< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

39/11/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مبحث حجية الظواهر.

الدليل الثالث:- ما دل على النهي عن تفسير الكتاب الكريم بالرأي ، وتوجد عدة روايات في هذا المجال تنهى عن تفسير القرآن بالراي والأخذ بالظاهر هو نحو تفسير بالرأي.

والجواب واضح:-

أولاً:- إن عنوان التفسير لا يصدق فإنَّ التفسير يصدق إذا كان هناك غموض في الكلام يقال فسّره لي ، وأما إذا كان الكلام ظاهراً ووضاحاً في المعنى فلا يقال فسره وإذا قال خص فسّره لي فنقول له إنَّ هذا لا معنى له لأنه واضح.

وفي حالات الظهور لا غموض حتى يصدق عنوان التفسير.

ثانياً:- المنهي عنه هو التفسير بالرأي لا مطلق التفسير ومن الواضح أن من يعمل بالظهور لم يحكّم رأيه فلا يصدق أنه فسّر برأيه ، نعم إذا فرض أنه كان الشخص يحمل أفكاراً وآراءً يحاول أن يحمّلها على القرآن الكريم ويقول المقصود منه هو ذلك فهذا يصدق عليه أنه فسّر برأيه ، أما إذا فرض أن ظهور وهو يأخذ به على طبق الظهور فإعمال للرأي ليس بموجود.

هذا كله مضافاً إلى أنَّ روايات أهل البيت عليهم السلام كما تقدم ارجعتنا لمعرفة صحة الشرط إلى الكتاب الكريم فإذا لم يكن مخالفاً للكتاب خذوا به ، وأرجعتنا في باب الأخيار لمعرفة أن الخبر يؤخذ به أو لا فإذا كان مخالفاً للكتاب فيرد وإلا يؤخذ به وهذا معناه أنه يجوز الرجوع إلى ظواهر القرآن ، فإنَّ هذا المقدار ليس تفسيراً بالرأي وليس مردوعاً عنه لأجل هذه الروايات اليت أرجعتنا إلى القرآن الكريم.

إذن من ناحية هذا الدليل لا توجد مشكلة للمناقشات التي أشرنا إليها.

الدليل الرابع:- إنَّ القرآن الكريم يشتمل على مطالب عميقة ودقيقة ومعه لا يصح أن نرجع إليه بعد فرض هذه الدقة وهذا العمق ومثالنا مثال الانسان العرفي كالبقال يريد أن يرجع إلى كفاية الأصول الشيخ الخراساني(قده) فإنه لا يوجد عنده شيء من هذا العلم فهو يأتي للكفاية ويقول إن كلام صاحب الكفاية ظاهر في كذا فنحن لا نقبل منه هذا ونقول له إنَّ هذه مطالب عميقة ودقيق ولا معنى لأن تدخل أنت في فيها ، ومثالنا نحن بالنسبة إلى القرآن الكريم مثال هذا الانسان العادي الذي ريد أن يرجع غلى كفاية الأصول أو أسفار الملا صدراً أو غير ذلك.

والجواب:- إنَّ القرآن الكريم له ميزة على الكفاية وعلى الأسفار وغير ذلك وهي أنه يبين المطالب العميقة الدقيقة بألفاظ بسيطة يفهمها الكل ، ولا أقول في جميع موارده كلا بل في الكثير من موارده هكذا هي طريقته وهذا من ميزات القرآن الكريم ، فمثلاً ﴿ ولا تصعّر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إنَّ الله لا يحب كل مختال فخور ﴾ [1] ، وعلى منوالها ﴿ ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الرض ولن تبلغ الجبال طولاً ﴾ [2] ، فهذه الآيات كل شخص يعرف معناها ، نعم قد تكون هذه الألفاظ لا أعرفها ولكن معناها هو أنه لا تمش متكبراً وهذا يفهمه الجميع ، ومثال آخر على ذلك ﴿ ولا تقولن لشيء إني فاعلٌ ذلك غداً[3] إلا أن يشاء الله ﴾ فدائماً الانسان يستعين بكلمة ( إن شاء الله ) وهذا مطلب جميل جداً بينه بألفاظ بسيطة يفهمه الكل ، ومثال آخر ﴿ وليعفوا وليصفحوا إلا تحبون أن يغفر الله لكم ﴾[4] ، فإن هذا معنى دقيق لا يتوصل إليه الذهن البشري لعظمته ودقته ولكنه بيّن بألفاظ بسيطة ، وآية أخرى ﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وّغا قيل انشزوا فانشزوا ﴾[5] ، فهذه الآية لا يوجد فيها غموض هو ادب قرآني جميل جداً ولكن بيّن بألفاظ بسيطة ، وكذلك ﴿ ألم ترد إلى الذين يزكون نفسهم بل الله يزكي من يشاء ﴾[6] فإن الآية الركيمة واضحة في ان الله تعالى هو الذي يزكي الأنفس ، وكذلك ﴿ والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون ﴾[7] ، وعلى هذا المنوال آيات كثيرة.

إذن عرفنا أن القرآن الكريم له ميزة وهي أن دقائق الأمور يبيّنها بألفاظ بسيطة يفهمها الجميع ، ولكن كما قلنا لا في جميع موارده بل في الكثير منها أو على الأقل بعض موارده ونحن في البعض نريد أن نتمسّك بالظهور.

الدليل الخامس:- أن يدعى أنَّ الشرع المقدس قد اعتمد على فكرة المخصّصات المنفصلة ، يعني نسلّم أن القرآن الكريم له ظهور وهو حجة ولكن يود مانع من حجيته وهو أنه توجد مخصصات منفصلة يعتمد ليها الشرع المقدس وهذه المخصّصات المنفصلة هي عبارة عن سنّة أهل البيت عليهم السلام ( ما إن تمسكتم بهما ) لأنَّ هؤلاء يتممون القرآن الكريم فمادام يعتمد على القرائن المنفصلة فيصي آنذاك في حكم المجمل ، يعني ليس بمجمل حقيقة بل الظهور موجود ولكنه في حكم المجمل من ناحية عدم الحجية فهو ليس بحجة رغم وجود الظهور لهذه النكتة التي أشرنا إليها.

وفيه:-

أولاً:- نسلّم أنَّ الشرع قد اعتمد على القرائن المنفصلة ولكنه اعتمد على قرائن ومخصصات لو فحصنا عنها لوجدناها ، يعني أن المعلوم بالاجمال معلّم بعلامة وهي أنه لو فحصنا لوجدنا تلك المخصصات ، فإّن ليس المعلوم بالاجمال هو وجود مخصصات واقعية قد لا نعثر عليها فهذا ليس هو المعلوم بالاجمال ، نعم ربما يكون الأمر كذلك ، ولكن ليس هذا هو المعلوم بالاجمال ، فالذي نعلم به ونقول نحن نجزم بوجود هو مخصّصات لو فحصنا لوجدناها ، أما مخصّصات واقعية حتى لو فحصنا عنها قد لا نجدها فهذه محتملة ولكن لا نجزم بها - يعني لا يوجد علم بها - ، إنما الذي نعلم به هو وجود مخصّصات لو فحصنا عنها لوجدناها ، وعلى هذا الأساس إذا فحصنا عن ظاهر من الظواهر ولم نجد له مخصصاً فيخرج من طرفية العلم الاجمالي ولا يعود طرفاً لعلم الاجمالي ، لأنّ العلم الاجمالي هو أنه هناك مخصّصات لو فحصت عنها لوجدتها وهذا خرج عن دائرة الطرفية ، نعم يبقى مورداً لاحتمال المخصص بنحو الشك البدوي ومن الواضح احتمال المخصّص بنحو الشك البدوي ليس بحجة فإنَّ أصالة العموم تجري في طرف العام وتنفي المخصص المشكوك ، فالذي يقف أمام العموم هو العلم الاجمالي بوجود المخصص وقد عرفنا أننا نعلم بوجود مخصص مقيد بقيد ومعلّم بعلامة وهي أنه لو فحصنا عنه لوجدناه فلو فحصنا ولم نجد فذلك يوجب خروج هذا الظهور عن الطرفية للعلم الاجمالي.

ثانياً:- وهو أن نقول لو كان هذا لعلم الاجمالي مضراً بظواهر الكتاب الكريم يلزم أن يأتي نفس هذا الكلام في ظواهر السنة الشريفة فيه أيضاً لها مخصّصات منفصلة فإن الامام يطرح عموماً ويأتي الامام الثاني فيذكر المخصّص فإذا كانت فكرة المخصّصات المنفصلة تضر بحجية ظواهر الكتاب الكريم يلزم أن يكون الأمر كذلك بالنسبة إلى ظواهر السنة الشريفة والحال أن السنَّة الشريفة الاخباري لا يشكك في حجية ظواهرها وإلا لا يبقى حينئذٍ عندنا لا كتاب ولا سنّة.

ثالثاً:- إنَّ أهل البيت عليهم السلام هم أرجعونا إلى الكتاب الكريم لمعرفة الشرط الصحيح ولمعرفة الخبر الذي يجوز الأخذ به وأنه غير المخالف للكتاب فهذا الارجاع يدل بالدلالة الإلتزامية أنه لا تعيروا أهمية لإشكال ( وجود مخصّصات منفصلة في الكتاب الكريم ومعه لا يصح التمسّك بظواهره ) ، فنقول:- افترض أنَّ هذه قضية علمية وجيهة ولكن مادام الامام عليه السلام قال ارجع إلى الكتاب الكريم وخذ بظاهره فهذا معناه بالدلالة الإلتزامية أنَّ ذلك العلم الاجمالي بوجود مخصّصات منفصلة لا تعِر له أهمية وتمسّك بظواهر الكتاب الكريم.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo