< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

45/04/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 244 ) حكم بيع المصنوع من الذهب والفضة معاً، مسألة ( 245 ) حكم تراب الفضة والذهب الذي يجتمع عند الصائغ وكذلك القماش عند الخياط وما شاكلهما من اهل الحرف- بيع الصرف.

 

مسألة ( 244 ):- المصوغ من الذهب والفضة معاً لا يجوز بيعه بأحدهما بلا زيادة بل إما أن يباع بأحدهما مع الزيادة أو يباع بهما معاً أو بجنسٍ آخر غيرهما.

..........................................................................................................

مضمون المسألة واضح:- وهو أنه إذا اريد بيع المصوغ من الذهب والفضة كالاناء المصوغ منهما فلا يجوز بيعه بواحدٍ منهما، فلو كان الاناء مصنوعاً من خمسة مثاقيل من الذهب وخمسة مثاقيل من الفضة فلا يجوز بيعه بالذهب فقط أو بالفضة فقط من دون زيادةٍ في جهة الثمن، والوجه في ذلك واضح:- لأنه لو جعل المقابل لمجموع الاناء - من الذهب والفضة - خمسة مثاقيل ذهب فقط فسوف يلزم الزيادة في أحد العوضين - وهو الاناء - لأنَّ نفس الاناء فيه زيادة خمسة مثاقيل من الفضة -كما هو المفروض - فتصير خمسة مثاقيل من الذهب - الذي هو الثمن - مقابل الخمسة مثاقيل من الذهب الموجودة في الاناء وبقيت زيادة من طرف الاناء وهي خمسة مثاقيل الفضة فلا يجوز حينئذٍ لأنه عين الربا.

بل لابد من حلول ثلاثة:-

الحل الأول:- أن يباع الاناء بأحدهما مع الزيادة، كما لو باعه بستة مثاقيل من الذهب فتكون خمسة مثاقيل من الثمن في مقابل الخمسة مثاقيل الذهب الموجودة في الاناء ويبقى المثقال السادس من الثمن في مقابل الفضة الموجودة في الاناء.

الثاني:- أن يباع بهما معاً، وهنا لا يلزم أن يكون الفضة والذهب الموجودين في الثمن مساوية للذهب والفضة الموجودين في الاناء، نعم لو كان الاناء يحتوي على خمسة مثاقيل ذهب ومثله فضة وبيع بخمسة مثاقيل من الذهب وخمسة مثاقيل من الفضة انصرف كل واحدٍ منهما إلى ما يقابل جنسة.

أو يفترض أن يباع بالأقل كاربعة مثاقيل من الذهب وأربعة مثاقيل فضة فهنا ينصرف الذهب مقابل الفضة وبالعكس ولا يلزم محذور الربا.

الثالث:- أن يباع بجنسٍ آخر غير الفضة والذهب كالنحاس، وهنا لا مشكلة في البين.

 

مسألة ( 245 ):- الظاهر أن ما يقع في التراب عادةً من اجزاء الذهب والفضة ويجتمع فيه عند الصائغ - وقد جرت العادة على عدم مطالبة المالك بها - ملكٌ للصائغ نفسه. والاحوط استحباباً أن يتصدق به عن مالكه مع الجهل به والاستيذان منه مع معرفته، ويطّرد الحكم المذكور في الخياطين والنجارين والحدادين ونحوهم فميا يجتمع عندهم من الاجزاء المنفصلة من اجزاء الثياب والخشب والحديد ولا يضمنون شيئاً من ذلك وإن كانت له مالية عند العرف إذا كان المتعارف في عملهم انفصال تلك الاجزاء.

..........................................................................................................

تشتمل المسألة على عدة احكام:-

الحكم الاول:- الظاهر أنَّ ما يقع في التراب عادةً من اجزاء الذهب والفضة ويجتمع فيه عند الصائغ - وقد جرت العادة على عدم مطالبة المالك بها - ملكٌ للصائغ نفسه.

ومثاله أن يعطي شخص ضائغاً قلادة ذهبية ويطلب منه أن تحويلها إلى سوار، وحينما يقوم الصائغ بعملية التحويل فعادةً ينزل شيءٍ من برادة - تراب - الذهب في ورشة العمل، وبمرور الزمن وتعدد العمل لناسٍ آخرين تجتمع هذه البرادة عند الصائغ، والسؤال:- ما هو حكم هذه البرادة - التراب - فهل تكون ملكاً للصائغ - بعد فرض أنَّ الصائغ قد أخذ اجرة عمله -؟ حكم السيد الماتن بكونها ملك الصائغ.

ولا توجد وراية تدل على هذا الحكم، بل لا نحتاج إليها وإنما يمكن للفقيه أن يفتي بذلك، والمنشأ لهذا الحكم هو أنَّه وإن كان ( لا يحل مال امرئ إلا بطيبة نفس منه ) إلا أنَّ العادة بين الناس في البلد قد جرت على عدم مطالبة الصاغة بتراب الذهب الذي يقع عندهم بسبب الصياغة، وهذا يدل على تنازلهم وغض نظرهم عن هذا الغيار، فيجوز للصائغ حينئذٍ أخذه.

نعم لو كان الصائغ يعيش في بلدٍ يطالب اصحابه بالصغير والكبير فخينئذٍ لابد من تحفظه على غبار ذهب كل واحدٍ منهم وتسليمه لصاحبه، ولكن في بلادنا لا توجد مثل هذه المطالبة فلا يحتاج إلى ذلك.

وقد احتاط السيد الحكيم(قده) في منهاجه القديم وقال:- ( والاحوط مع معرفة صاحبه بعينه الاستئذان منه في ذلك )[1] .

وفي التعليق نقول:- إذا كان مقصوده الاحتياط الوجوبي - كما هو ظاهر عبارته - فلا موجب له؛ إذ بعد فرض جريان عادة الناس على غض النظر عن هذا التراب فلا داعي حينئذٍ أن يتحفظ عليه لصاحبه، نعم لو اردنا الاحتياط فهو على مستوى الاحتياط الاستحبابي.

ومن ذلك يتضح النظر فيما نقله صاحب الجواهر(قده) أيضاً من لزوم التصدق به حيث قال:- ( قيل إنه لا خلاف في أنه مجهول المالك فيتصدق به أو يباع ثم يتصدق به لأن اربابه لا يتميزون غالباً )[2] ، ولعل مقصوده أنه إذا لم يمكن الوصول إلى اصحابه والتعرف عليهم كان الحكم هو التصدق.

ووجه النظر فيه قد اتضح حيث يقال:- إذا كانت العادة جارية على عدم المطالبة به فهذا قرينة على تنازل اصحابه، وحينئذٍ لا داعي إلى التصدق به بعد فرض احراز تنازلهم عنه.

وقد يقال:- توجد رواية ذكرت التصدق، وهي رواية علي بن ميمون حيث ورد فيها:-( سألت أبا عبد الله عليه السلام عمّا يكنس من التراب فابيعه فما اصنع به؟ قال:- تصدق به فإما لك وإما لأهله، قال قلت:- فإن فيه ذهباً وفضة وحديادً فبأيّ شيءٍ ابيعه؟ قال:- بعه بطعام[3] ، قلت:- فإن كان لي قرابة محتاج أعطيه منه؟ قال:- نعم )[4] .

قلنا:- يمكن أن يقال هي لا تنافي ما ذكرناه من الجواز، لأنَّ الامام عليه السلام قال في صدرها:- ( فإما لك )، يعني أنه للصائغ، هذا لو تم سندها، ولكن سندها ليس بتام من جهة علي بن ميمون الصائغ وعلي بن حديد حيث لم تثبت وثاقتهما.

ثم إنَّ هذا الحكم الذي ذكر في غبار الذهب والفضة يعم الخياط وما شاكله أيضاً، فلو اعطى الخياط قطعة قماش على أن يخيطها ثوباً فما يفضل منها من قطع صغيرة قد جرت عادة الناس على عدم مطالبته بها، فأمرها كما ذكر في تراب الذهب والفضة حيث لا حاجة إلى جمعها والتصدق بها بل يتمكن الخياط من أخذها لنفسه.

وأولى من ذلك ما يترك في المطاعم من الطعام[5] الذي يفضل الزيائن، فيمكن لصاحب المطعم أن يأخذه لنفس النكتة لأن هذا اعراض من الزبون فيجوز حينئذٍ أخذه والتصرف به.

ونلفت النظر إلى قضية:- وهي أنه لابد من ملاحظة البدان، فربما في بعض البلدان لا يقبلون بأخد ما تبقى، فإنَّ فرض ذلك - كما في البلدان الفقيرة مثلاً - فحينئذٍ لا يجوز لصاحب المطعم أخذه، بل يأخذها صاحبها كالذي طلب تحويل قلادة الذهب إلى سوار أو قطعة القماش إلى ثوب أو ما شاكل ذلك.

وأما إذا شككنا في عادة بلدٍ أنها كعادة بلدنا أو لا فالمناسب هو الاحتياط في عدم التصرف في الشيء الباقي.

 

وبهذا انتهينا من كتاب المكاسب.


[1] المنهاج القديم، السيد محسن الحكيم، مسألة(21 ) في بيع الصرف.
[2] جواهر الكلام، الجواهري النجفي، ج24، ص50.
[3] وهنا لابد من حمل الطعام على المثالية وإلا فلا يحتمل الخصوصية له.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج18، ص202، أبواب الصرف، ب16، ح1.
[5] وهذا لم يذكره السيد الماتن وإنما نحن نذكره.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo