< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

44/10/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تتمة مسألة ( 190 )، مسألة ( 191 ) - الفصل الثامن ( النقد والنسيئة ) - الخيارات.

 

وأما من حيث الدلالة على تقدير تمامية سنده:- فيمكن أن يناقش بأنَّ في المراد من الغرر احتمالين ومع التردد بينهما لا يصح التمسك بالحديث في المقام:-

الاحتمال الاول:- أن يكون المقصود من الغرر الخديعة، وهذا استعمالٌ عرفيٌ حيث يقال فلان غرَّني بمعنى خدعني.

الاحتمال الثاني:- أن يكون لمقصود منه الخطر، فيقال هذا تغرير بنفسك يعني إلقاءٌ لها في المخاطر.

والنافع في المقام هو المعنى الثاني، ولكن يحتمل ارادة المعنى الاول ومعه يسقط الحديث عن قابلية الاستدلال به على اثبات اعتبار عدم الغرر في المعاملات بمعنى عدم الخطر لا عدم الخديعة، فإنَّ النافع للفقيه هو المعنى الثاني - يعني عدم الغرر بمعنى عدم الخطر - ومع وجود الاحتمال الثاني لا يصح حينئذٍ التمسك بالحديث في موارد الجهالة في الأجل وفي بقية الموارد.

والمناسب من خلال ما ذكرنا أنَّ اعتبار ضبط الأجل في باب بيع النسيئة لا دليل عليه؛ إذ الدليل المهم هو حديث نفي الغرر وهو لا يمكن التمسك به، وعليه فسوف نتمسك بعمومات ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ أو ﴿ أحل الله البيع ﴾ فتكون مثبتةً للصحة.

ويمكن أن نضيف ونقول:- بل يمكن أن يقال ليس فقط أنه لا دليل على عدم اعتبار ضبط الأجل في بيع النسيئة بل الدليل ثابتٌ على عدم الاعتبار، وهو السيرة في الجملة، فمثلاً قد نذهب إلى صاحب الحانوت ونشتري منه سلعةً ونقول له سنأتي لك بالثمن قبل رأس الشهر أو بعده بيوم أو يومين فإنَّ هذه قضية متعارفة ومقبولة، فهنا البيع هو بيع نسيئةٍ لأنَّ الثمن مؤجلٌ والأجل ليس بمنضبط ولكن جرت السيرة بيننا على العمل بذلك وحيث لا ردع عنها فيثبت بذلك امضاؤها، ولو كان الردع ثابتاً لما حصلت هذه السيرة المعاكسة، فثبوت هذه السيرة دليلٌ على أنه لا يجب ضبط الأجل في بيع النسيئة، وهذه السيرة ليست مختصة بغير المشترعة بل تعم المتشرعة أيضاً.

إن قلت:- إنَّ هذه السيرة هي سيرةٌ متأخرةٌ عن زمان حضور المعصوم عليه السلام وليست معاصرةٍ له ونحن نحتاج إلى سيرةٍ معاصرة لحضور الائمة عليهم السلام، وحيث لا نحرز معاصرتها لهم فلا تكون حجة.

قلت:- إنَّ ما ذكرناه هو سيرة عقلائية جاريةٌ بين عقلاء الناس ولا تختص بفئةٍ دون أخرى ولا بزمانٍ دون آخر، فإذا كانت توجد سيرة عقلائية فهذا المعنى سوف يكون ثابتاً مع طول الحياة العقلائية، وعليه فسوف يثبت أنَّ هذه السيرة ليس مردوعاً عنها.

إذاً اتضح من خلال ما ذكرنا أنَّ الوجه في عدم لزوم ضبط الأجل في بيع النسيئة أمران، الأول عدم الدليل على اعتبار ضبط الأجل فنتمسك بالعمومات، والثاني التمسك بالسيرة بالبيان المتقدم.

فإذاً يمكن أن يقال إنَّ ضبط الأجل في بيع النسيئة ليس بلازم، اللهم إلا إذا فرض أنَّ الأجل كان بشكلٍ لا يُقدِم عليه العقلاء، يعني كان التردد وعدم الضبط بشكلٍ لا يُقدِم عليه العقلاء كما لو قال المشتري للبائع إنَّ الأجل ليس بمعلومٍ إما إلى سنةٍ أو إلى خمس سنين أو إلى عشر سنين فمثل هذا ربما لا يُقدِم عليه العقلاء فهنا يمكن أن يدّعى انصراف أدلة الامضاء عن مثله، أما إذا كان التردّد يسيراً وبالشكل العقلائي الذي أشرنا إليه فحينئذٍ يمكن الحكم بالصحة.

والنتيجة التي انتهينا إليها - خلافاً للسيد الماتن – هي إنَّ ضبط الأجل ليس بلازمٍ بشكلٍ كلّي بل يجوز في الجملة وذلك فيما إذا كان عدم الضبط شيئاً عقلائياً مقبولاً عند العقلاء.

 

مسألة ( 1919 ):- لو كانت معرفة الأجل محتاجةً إلى الحساب مثل أوّل الحمل أو الميزان فالظاهر البطلان، نعم لو كان الأجل أول الشهر القابل مع التردد في الشهر الحالي بين الكمال والنقصان فالظاهر الصحة.

..........................................................................................................

تشتمل المسألة على حكمين:-

الحكم الاول:- إذا كان الأجل يحتاج إلى معرفةٍ دقيقة من قبل مختصّين وليس من قبل عامة الناس كأول الحمل والميزان وقال المشتري للبائع سوف اسلّم لك الثمن عند أول الحمل أو الميزان فنحن لا نعلم متى يكون أوّل الحمل أو الميزان وإنما يعرف تعيينه بدقّةٍ أهل الاختصاص في علم الفلك، فمثل هذا لا عبرة به ويحكم بالبطلان.

الحكم الثاني:- إذا كان التردّد يسيراً كأول الشهر مثلاً حيث كان مردداً بين يومين من باب تردّد الشهر بين أن يكون ناقصاً وبين أن يكون تاماً فهنا يحكم بالصحة.

أما بالنسبة إلى الحكم الاول:- فالوجه فيه واضح، وهو أننا نحتاج إلى ضبط الأجل والعلم به، والمفروض في المقام أنَّ أول الحمل أو الميزان لا يمكن ضبطه والعلم به من قبل عامة الناس وإنما يحتاج في ضبطه بدقةٍ إلى أهل الاختصاص فحينئذٍ يحكم بالبطلان.

وفي المقابل لهذا الحكم يوجد كلامٌ لصاحب الجواهر(قده) حيث قال:- يمكن أن يقال إنَّ الضبط في حدّ نفسه يكفي، ومقصوده إنَّ أول الحمل أو الميزان مضبوطٌ في حدّ نفسه ولكن نحن لا نعرف ذلك، فضبطه في حدّ نفسه يكون كافياً، كما لو اشترى شخصٌ وزنةً من البطّيخ التي لا نعرف كم عدد الكيلوات فيها ولكن مع ذلك يكون الشراء صحيحاً، وهذا معناه أنَّ مضبوطية الوزن في حدّ نفسه كافية في الحكم بالصحة، قال:- ( وقد يناقش فيه باحتمال الاكتفاء فيه بانضباطه في نفسه كأوزان البلدان مع عدم معرفة المصداق فله شراء وزنة مثلاً بعيار بلدٍ مخصوصٍ وإن لم يعرف مقدارها إلا أن للنظر فيه مجالاً ).

ولعل وجه النظر الذي ذكره هو أنَّ مجرد الحاجة إلى وقتٍ زمني لضبط هذا المقدار لا يعني أنَّ الحوالة صارت على مجهولٍ والوزن صار مجهولاً، بل هو مضبوطٌ ولكن الضبط يحتاج إلى مضي فترةٍ زمنية.

فإذاً يمكن أن يقال لا اشكال من هذه الناحية.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo