< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

44/11/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 204 ) هل تبطل المعاملة الربوية مطلقاً؟- الربا.

ونضيف شيئاً ونقول:- لا فرق في استفادة حرمة المعاملة الربوية بين أن يكون النهي في باب المعاملة الربوية متعلقاً بالزيادة وبين أن يكون متعلقاً بالمعاملة المشتملة على الزيادة، لأننا لم نستفد الفساد من النهي حتى يقال أيّ نهيٍ استفيد منه الفساد وهل هو النهي عن أخذ الزيادة أو هو النهي عن المعاملة المشتملة على الزيادة، وإنما اسنتفدناه من جواز أخذ رأس المال، فإنَّ جواز أخذ رأس المال قد دلت عليه الآية الكريمة حيث قالت:- ﴿ وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم ﴾ ونحن اسنتفدنا الفساد من جواز ارجاع رأس المال وليس من النهي حتى يُردّد في استفادة الفساد وأنه من أي نهي، وعليه فلا يعود مجالٌ لهذا التساؤل.

وأما الحكم الثاني:- فالروايات الواردة على كثرتها لم يدل شيءٌ منها على لزوم ارجاع الفائدة الربوية إلى مالكها الذي أخذت منه مع أنَّ المناسب بمقتضى القاعدة هو أنه إذا كانت المعاملة فاسدة أُرجِعت الفائدة الربوية إلى صاحبها الذي دفعها، ولكن رغم عدم اشارة الروايات إلى ذلك ذهب بعض الفقهاء إلى لزوم ارجاعها ومنهم السيد الماتن(قده) حيث قال:- ( المعاملة الربوية باطلة مطلقاً من دون فرق بين العالم والجاهل سواء كان الجهل جهلاً بالحكم أم كان جهلاً بالموضوع، وعليه فيجب على كل من المتعاملين ردّ ما أخذه إلى مالكه ).

فالظاهرة الملفتة للنظر هي أنا لو رجعنا إلى الآية الكريمة والروايات لم نجد فيها اشارة إلى وجوب ارجاع الفائدة إلى صاحبها الذي دفعها الأمر الذي قد يجعل الفقيه يذهب إلى عدم وجوب ارجاعها لأنَّ الآية الكريمة والروايات لم توجب ذلك، نعم توبته تكفي أما أنه يجب ارجاعها فلا:-

أما الآية الكريمة:- فقالت:- ﴿ الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المسّ ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحلّ الله البيع وحرّم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ﴾[1] ، فهي تدل على أنَّ ما أخذه المرابي سابقاً يكون له ولكن عليه أن لا يأخذه بعد ذلك، فدلالتها على عدم وجوب الارجاع واضحة.

وأما الروايات:- فجميعها واردة في الجاهل وأنه لا يجب عليه الردّ، بينما مثل السيد الماتن(قده) يقول لا فرق بين الجاهل والعالم فكلاهما يلزمه الرد، والروايات هي:-

الرواية الأولى:- محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الوشّاء عن أبي المغزى - المعزى - قال:- ( قال أبو عبد الله عليه السلام:- كل ربا أكله الناس بجهالة ثم تابوا فإنه يقبل منهم إذا عرف منهم التوبة ...... وايما رجل أفاد مالاً كثيراً قد أكثر فيه من الربا فجهل ذلك ثم عرفه بعده فأراد أن ينزعه فما مضى له ويدعه فيما يستأنف )[2] .

وسندها معتبر:- فإنَّ محمد بن يحيى هو العطار الثقة، وأما أحمد بن محمد فهو مردّد بين ابن عيسى أو ابن خالد البرقي وكلاهما ثقة، وأما الوشاء فهو الحسن بن علي الوشاء الثقة، وأما أبي المعزى - المغزى - فهو ثقة أيضاً.

وأما دلالتها:- فواضحة، فإنَّ المقصود من قوله عليه السلام:- ( فيدعه فيما يستأنف ) يعني بعد أنَّ صار عالماً بكونه ربا فلا يجوز له آنذاك، أما مادام جاهلاً فلا يجب عليه الارجاع.

الرواية الثانية:- وعن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حمّاد عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( أتى رجل أبي عليه السلام فقال:- إني ورثت مالاً وقد علمت أنَّ صاحبه الذي ورثته منه قد كان يربي وقد أعرف أن فيه ربا واستيقن ذلك ... فقال أبو جعفر عليه السلام:- إن كنت تعلم بأنَّ فيه مالاً معروفاً ربا وتعرف أهله فخذ رأس مالك وردّ ما سوى ذلك وإن كان مختلطاً فكُلْهُ هنيئاً )[3] .

وسندها معتبر:- فإنَّ حمّاد لا فرق بين أن يكون ابن عثمان أو ابن عيسى فكلاهما ثقة، وأما الحلبي فهو محمد بن علي الحلبي الذي هو من أجلَّة أصحبنا.

وأما دلالتها:- فواضحة، ولكنها قيدت جواز الأكل بكونه مختلطاً، فهي اشتملت على قيد الجهالة زائداً قيد الاختلاط فهنا لا يجب ارجاعه إلى أهله.

الرواية الثالثة:- محمد بن الحسن باسناده عن ابن أبي عمير عن حمّاد بن عثمان عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( أنه سئل عن الرجل يأكل الربا وهو يرى أنه له حلال، فقال:- لا يضره حتى يصيبه متعمداً فإذا اصابه متعمداً فهو بالمنزلة الذي قال الله عزَّ وجل )[4] .

وسندها معتبر.

ومحل الشاهد فيها:- إنه عليه السلام قال:- ( لا يضرّه حتى يصيبه متعمّداً )، يعني إذا كان يدري أنه ربا ويدري أنه حرام فسوف يضرّه وإلا فلا شيء عيله.

الرواية الرابعة:- الشيخ باسناده عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن أبي أيوب الخزّاز عن محمد بن مسلم قال:- ( دخل رجل على أبي جعفر من أهل خراسان قد عمل بالربا حتى كثر ماله ثم إنه سأل الفقهاء فقالوا ليس يقبل منك شيءٌ إلا أن تردّه إلى أصحابه، فجاء إلى أبي جعفر عليه السلام فقصَّ عليه قصّته، فقال له أبو جعفر:- مخرجك من كتاب الله " فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله" والموعظة التوبة )[5] .

وسندها معتبر.

الرواية الخامسة:- ما رواه علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى عليه السلام قال:- ( سألته عن رجل أكل ربا لا يرى إلا أنه حلال، قال:- لا يضرّه حتى يصيبه متعمّداً فهو ربا )[6] .

وطريق الشيخ إلى كتاب علي بن جعفر معتبر.

فإذاً جميع هذه الراويات تدل على أنَّ من أكل مالاً ربوياً وهو لا يعلم أنَّ الربا حرام أو لا يعلم أنَّ هذا ربا حلّ له ذلك، فهل نأخذ بمقتضى هذه الروايات أو نتوقف في ذلك؟


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo