< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

40/02/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- حجية خبر الواحد.

وقبل أن نبطل الاحتمال الثاني نذكر توجيهاً لإثباته ثم نناقش التوجيه:-

أما التوجيه الذي يذكر لإثبات الاحتمال الثاني فهو أن يقال:- إنَّ الشروط دائماً هي موضوعات للأحكام ، يعني إذا قلت ( إن جاءك زيد فأكرمه ) فمتعلق وجوب الاكرام هل هو زيد أو زيد الجائي - أي الذي جاء - بحيث يكون الجائي أو الذي جاء - الذي هو الشرط - هو جزء من الموضوع ، فالموضوع هو زيد الجائي لا زيد فقط ، فزيد الجائي هو الموضوع ، فدائماً الشروط هي جزء من الموضوع ، ففي ﴿ ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ﴾ الموضوع هو الناس المستطيعون ، وقد عبّر الشيخ النائيني(قده) عن ذلك فقال ( شرائط الأحكام موضوعات لها ) ، مثل ( إذا جاء زيد فأكرمه ) فشرط وجوب الاكرام هو المجيء ، فهذا المجيء يصير موضوعاً للحكم ، يعني هو جزء الموضوع ، يعني يصير الموضوع هو زيد المقيّد بالمجيء ، أي زيد الجائي وليس زيد فقط ، فموضوع وجوب الحج ليس هو ذات الناس بل هو الناس المستطيعون ، فدائماً شرط الحكم هو موضوع للحكم.

وبناءً على الاحتمال الثاني كان الشرط هو مجيء الفاسق بالنبـأ ، فصار إذاً هذا الشرط جزء من الموضوع ، يعني نبأ الفاسق هو الموضوع لا نفس النبأ ، وإنما هو نبأ الفاسق أو الذي جاء به الفاسق ، فالموضوع هو نبأ الفاسق ، وهو ما يريده الاحتمال الثاني ، لأنَّ الاحتمال الثاني كانت له خصوصية وهو أنه يجعل الموضوع هو نبأ الفاسق ، فإذا كان الموضوع نبأ الفاسق فالشرط يصير محققاً للموضوع ، فالقضية حينئذٍ لا يصير لها مفهوم.

وربما يمكن أن يدعم بما ذكره الشيخ عبد الكريم الحائري(قده)[1] حيث قال:- لو كان الموضوع هو طبيعي النبأ وذات النبأ لا نبأ الفاسق فيلزم من ذلك محذور لا يمكن الالتزام به وهو أنَّ الطبيعي - أي طبيعي النبأ - الذي يصدق على نبأ العادل هذا الطبيعي الصادق على نبأ العادل يجب التبيّن عنه بما في ذلك فرده وهو نبأ العادل إذا جاء الفاسق بالنبأ ، فمتى ما أتى الفاسق بنبأ فسوف يجب التبيّن عن الطبيعي أي حتى عن نبأ العادل ، لأنَّك تلتزم بأنَّ الموضوع هو الطبيعي يعني الصادق على العادل ، فمتى ما تحقق الشرط يعني بأن جاء الفاسق بالنبأ فيلزم ثبوت التبيّن للطبيعي ، يعني يلزم ثبوت التبيّن لخبر العادل لأنَّ الطبيعي صادق على خبر العادل ، وهذا لا يمكن الالتزام به ، وهذا من نتائج كون الموضوع هو الطبيعي ، فمن التزم بكون الموضوع هو الطبيعي يلزم أن يلتزم بهذا المحذور ، وهذا لا يمكن الالتزام به.

هذان تقريبان قد يتمسّك بهما للوجه الثاني.

والجواب أن نقول:- إنَّ ما ذ كر في التقريب الأوّل صحيح ووجيه - وهو أنَّ شرائط الأحكام موضوعات لها - لكنه تام بحسب عالم الثبوت ، فثبوتاً شرط الحكم هو موضوع للحكم ، ولكن في عالم الصياغة الشرط ليس موضوعاً بل الشرط شرطٌ للحكم وليس موضوعاً له ، ثم نضيف ونقول: إنَّ اقتناص المفهوم من القضية هو من شؤون عالم الاثبات وليس من شؤون عالم الثبوت والواقع ، يعني نحن نقتنصه من تركيب القضية الاثباتي ولا نقتنصه من عالم اللبّ والواقع ، فإذاً حصل خلط بين المقامين ، وفي عالم الاثبات الشرط ليس جزءاً من الموضوع.

ويوجد عندنا منبّه على كون المفهوم يقتنص من عالم الاثبات ولا يلحظ فيه عالم الثبوت:- وهو أنه لو كان المدار على عالم الثبوت يلزم أن لا يتحقق مفهوم عندنا أبداً ، وهذا مخالف للوجدان ، فالآن توجد عندنا من المفاهيم الواضحة المسلّمة التي نشعر بها بالوجدان مفهوم الشرط ، مثل ( إذا جاءك زيد فأكرمه ) ، فهذا نستفيد منه المفهوم ، وإن كان صاحب الكفاية لم يقبل به ولكنه في الفقه حتماً يرجع إلى ذوقه العرفي كما في ( إذا بلغ الماء قدر كرّ فلا ينجسه شيء ) فهل تلتزم بأنَّ هذه القضية لا مفهوم لها ؟! كلا لا يمكن الالتزام بذلك ، بل حتى صاحب الكفاية حتماً في الفقه حينما يرجع فهو يرجع إلى ذوقه العرفي.

فنحن نقول إنَّ من المفاهيم الواضحة المسلّمة مفهوم الشرط مثل ( إن جاءك زيد فأكرمه ) ، إنه بناءً على مقالة أنَّ شرائط الأحكام موضوعات لها يلزم أن يصير الشرط هنا جزءاً من الموضوع ، يعني يصير هكذا ( زيد الجائي أكرمه ) وهذا لا مفهوم له ، لأنَّ صبّ حكمٍ على موضوعٍ لا يدل على نفيه عمّا عداه ، فهو قد صبّه هنا على زيدٍ الجائي وهذا لا يدل على أنَّ زيداً غير الجائي لم يثبت له الحكم ، فهو قد بيّن هذا المقدار فلا نفهم منه أكثر من ذلك ، فيلزم إنكار كلّ المفاهيم والحال أنَّ المفهوم ثابتٌ للشرط جزماً ، وهذا منبّه واضح على أنه في قضية المفهوم نلاحظ عالم تركيب القضية والدلالة والاثبات لا عالم اللبِّ والواقع ، فلا نخلط بين المقامين.

وإذا اتضح هذا نقول:- إنه في قضية ( إن جاءكم فاسق بنبأ ) صحيح أنَّ المجيء هو شرط والشرط يرجع لبّاً إلى موضوع الحكم ، ولكن إذا أردنا أن نحصل على المفهوم فلا نلاحظ عالم اللبِّ وإنما نلاحظ عالم تركيب القضية وعالم الاثبات ، وفي عالم الاثبات الشرط هو غير الموضوع ، فإذاً لا مشكلة في البين من هذه الناحية.

تبقى مقالة الشيخ عبد الكريم الحائري فقد اتضح دفعها من خلال ما ذكرناه.

[1] درر في علم الأصول، الشيخ عبد الكريم الحائري، ج1، ص384.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo