذا ننهي كلامنا عن هذا البحث.

 

دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين

جرت عادة الأصوليين أن الشك تارة يكون في أصل التكليف وتارة يكون الشك في المكلف به مع العلم بأصل التكليف، والشك في أصل التكليف له مبحث البراءة والاشتغال وهو كما لو شككنا أن التدخين أو شرب القهوة هل هو حلال أو حرام، لأن مثل هذه الأمور لم تكن موجودة في زمن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام فإذا لم تكن موجدة فسوف نشك في الحلّية والحرمة، وهذا شك في أصل التكليف، ويأتي فيه النزاع بين الاخباريين والأصوليين وأنه هل الأصل هو البراءة أو الاشتغال، وهذا قد تقدم وانتهينا منه، ثم دخلنا في مبحث الشك في المكلف به يعني أصل التكليف معلوم ولكن المكلف به مشكوك، وهذا قد قسّم إلى قسمين فتارة يكون المكلف به دائراً بين المتباينين وأخرى يكون دائراً بين الأقل والأكثر، فدخلنا بعد البراءة في مبحث الشك في المكلف به، والشك في المكلف به ينقسم إلى قسمين فتارة المكلف به نشك فيه لدورانه بين المتباينين مثل يوم الجمعة هل الواجب هو صلاة الجمعة أو الواجب هو صلاة الظهر، فهذا دوران بين المتباينين والمعروف فيه هو وجوب الاحتياط، ولا تقل هل يجب علينا أن نحتاط يوم الجمعة؟ ولكن نقول: - إننا نشك هكذا بادئ ذي بدء ولكن بعد ذلك نثبت بالأدلة أن الواجب أما صلاة الجمعة أو صلاة الظهر أو التخيير بينهما، ولكن لو فرض أننا شكننا في ذلك فهذا يصير من الدوران بين المتباينين، وهذا قد بحثناه فيما سبق وقد انتهينا منه الآن، أما الآن فكلامنا يقع في الدوران بين الأقل والأكثر.


[1] إن كان الانحلال الحكمي مسلّماً.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo