< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

44/11/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تتمة مسألة ( 220 ) هل يجري الربا في الأوراق النقدية؟ مسألة ( 221 ) - الربا.

الحكم الثالث:- لا بأس بتنزيل الأوراق مطلقاً، والمقصود من ذلك أنه كان يوجد في الزمن السابق سنداتٌ للدين يعبر عنها بالكمبيالة، وهذه السندات هي ورقة رسمية معترف بها يكتب فيها مقدار الدين الذي يكون للدائن في ذمة المدين، فالمدين يكتب في السند أنَّ لفلان عليَّ كذا مقدار من الدين إلى كذا مقدار من الوقت - كأن يكون المقدار عشرة ملايين إلى سنة - ثم يوقعها ويسلّهما للدائن، فهذه الورقة الرسمية تدل على أنَّ الشخص الذي بيده السند يستحق على الشخص الآخر هذا المقدار من المال بعد سنة مثلاً، فلو أراد الدائن - الذي بيده السند - بيع هذا السند بقيمةٍ أقل مما هو مكتوب فيه من المال - كما لو كان الدين المكتوب فيه عشرة ملايين يبيعه بتسعة ملايين - فهل يجوز ذلك أو أنه مصداقٌ للربا لوجود تفاوتٍ بين الثمن والمثمن؟

إنَّ ذلك لا محذور فيه قبل كونه ليس من المكيل أو الموزون، وإنما باعتبار أنه من باب بيع الدين بالأقل منه وهو لم يدل دليل على تحريمه، فإنَّ المحرَّم هو عنوان الربا، وهذا ليس داخلاً تحت عنوان الربا وإنما هو يبيع الدين الأكثر بالأقل وهو ليس بربا، إذ لو كان ربا فلابد وأن تصير القضية عكسية بأن يبيعه الأقل بالأكثر وهو ليس بحاصل هنا، فيجوز حينئذٍ، ولا أقل هو جائزٌ لأجل عدم وجود دليلٍ على تحريمه فيكون مجرى للبراءة، وقد اشار السيد الماتن(قده) إلى هذا الحكم بقوله:- ( نعم إنَّ تنزيل الاوراق لا بأس به مطلقاً ).

ومعنى كملة ( مطلقاً ) الواردة في المتن تعني أيَّ أوراقٍ كانت سواء كانت سنداً أو ورقةً خاصةً أو ما شاكل ذلك، فجميع الأوراق التي تحمل الديون يجوز بيعها بالأقل، بل يجوز بيع الدين بأقل منه حتى لو لم يكن متكوباً في ورقةٍ أو سندٍ.

 

مسألة ( 221 ):- ما يتعارف في زماننا من اعطاء سند بمبلغ من الاوراق النقدية من دون أن يكون في ذمته شيء فيأخذه آخر فينزله عند شخص ثالث بأقل منه فالظاهر عدم جواز ذلك. نعم لا بأس به في المصارف غير الأهلية بجعل ذلك وسيلةً إلى أخذ مجهول المالك والتصرف فيه بعد اصلاحه بمراجعة الحاكم الشرعي.

..........................................................................................................

تشتمل المسألة على حكمين:-

الحكم الاول:- إنَّ السندات المتداولة في الزمن السابق على نحوين:-

الأول:- سندٌ يعبّر عن وجود دينٍ حقيقي صادقٍ لشخصٍ في ذمة شخصٍ آخر، وهذا يجوز بيعه بالأقل - كما ذكرنا في المسألة السابقة - ولا يلزم محذور الربا، فإنَّ بيع الدين بالأقل منه ليس أخذاً للفائدة وإنما هو تنازلٌ عن مقدارٍ عن المال، ولا يوجد دليل على تحريمة فيكون جائزاً لأنه ليس مصداقاً للربا.

الثاني:- سندٌ لا يعبّر عن وجود دين حقيقي صادق لشخصٍ في ذمة شخصٍ آخر وإنما يكتبه الطرف لأجل أن يستفيد منه الطرف الآخر، كما لو كتب شخصٌ أني مدين لفلان كذا مقدار من المال لفترة كذا كعشرة ملايين دينار إلى سنة والحال أنه لا يوجد دينٌ حقيقي، وهذا السند يسمّى بسند المجاملة - فهو قد كتب للطرف الآخر من باب المجاملة والمساعدة وإلا فواقعاً لا يوجد دين حقيقي - فلو أراد الشخص الذي بيده هذا السند أن يبيعه بأقل مما مكتوب فيه من المال لم يجز ذلك، لأنه لا يوجد دينٌ حقيقي حتى يباع، وبعبارةٍ أخرى:- لا يوجد في البين مبيعٌ حتى يباع، فأيَّ شيء يشتريه المشتري؟!! وعليه فتكون هذه المعاملة باطلة لعدم وجود مبيعٍ في البين.

نعم قد يذهب الشخص بهذا السند إلى البنك الحكومي فيشتريه البنك منه بالأقل - كما لو كان المكتوب فيه عشرة ملايين إلى سنة والبنك يشتريه منه بتسعة ملايين - فهنا ما قبضه الشخص من البنك هو مجهول المالك، لأنَّ البنك لم يثبت كونه مالكاً للاموال الموجودة فيه، كما لا يوجد شخصٌ معين يملك هذه الاموال، كما أنَّ رئيس البنك ليس هو المالك لها جزماً، فيكون هذا المقدار من المال الذي أخذه الشخص من البنك مجهول المالك فيجوز التصرف فيه من باب جواز التصرف في مجهول المالك ولكن باجازة الحاكم الشرعي.

وهنا سؤالان:-

السؤال الأول:- لماذا طبقنا فكرة مجهول المالك على البنك فقط ولم نطقها على غيره كالأشخاص العاديين؟

والجواب:- لا يمكن تطبيق فكرة مجهول المالك في غير البنك، لأنَّ أموال الشخص الذي سوف يشتري السند ليست مجهولة المالك وإنما هو مالكها، ففكرة تحصيل مجهول المالك بهذه الطريقة غير ممكن هنا لأنَّ الطرف مالكٌ معلومٌ بخلاف البنك فإنه ليس بمالك، فإنَّ أموال البنك هي ثابتة لعنوانٍ كلّي وهو عنوان الدولة، وعنوان الدولة لم يثبت أنه مالك، وعليه فلا يوجد مالكٌ معلوم لأموال البنك، فما يؤخذ منه في هذه المعاملة يكون مجهول المالك بخلافة في الشخص الحقيقي.

السؤال الثاني:- لماذا يحتاج التصرف في الاموال المأخوذة من البنك إلى اجازة الحاكم الشرعي؟

والجواب:- إنَّ فكرة مجهول المالك لابد وأن تسير بانتظامٍ وانضباط ولا معنى لأن تتصرف الناس في عنوان مجهول المالك من دون انضباط بأن يتصرف الشخص الأول في عنوان مجهول المالك ويتصرف الشخص الثاني في عنوان مجهول المالك الحفاظ على النظام يلزم أن تناط القضية بالحاكم الشرعي كي يلاحظ المفسدة وعدمها عند التصرف في مجهول المالك، فإن رأى عدم ترتب المفسدة على تصرف الشخص في مجهول المالك أجاز له التصرف وإلا فلا، وبذلك يحافظ على النظام، والسيد الماتن(قده) اعتبر اجازة الحاكم الشرعي لأجل هذه النكتة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo