< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/01/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 86 ) حكم الحقوق بأقسامها الثلاثة - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

المطلب الثاني: - الفرق بين الحق والحكم والملك.

هذه ثلاثة مصطلحات فقهية متداولة بين الفقهاء، فما هو الفرق بينهما؟ وقد قلنا فيما سبق أنّ هذه القضية وقعت محلاً للكلام بين الفقهاء والبعض ألف رسالة في الفرق بين الحق والحكم والملك، ومن خلال مراجعة تراجم الأعلام تجد أنهم يذكرون هذا المعنى، والآن نريد أن تعرض إلى هذه القضية.

وقد وقع الكلام في أن الحق هل هو نفس الكم من حيث الحقيقة إلا بفارق واحد جانبي وهو أن الحق يقبل الاسقاط بينما الحكم لا يقبل الاسقاط، فهل الأمر هكذا، أو أن الحق مرتبة ضعيفة للملك، أو أن الحق شيء آخر فلا هو حكم شرعي ولا هو مرتبة ضعيفة من الملك وإنما هو شيء مستقل بنفسه، ولعله توجد احتمالات أخرى ولكن الاحتمالات المهمة هي هذه: -

الاحتمال الأول: - إن الحق هو عين الحكم، وإلى هذا ذهب السيد الخوئي(قده).

الاحتمال الثاني: - إن الحق هو مرتبة ضعيفة من الملك، وإلى هذا ذهب الشيخ النائيني(قده).

الاحتمال الثالث: - إن الحق شيء مستقل بنفسه لا يرجع إلى الحكم ولا يرجع إلى الملك بل هو اعتبار خاص، وإلى هاذ ذهب السيد الخميني(قده).

أما الاحتمال الأول: - فهذا الاحتمال ذهب إليه السيد الخوئي(قده) وذكر أن الحق هو حكم شرعي ولا فرق بينهما إلا في قضية جانبية وهي أن الحق يقبل الاسقاط أما الحكم فلا يقبل الاسقاط، وذكر مثالين لتوضيح الفكرة: -

المثال الأول:- هناك حق الفسخ في الهبة لغير ذي الرحم كما يوجد حق الفسخ في البيع الخياري فيه خيار المجلس أو فيه خيار الحيوان أو غير ذلك فالبيع الخياري يجوز فسخه بالخيار، والمدّعى أنه الاثنين يعني حق الفسخ في الهبة حقيقته أنه يجوز لي الرجوع، وكذلك لو بعت ببيع الخيار فيقال لي حق الفسخ في البيع الخياري ولي حق الفسخ يعني يجوز الرجوع، فإذاً في الهبة وفي البيع الخياري يجوز الرجوع وكن مع فارق وهو أنه في باب الهبة إذا وهبت لك شيئاً وأنت غير رحم وقلت لي عليك أن لا ترجع فقلت لك أنا لا أتراجع وقد أسقطت حق الفسخ ثم بعد ذلك ندمت فهل لي حق الرجوع أو أنه سقط؟ نعم لي حق الرجوع - ومن الواضح أني لم أسقطه في معاملة وإنما هو وعد ثم ندمت على ذلك فهنا يحق لي الرجوع - بينما في البيع الخياري فلي حق الرجوع فإذا قلت أسقطت حق الرجوع سقط، ويصطلح الفقهاء على جواز الرجوع هذا في الاثنين فإن الاثنين في حقيقتهما هما جواز الرجوع ولكن في باب بيع الخيار الذي يجوز فيه الرجوع يصطلحون عليه بالحق لأنه يمكن أن أسقط جواز الرجوع، أما في مسألة الهبة لغير ذي الرحم فلا يسقط وإنما يبقى جواز الرجوع فيصطلح عليه بالحكم.

إذاً الحق والإسقاط عند السيد الخوئي(قده) واحد وهو جواز الرجوع وإذا كان جواز الرجوع يمكن اسقاطه فيصطلح عليه بالحق وإلا فيصطلح عليه بالحكم الشرعي.

المثال الثاني: - إنه يجوز لولي المقتول قتل الجاني قصاصاً، كما يجوز قتل الكافر الحربي، فالاثنين يجوز قتلهما شرعاً، ولكن في ولي المجني عليه أنه يجوز له القصاص ولكنه يتمكن أن يسقط هذا الحق فيسقط، أما في الكافر الحربي فإذا قلت أسقطت جواز القتل سوف لا يسقط، ويصطلح الفقهاء على جواز القتل الذي لا يسقط بالإسقاط بالحكم، ويصطلحون على جواز الاقتصاص من الجاني الذي يمكن اسقاطه بالحق.

فإذاً صار مدّعى السيد الخوئي(قده) واضحاً وذكرنا له مثالين، وصارت النتيجة هي أنَّ الحق والحكم شيء واحد، وهو أنه في باب الحق يجوز الاسقاط بينما في الحكم لا يسقط بالإسقاط.

وبعد أن اتضح هذا ذكر مطلباً حيث قال: - ويترتب على ما ذكرناه أنَّ الحق لا يجوز جعله عوضاً في البيع، لأنَّ الحق قد اتضح أنه حكم شرعي ويشترط في العوض أن يكون مالاً، وهذا الحق هو حكم شرعي والحكم الشرعي ليس بمال.

ثم استثنى من ذلك موردين وقال إنه في هذين الموردين يجوز ذلك: -

المورد الأول[1] :- هو أن يقال إنَّ نفس الحق لا يجوز جعله عوضاً لأنه حكم ولكنَّ اسقاطه إذا كان يقبل الاسقاط - لأننا قلنا إنَّ الحكم يقبل الاسقاط بخلاف الحكم الشرعي مثل قتل الجاني فهو حق فيجوز اسقاطه - فيجوز جعله عوضاً لأنَّ الاسقاط عمل وفعل لذي الحق وهذا ليس بحكم شرعي حتى نقول ليست له مالية بل هو عمل يبذل بإزائه المال، فلا بأس بجعله عوضاً.

المورد الثاني[2] : - هو متعلّق الحق، كحق التحجير، كما لو حجّرت مكاناً في الصحراء، وقد قلنا إنَّ حقّ التحجير هو حكم شرعي، والحكم الشرعي هنا هو أنه يحرم على الشخص مزاحمة المحجِّر، وهذا لا يمكن جعله عوضاً لأنه حكم شرعي، إلا أنَّ متعلّق هذا الحق وهو هذه الأرض التي حجّرتها ليست هي الحكم الشرعي فيجوز جعلها عوضاً.

بقي شيء: - وهو أنَّ السيد الخوئي(قده) ذكر مدّعاه وذكر الأمثلة ولكنه لم يبيّن الدليل على ذلك، فإنَّ كل مدعى يحتاج إلى دليل، فما هو دليلك على أنَّ الحق هو عين الحكم الشرعي مع فارقٍ واحد وهو أنَّ الحكم الشرعي في باب الحق قابل للإسقاط بخلافه في باب الحكم الشرعي؟

أجاب وقال: - إنَّ الدليل هو الوجدان، فنقول إنَّ الكافر الحربي يجوز قتله والجاني على ولدي مثلاً لي حق قتله، فهذا لي حق قتله وذاك لي حق قتله، ومعنى أنَّ لي حق قتل الجاني أنه يجوز لي ذلك وكذلك يجوز لي قتل الحربي، فإذاً لا يوجد شيء غير الجواز الشرعي، فكلا الاثنين نراهما حكماً شرعياً ولكن يوجد فرق بينهما فإنه في مسألة الجاني أستطيع أن أسقط الحق - بمالٍ أو مجاناً -، أما قتل الحربي فكلما قلت أسقطت ذلك فهو لا يسقط لأنه حكم شرعي وهو لا يقبل الاسقاط وهذا من الملمات، فهذا هو الحس الوجداني وقد أعطانا مطلبان الأول أنَّ كليهما حكم شرعي، والمطلب الثاني أنه في الحق يجوز اسقاطه فيسقط أما قتل الكافر الحربي فلا يسقط لو أسقطته وإنما يبقى ثابتاً حتى لو أسقطته، فالمسألة مسألة وجدان، والوجدان قاضٍ بكونهما حكمين شرعيين ولكن الفرق في إمكان إسقاط أحدهما دون الآخر.


[1] محاضرات في الفقه الجعفري، الخوئي، ج2، ص20، ص22.
[2] منهاج الصالحين، اليد الخوئي، في مسالة 86 فإنه صرح بذلك.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo