< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

44/11/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 213 )، مسألة (214 )، ( 215 ) - الربا.

مسألة ( 213 ):- إذا كان الشيء في حالٍ موزوناً أو مكيلاً وفي حالٍ أخرى ليس كذلك لم يجز بيعه بمثله متفاضلاً في الحال الأولى وجاز في الحال الثانية.

..........................................................................................................

مضمون المسألة واضح:- فإنَّ فعلية الحكم تدور مدار فعلية موضوعه، فإذا صار الموضوع فعلياً صار الحكم فعليا وإذا لم يكن الموضوع فعلياً لم يكن الحكم فعلياً، وعلى هذا الأساس إذا كان الشيء في حالةٍ مكيلاً أو موزوناً فسوف يثبت له الحكم ويصير فعلياً فلا يجوز بيعه مع التفاضل، وأما إذا كان في حالةٍ ثانيةٍ ليس فيها بمكيلٍ ولا موزونٍ فلا يثبت له الحكم فيجوز حينئذٍ بيعه متفاضلاً، والأمر واضح.

مسألة ( 214 ):- لا بأس ببيع لحم حيوانٍ بحيوانٍ حي من غير جنسه كبيع لحم الغنم ببقر. والاحوط عدم جواز بيع لحم حيوان بحيوانٍ حي بجنسه كبيع لحم الغنم بغنم وإن كان الاظهر الجواز فيه أيضاً.

..........................................................................................................

تشتمل المسألة على فرعين:-

وهذان الفرعان يشتركان بكون أحد الحيوانين حياً والآخر مذبوحاً، ويختلفان في أنه تارةً يكون أحد الحيوانين من غير جنس الآخر وهذا هو الفرع الأول، وأخرى يكون من جنسه وهذا هو الفرع الثاني.

فإن كان الحيوان الحي من غير جنس المذبوح:- فحينئذٍ يجوز بيع الحيوان الحي بالمذبوح مع التفاضل، لأنَّ الحي مادام حياً فهو ليس بمكيلٍ ولا بموزون، وشرط تحقق الربا أن يكون الشيء مكيلاً أو موزوناً مضافاً إلى اتحاد الجنس، والمفروض في المقام أنَّ الحي من غير جنس المذوبح، وعليه فلا يتحقق الربا.

وإن كان الحيوان الحي من جنس الحيوان المذبوح:- فالمناسب هو جواز البيع مع التفاضل، لأنه مادام الحيوان حياً فهو ليس بمكيلٍ ولا بموزون فلا يتحقق الربا حينئذٍ، وقد احتاط السيد الماتن(قده) بداية الأمر باعتبار أنهما من جنسٍ واحدٍ إلا أنه استظهر الجواز بعد ذلك، والمناسب هو الجواز، لأنَّ الحيوان الحي ليس بمكيلٍ ولا بموزونٍ مادام حياً.

وتوجد ثلاث رواياتٍ ربما ترتبط بالمقام:-

الرواية الأولى:- الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين باسناده عن غياث بن ابراهيم عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام:- ( أنَّ علياً كره بيع اللحم بالحيوان )[1] .

وهذه الرواية صادقة على كلا الفرعين ولا تختص بالفرع الثاني، فإنه في كلا الفرعين فرضنا أنه بِيع اللحم بحيوانٍ حي ولكنه تارةً يكون من جنسه واخرى لا يكون من جنسه والرواية قالت:- ( كره بيع اللحم بالحيوان ) يعني سواء كان من جنسه أو من غير جنسه، فهي تشمل كلا الجنسين.

وسندها تام، وأما دلالتها فإن تمت فحينئذٍ يثبت المطلوب، ولكن يمكن التأمل فيها، باعتبار أنَّ الوارد فيها هو تعبير ( كره ) وهذا التعبير إذا لم يكن مختصاً بالكراهة الاصطلاحية فلا أقل من كونه أعم من الكراهة الاصطلاحية والحرمة، وعليه فلا ينفعنا، إذ لا يعرف المراد منه فهل المراد منه هو الكراهة الاصطلاحية أو الكراهة بمعنى الحرمة، وعليه فتصير الرواية مجملة ولا يمكن التمسك بها لاثبات الحرمة.

الرواية الثانية:- الحديث النبوي الذي يقول:- ( إنَّ النبي صلى الله عليه وآله نهى عن بيع اللحم بالحيوان )[2] ، وهي شاملة لكلا الفرعين، فكما قلنا إنه في كلا الفرعين اللحم يباع بالحيوان الحي ولكن مرةً يكون الحيوان مماثلاً واخرى لا يكون مماثلاً، والمفروض أنه توجد كلمة ( نهى ) ومادة النهي ظاهرة في التحريم، فهذه الرواية لا يرد عليها الاشكال الوارد على الرواية الثانية.

هذا مضافاً إلى وجود مناقشةٍ ثانية في دلالتها، وهي أن تعبير ( نهى ) هو حكاية للنهي الصادر، فالنهي ليس بالمادة فهو لم يقل ( نهيت ) وإنما قال ( نهى ) وتعبير ( نهى ) كما يصدق على مادة النهي يصدق ايضاً على صيغته، ونحن لا نعلم بأنَّ صيغة النهي التي صدرت من النبي صلى الله عليه وآله وسلم تدل على الحريم أو لا تدل عليه.

كما أنه توجد مشكلة في السند فإنه ضعيف حيث رواه الحاكم في مستدركه.

وعليه فلا يمكن التمسك به لضعف سنده والمناقشة في دلالته.

الرواية الثالثة:- مرسلة دعائم الاسلام عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( أنه نهى عن بيع اللحم بالحيوان )[3] .

والاشكال الذي قد يمكن أن يثار عليها:- هو أنه إن كانت كلمة ( نهى ) دالة على التحريم فبها، وأما إذا قلنا هي حكاية عمّا صدر من المعصوم عليه السلام فحينئذٍ تكون مجملة، إذ لا نعلم أنَّ النهي المحكي هو نهيٌ تحريميٌ أو هو نهيٌ كراهتي وحينئذٍ لا يمكن التمسك بها، هذا مضافاً إلى ضعف سندها بالارسال.

 

مسألة ( 215 ):- إذا كان للشيء حالتان حالة روطوبة وحالة جفاف - كالرطب يصير تمراً والعنب يصير زبيباً والخبز اللين يكون يابساً - يجوز بيه جافاً بجاف منه ورطباً برطب منه متماثلاً ولا يجوز متفاضلاً. وأما بيع الرطب منه بالجاف متماثلاً ففيه اشكال والاظهر الجواز على كراهة، ولا يجوز بيعه متفاضلاً حتى بمقدار الزيادة بحيث إذا جفَّ يساوي الجاف.

..........................................................................................................

تشتمل المسألة على فروع ثلاثة:-

الفرع الأول:- إذا كان الشيء له حالتان حالة رطوبة وحالة جفاف وبيع الجاف منه بالجاف أو الرطب منه بالرطب فالمناسب الجواز فإنَّ الفرض أنه بيع بالتساوي.

نعم قد يقول قائل:- إنَّ أحدهما وهو الرطب قد يجف بعد ذلك فيختلف الوزن؟

والجواب واضح:- فإن المهم هو الاتحاد في الوزن حين العقد أما بعده فلا مشكلة في اختلافهما.

الفرع الثاني:- إذا بيع الرطب بالجاف مع التساوي في الوزن فالمناسب بمقتضى القاعدة هو الجواز، لأنَّ المفروض أنَّ التساوي في الوزن موجودٌ حين العقد، وإذا حصل اختلافٌ في الوزن فهو يحصل بعد العقد وهذا لا يضر كما ذكرنا في الفرع الأول.

نعم يختلف هذا الفرع عن الفرع الأول باختصاصه ببعض الروايات، حيث توجد روايات مجوزّة وروايات مانعة، ونحن ننقل روايتين من كل طائفة:-

أما الروايات المجوزّة:-

فالرواية الاولى:- الشيخ باسناده عن الحسن بن محبوب عن أبي أيوب عن سماعة قال:- ( سئل أبو عبد الله عليه السلام عن العنب بالزبيب، قال:- لا يصلح إلا مثلاً بمثل، قال:- والتمر بالرطب مثلاً بمثل[ والرطب والتمر مثلاً بمثل ][4] )[5] ، وسندها معتبر، وطريق الشيخ إلى الحسن بن محبوب معتبر.

والرواية الثانية:- الحسن بن محبوب عن خالد عن ابن أبي الربيع [ عن ابي الربيع][6] قال:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- ما ترى في التمر والبسر الأحمر مثلاً بمثل؟ قال:- لا بأس، قلت:- فالبختج[7] والعنب مثلاً بمثل؟ قال:- لا بأس)[8] .

وأما الروايات المانعة:-

فالرواية الاولى:- ما رواه محمد بن الحسن باسناده عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن حمّاد عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( لا يصلح التمر اليابس بالرطب، أجل إنَّ التمر يابس والرُّطب رَطِب فإذا يبس نقص )[9] ، وسندها معتبر.

والرواية الثانية:- الشيخ باسناده عن الحسن بن محمد بن سماعة عن جعفر عن دواد بن سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:- ( سمعته يقول لا يصلح التمر بالرطب إنَّ الرطب رطب والتمر يابس فإذا يبس الرطب نقص )[10] ، وجميع رجال السند معتبرون إلا جعفر فإنه لابد من البحث عن حاله.

وعليه فالمناسب حمل ما دل على المنع على الكراهة بقرينة ما دل على الجواز، ولذلك افتى السيد الماتن(قده) بالكراهة، ولا بأس بذلك.


[2] مستدرك الصحيحين، الحاكم النيسابوري، ج2، ص35.
[4] هكذا ورد في التهذيب، الطوسي، ج7، ص97.
[6] هذا هو الموجود في التهذيب، الطوسي، ج7، ص97.
[7] البُخْتُج: - هو عصير العنب المغلي.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo