< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

44/11/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تتمة مسألة ( 204 )، مسألة ( 205 ) في باب الربا هل الحنطة والشعير من جنسٍ واحد أو لا؟ - الربا.

وأما الحكم الثالث:- فالوجه فيه إما الجزم بعدم الفرق بين الجهل بالحكم الذي صححت الروايات وجوزت الأكل من خلاله وبين الجهل بالموضوع، وإما أن نقول إنَّ الروايات حينما اثبتت الحلّية في حق الجاهل فهي عمّمت ولم تفرّق بين كون الجهل جهلاً بالحكم أو بالموضوع فنتمسك بذلك.

وأما الحكم الرابع:- فالسيد الماتن(قده) قال إذا كانت المعاملة ربوية وجب على كل من المتبايعين ردّ ما أخذه إلى مالكه، هذا على مبناه، وأما بناءً على ما أشرنا إليه من أنَّ الروايات المتعددة دلت على عدم وجوب الردّ في حق الجاهل بالحكم أو بالموضوع لا يجب الردّ حينئذٍ خلافاً للسيد الماتن(قده).

مسألة:- ( 205 ):- الحنطة والشعير في الربا جنس واحد فلا يباع مائة كيلو من الحنطة بمائتي كيلو من الشعير وإن كانا في باب الزكاة جنسين فلا يضمّ أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب، فلو كان عنده نصف نصاب حنطة ونصف نصاب شعير لم تجب فيهما الزكاة.

..........................................................................................................

تشتمل المسألة على حكمٍ واحد:- وهو أنَّ الشعير والحنطة وإن كانا في باب الزكاة من جنسين مختلفين إلا أنهما في باب الربا يعدّان جنساً واحداً، والوجه في ذلك وجود عدَّة روايات نذكر اثنين منها:-

الرواية الأولى:- ما تقدت الاشارة إليه في ابحاث سابقة، وهي ما وراه محمد بن يعقوب عن عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد وأحمد بن محمد جميعاً عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( سئل عن الرجل يبيع الرجل الأكرار فلا يكون عنده ما يتم له ما باعه فيقول له خذ مني مكان كل قفيز حنطة قفيزين من شعير حت تستوفي ما نقص من الكيل، قال:- لا يصلح لأنَّ أصل الشعير من الحنطة ولكن يردّ عليه الدراهم بحساب ما ينقص من الكيل )[1] .

أما سندها:- فهو تام.

وأما دلالتها:- فهي واضحة في أنَّ أصل الشعير من الحنطة، يعني أنهما في باب الربا يحسبان من جنسٍ واحد، وبالتالي لا يجوز أن يدفع احدهما مقابل ضعف الآخر.

الرواية الثانية:- وعنهم عن سهل وعن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد جميعاً عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبان عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله[2] قال:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- أيجوز قفيز من حنطة بقفيزٍ من شعير، فقال:- لا يجوز إلا مثلاً بمثل، ثم قال:- إنَّ الشعير من الحنطة )[3] ، وسندها معتبره، أما تعبير ( وعنهم ) الوارد في السند فالمقصود منه العدَّة.

إن قلت:- كيف فسّرت واستفدت من السؤال الوارد في الرواية الأولى - الذي كان يقول:- ( سئل عن الرجل يبيع الرجل الأكرار ولا يكون عنده ما يتم له ما باعه فيقول له خذ مني مكان قفيز حنطة قفيزين من الشعير ) - أنَّ المنع الصادر فيها من الامام عليه السلام هو منعٌ من ناحية محذور الربا؟

قلت:- لا يوجد احتمالٌ آخر غير هذا المعنى فيكون هو المتعين، فحينما يقول:- ( قفيز من حنطة بقفيز من شعير ) واضحٌ أنه من حيث محذور الربا، فالتشكيك ليس في محله.

ومن الغريب ما ذكره المحقق(قده) في الشرائع:- فإنه حينما وصل إلى هذه المسألة لم يعلل بمنع الروايات عن ذلك وإنما علل بشيءٍ آخر حيث قال إنَّ اسم الطعام يتناولهما ويصدق عليهما وعليه فلا يجوز بيع قفيزٍ من حنطة بقفيزين من شعير، قال ما نصّه:- ( والحنطة والشعير جنسٍ واحد في الربا على الأظهر لتناول اسم الطهعام لهما )[4] .

ويرد عليه:-

أولاً:- إنه مع وجود الروايات المانعة لا تصل النوبة إلى هذا التعليل.

ثانياً:- إنه على مقتضى ما أفاده يلزم منه أنه لا يجوز ذلك حتى في غير الحنطة والشعير مادام يشملهما عنوان الطعام ككيلو حنطة بكيلوز ونصف من الرز لأنَّ اسم الطعام يشملهما.

وأما ابن ادريس(قده) فقد ذكر في سرائره ما نصّه:- ( قال محمد بن ادريس:- لا خلاف بين المسلمين العامة والخاصة أن الحنطة والشعير جنسان مختلفان أحدهما غير الآخر حسّاً ونُطقاً ولا خلاف بين أهل اللغة واللسان العربي في ذلك فمن ادّعى أنهما جنس واحد أو كالجنس الواحد يحتاج إلى أدلة قاطعة للأعذار من اجماع منعقد أو كتاب أو سنَّة متواترة ولا اجماع على ذلك ولا نص في كتاب الله تعالى ولا سنّة مقطوعاً بها[5] متواترة، وقد قلنا إنَّ أخبار الآحاد لا توجب علماً ولا عملاً )[6] .

ويمكن التعليق على ما افاده بأن يقال:- صحيح أنَّ ابن ادريس(قده) لا يبني على حجية خبر الواحد - وإنما يأخذ بالخبر المتواتر - ولكن نقول توجد في المسألة ثمان روايات وربما تضاف إليها رواية تاسعة، ولكن بعد حذف ثلاث روايات منها لأنَّ مفادها ربما يكون ضعيفاً فسوف تبقى عندنا ست روايات، وكون العدد ستاً وكلّها تفيد مفاداً واحدا قد تنفع في حصول التواتر والعلم ولا أقل من حول الاطمئنان به.

وعلى هذا الأساس يمكن أن يقال إنه حتى على مبنى ابن ادريس القائل بأن خبر الواحد ليس بحجة يمكن نقول بما أنَّ الموجود في المورد هو ست روايات فمن البعيد أن يحصل تواطؤٌ على الكذب في مضمون جميع هذه الروايات، وعليه فيمكن أن يحصل للفقيه التواتر أو لا أقل الاطمئنان بذلك، وكان المناسب لابن إدريس التمسك بهذه الروايات ولا أقل أنه يذكرها من باب المؤيد القوي.


[2] أي البصري.
[5] لأنه لا يعمل بغير السنَّة القطعية كخبر الواحد.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo