< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

44/08/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 188 ) احكام ترتبط بالمكيل والموزون - الفصل السابع ( التسليم والقبض ) - الخيارات.

أما الحكم الأول:- فهو المعروف بين الفقهاء، بل قد يدّعى الاجماع عليه، فمادام المبيع ليس مكيلاً أو موزوناً جاز بيعه قبل قبضه، قال صاحب الجواهر(قده):- ( من ابتاع متاعاً ولم يقبضه ثم اراد بيعه جاز إن لم يكن مكيلاً أو موزوناً اجماعاً بقسميه ونصوصاً. ولا يشمله النهي عن بيع ما ليس عنده قطعاً، كما أنه لم يثبت حديث النهي عن بيع مطلق ما لم يقبض كما اعترف به في الروضة، ولئن ثبت كان حمله على الكراهة بالنسبة إلى ذلك متعيناً، فما حكاه في التذكرة عن بعضهم من القول بالمنع مع أنا لم نتحقق القائل فاسدٌ قطعاً )[1] .

فإذاً المسألة فيها القليل من القيل والقال.

ونحن نقول:- المناسب هو الجواز، وذلك لوجهين:-

الأول:- اطلاق ما دل على حلّية بيع كل شيء، أعني قوله تعالى:- ﴿ أحل الله البيع ﴾ فإنه باطلاقه يشمل بيع الشيء الذي لم يقبض وكان ليس بمكيلٍ أو موزون، فنتمسك بهذا الاطلاق ما لم يثبت المانع، وأما إذا ثبت المانع فسوف يكون مخصِّصاً لهذا العموم.

الثاني:- الروايات، فإنه وإن كانت توجد بعض الروايات التي يستفاد منها المنع إلا أنه توجد روايات أخرى يستفاد منها الجواز، ومعه يحمل ما دل على المنع على الكراهة ككل موردٍ يرد فيه ما يدل على الجواز وما يدل على المنع.

أما ما يستفاد منه المنع:- فهو رواية واحدة، وهي موثقة عمّار الساباطي، وهي ما رواه الشيخ الكليني عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( بعث رسول الله صلى الله عليه وآله رجلاً من أصحابه والياً فقال له:- إني بعثتك إلى أهل الله - يعني أهل مكة - فانههم عن بيع ما لم يقبض وعن شرطين في بيعٍ وعن ربح ما لم يُضمَن )[2] .

أما دلالتها:- فموضع الشاهد هو قوله صلى الله عليه وآله:- ( فانههم عن بيع ما لم يقبض )، فإنَّ هذا نهيٌ ارشادي ولا يحتمل كونه مولوياً، وهو ارشادٌ إلى الفساد، فهو يرشد إلى أنَّ الشخص إذا باع شيئاً قد اشتراه ولم يقبضه بَعدُ فبيعه هذا يكون فاسداً.

وهناك اشياء جانبية في الرواية لا بأس بالالتفات إليها:-

الأول:- ورد في الرواية قوله صلى الله عليه وآله وسلم:- ( وعن شرطين في بيعٍ )، وقد فسّرت هذه العبارة بأنَّ الشخص يبيع الشيء ببيعين، فيبيعه إلى شهرٍ بمقدارٍ معين من الثمن ويبيعه أيضاً إلى شهرين بمقدارٍ آخر من الثمن فيكون البيع مردداً بين البيع إلى شهرٍ بثمنٍ وإلى شهرين بثمنٍ آخر فهذا أيضاً انههم عنه، لأنَّ الثمن والأجل هنا كلاهما ليس بمحدّد.

كما ورد فيها قوله صلى الله عليه وآله وسلم:- ( وعن ربح ما لم يُضمَن )، وقد فسّرت ههذ العبارة بأنَّ الدلال يبيع الشيء على المشتري قبل أن يشتريه هو لنفسه - فلم يصدر الايجاب والقبول من الدلال ومالك الشيء ثم بعد ذلك يبيعه الدلال إلى المشتري وإنما الدلال باعه إل المشتري قبل أن يشتريه لنفسه - فأيضاً انههم عن هذا.

وربما تفسير هذه الفقرات بتفاسير أخرى لكن المهم في موردنا هو الفقرة الأولى وقد قلنا إنَّ معناها واضح لا خلاف فيه.

وأما سندها:- فإنَّ محمد بن احمد بن يحيى فهو صاحب كتاب نوادر الحكمة - المعروف بدبَّة شبيب - وهو من ثقات اصحابنا، وأما احمد بن الحسن بن علي بن فضّال فهو من بني فضال فيشمله قانون ( خذوا ما رووا وذروا ما رأوا ) كما أنهم وثّقوا أيضاً، وأما عمرو بن سعيد فقد وثّق، وأما مصدّق بن صدقة فقد وثّق أيضاً، وأما عمّار الساباطي فهو ثقة أيضاً، وعليه فيكون سندها معتبر.

وهي قد دلت على النهي عن بيع ما ليس عند الشخص يعني إذا لم يقبضه، لأنه إذا لم يقبضه فهو ليس عنده وهي قد نهت عن بيعه، فلو كنا نحن وهذه الموثقة فلربما حكمنا ببطلان هذا البيع ولكن توجد في مقابلها روايات مجوّزة فتحمل هذه الموثقة على الكراهة.

وأما الروايات المجوزة:-

فمنها:- ما رواه الشيخ الكليني عن عدَّة من أصحابنا عن احمد بن محمد عن علي بن الحكم عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال:- ( سألته عن رجلٍ اشترى متاعاً ليس فيه كيل ولا وزن أيبيعه قبل أن يقبضه؟ قال:- لا بأس )[3] .

أما دلالتها على الجواز:- فهي واضحة حيث قال عليه السلام:- ( لا بأس )، أي إذا لم يكن في المبيع كيلٌ أو وزنٌ جاز أن يبيعه قبل أن يقبضه.

وأما سندها:- فأما العدّة فقد فسّرت بتفسيراتٍ كثيرة، فبعضٌ فسّرها بأنه إن كانت العدَّة عن فلان فالمقصود منها فلان وفلان وفلان وإن كانت عن فلان الآخر فالمقصود منها فلان وفلان وفلان ... وهكذا كما ذكر ذلك العلامة في فوائده المذكور في آخر خلاصته، ولكن لا يمكن اثبات سند هذه الدعوى فإنَّ العلامة ليس معاصراً للشيخ الكليني وعليه فلابد من وجود وسائط معتبرة بينه وبين الشيخ الكليني ولا مثبت لذلك فيكون ما ذكره مرسلاً.

ولكن يوجد طريقٌ آخر يمكن من خلاله اثبات اعتبار العدَّة وهو أن نقول:- إنَّ العدة عادةً هي ثلاثة أو أكثر، واجتماع ثلاثة من مشايخ الكليني - الذين طابعهم العام هو الوثاقة - على الكذب شيءٌ بعيدٌ جداً بل يطمأن بعدمه، وعليه فتكون العدّة معتبرة، وأما احمد بن محمد فهو إما ابن عيسى الاشعري القمي أو ابن خالد البرقي وكلاهما ثقة، وأما علي بن الحكم فقد وثّق، وأما أبي جمزة فليس من البعيد أنه الثمالي، وعليه فتكون الرواية معتبرة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo