< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

35/06/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:- التنبيه التاســع تعــارض الاستصحــاب مــع غيــره ( تعارض الاستصحابين في باب العلم الإجمالي ) / تنبيهات / الاستصحاب / الأصول العملية.
وفيه:- إن الموردين من بابٍ واحد، فكما أنه في مورد النقض - أعني الوضوء بماءٍ مردّد - ذكر أنه لا علم تفصيليّ بانتقاض الحالة السابقة بل هناك علمٌ إجمالي كذلك هذا الكلام نذكره في محلّ كلامنا - يعني إذا كانت الحالة السابقة هي النجاسة فيهما - فإن الجنس وإن كان واحداً - وهو النجاسة - ولكن بالتالي الذي انتقضت فيه الحالة السابقة ما هو ؟ فهل هو هذا الإناء أو ذاك ؟ إنا لا ندري بل إمّا هذا قد انتقضت فيه أو ذاك ن وهذا معناه أنه لا يوجد عندي علم تفصيلي بالحالة السابقة وإنما يوجد عندي علم إجمالي يعني أن أحدهما قد انتقضت فيه النجاسة إمّا هذا أو ذاك، وأما بنحو التفصيل فلا يمكن أن أشير إلى هذا بخصوصه وأقول قد انتقضت فيه كما لا يمكن أن أشير إلى الثاني . نعم أراد الشيخ النائيني(قده) أن يستعين بالألفاظ فقال هما يشتركان في النجاسة وتلك النجاسة الثابتة فيهما لم تبقَ جزماً . ونحن نقول له:- هناك نجاستان لا نجاسة واحدة، نجاسة هذا الإناء ونجاسة ذاك الإناء، ومجرّد اشتراكهما في جنسٍ واحدٍ لا يصيّرهما نجاسةً واحدةً، فالنجاسة متعدّدة وبعد تعدّدها لا ندري أن التي انتقضت هل هي هذه أو تلك، فالثابت أذن هو العلم الاجمالي بالانتقاض دون العلم التفصيلي، وهذا مطلبٌ واضحٌ، وما صدر منه غريب.
وقد أشار إليه الشيخ العراقي(قده) في هامش فوائد الأصول[1]، وهكذا ذكره هو في نهاية الأفكار[2]. إذن ما ذكره الشيخ النائيني في مقام التخلّص من النقض موردٌ للمناقشة.
ولعله لأجل هذا حاول الشيخ الأعظم(قده) أن يتخلّص من هذا الإشكال في مثال من توضأ بسائل مردّد بين الماء والبول بغير ما أفاده الشيخ النائيني(قده)[3] فقال:- إن الاستصحابان يجريان في هذا المثال - يعني استصحاب بقاء الحدث واستصحاب بقاء طهارة الأعضاء - رغم علمنا بأن هاتين الحالين لم تبقيا بل انتقضت واحدة منهما، وذلك من ناحية أنه لا يلزم مخالفة علم إجمالي منجّز . صحيحٌ هو يلزم مخالفة علم إجمالي بانتقاض الحالة في أحدهما أمّا هذا العلم فليس علماً إجماليّاً منجّزاً بل هو غير منجّز، والوجه في ذلك:- هو أن شرط تنجيز العلم الإجمالي أن يكون كِلا الطرفين تكليفاً منجّزاً،كما لو علمت بأنه إمّا هذا الإناء نجس فيجب اجتنابه أو ذاك نجسٌ فيجب اجتنابه فهذا علم منجّز لأنه علم إمّا بوجوب الاجتناب عن هذا أو علم بوجوب الاجتناب عن ذاك، أمّا لو علمت بأنه إمّا هذا نجسٌ فيجب الاجتناب عنه أو ذاك طاهرٌ وليس بنجسٍ فهذا ليس علماً منجّزاً ؛ لأنه على تقدير نجاسة الأوّل يحدث وجوب الاجتناب، بينما على تقدير طهارة الثاني لا يحدث تكليفٌ بل يحدث رخصة وإباحة لا تكليف بالاجتناب فيقال مرخّص لك أن تشربه فإن الطاهر لا يجب شربه بل يجوز شربه فلا يحدث علم بتكليفٍ منجّز . ومقامنا من قبيل الثاني - يعني لو أجرينا كِلا الاستصحابين لا يلزم مخالفة لعلم اجمالي منجّز - والوجه في ذلك هو أنّي أعلم إمّا الأعضاء السابقة التي كانت طاهرة قد نتجّست وإذا تنجّست يحدث آنذاك تكليفٌ بلزوم تطهيرها للصلاة وللطواف وغير ذلك، أمّا أن الحالة السابقة بالحدث تبدّلت إلى طهارةً فهل يحدث تكليفٌ ؟ كلّا لا يحدث تكليفٌ، فتبدّل الحدث إلى طهارةٍ أقصى ما يوجبه هو أنه يجوز لك أن تصلّي وتمسّ كتابة القران أو تطوف وليس يجب عليك ذلك، فلا يحدث حكم إلزامي وإنما يحدث حكم ترخيصيّ، والتنجيز من شؤون الأحكام الإلزامية دون الأحكام الترخيصي . إذن من جريان الاستصحابين لا يلزم مخالفة علم إجمالي منجّز وإنما يلزم مخالفة علم أجمالي غير منجّز فلا مانع آنذاك من جريان الاستصحاب، ونصّ عبارته:- ( إذ الواحد المردّد بين الحدث وطهارة اليد[4] لا يترتّب عليه حكم شرعي[5] حتى يكون ترتيبه مانعاً عن العمل بالاستصحابين ولا يلزم من الحكم بوجوب الوضوء وعدم غسل الأعضاء[6]مخالفة عمليّة لحكمٍ شرعيّ )[7].
ولكن يرد عليه:- إن المانع من جريان الأصلين في نظر الشيخ الأعظم(قده) ليس واحداً بل اثنان:-
الأوّل:- لزوم الترخيص في المخالفة القطعيّة العمليّة.
وهذا يتمّ إذا كانت الأصول أصولاً ترخيصيّة - يعني إذا كانت الحالة السابقة هي الطهارة وأنا أعلم بنجاسة واحد فسوف يلزم هذا المحذور فلا يجري الأصلان -.
والثاني:- هو لزوم التهافت بين الصدر والذيل في روايات الاستصحاب.
وهذا محذورٌ يعمّ الأصول الترخيصيّة والتنجيزيّة، وإنما ذكره الشيخ في خصوص الأصول التنجيزيّة من باب أنه في الأصول الترخيصيّة يوجد عنده المانع الأوّل فاكتفى به، وأما هذا المانع فهو مانعٌ عامٌّ لا يختصّ بالأصول الترخيصيّة، وهذا مطلبٌ واضح.
وبناءً على هذا نقول للشيخ الأعظم:- صحيحٌ أنه لا يلزم من جريان الاستصحابين مخالفة عمليّة قطعيّة لعلمٍ إجماليّ منجّز ولكن بهذا أنت تخلّصت من المانع الأوّل وينقى أمامك لمانع الثاني - وهو مانع التهافت بين الصدر والذيل - وهو يتمّ حتى إذا لم يلزم مخالفة عمليّة قطعيّة لعلمٍ إجماليّ منجّز، فنقول له:- بإجراء الاستصحابين بمقتضى صدر روايات الاستصحاب يتنافى مع الذيل الذي يقول ( ولكن انقضه بيقين آخر )، فإنّي اتيقن بأن أحدهما قد انتقضت فيه الحالة السابقة، فهذا المحذور الثاني العام يأتي، فما ذكرته إذن أيها الشيخ الأعظم لا يتم أيضاً.


[1] هامش فوائد الأصول، العراقي، ج4، ص695.
[2] نهاية الافكار، العراقي، القسم الثاني من الجزء الرابع، ص122.
[3] - وكأنه شعر بأن إجراء الاستصحاب في بقاء الحدث وإجراء الاستصحاب في طهارة الأعضاء يتنافى مع علمنا بأن إحدى الحالتين السابقتين منتفية فكيف نستصحب الحالة السابقة والحال أنّا نعلم بانتقاضها في أحدهما ؟!!.
[4] أي الحدث الذي هو الحالة السابقة وطهارة اليد أي الحالة السابقة ايضاً.
[5] يعني إلزامي.
[6] يعني الحكم بطهارة الأعضاء.
[7] تراث الشيخ الانصاري، تسلسل26، ص413.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo