< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/11/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 82 ) حكم الوصي في التصرف بأموال الصبي والصبية بالتجارة – شروط المتعاقدين.

هذا مضافاً إلى أنه يرد عليه:- إنه لو سلّمنا أنَّ الدليل الذي أثبت الولاية لكل واحد من الأبوين مطلق، ولكن نقول إنَّ هذا لا يلازم صدق الجَنَف والتجاوز على حقوق الآخرين إلا إذا اثبتنا في مرحلة سابقة أنَّ ولاية أحد الأبوين هي ثابتة له من باب الحق وليس من باب الحكم الشرعي، فإن كانت ثابتة من باب الحق فنعم هذا تجاوز على حقه ويصدق الجَنَف، ولكن من قال إنَّ الولاية لكل واحد من الأب أو الجد هي من باب الحق، بل يحتمل أنها من باب الحكم الشرعي وليس حقاً لكل واحد منهما، وحينئذٍ لا يصدق أنَّ هذا الوصي تجاوز بتصرفه على الحق، فإنَّ الجَنَف والتجاوز على الحق فرع كون الولاية الثابتة للطرف الآخر هي من باب الحق الشرعي وهذا لا مثبت له.

فإذاً التمسك بالبيان الذي ذكره السيد الخوئي(قده) قابل للتأمل من ناحيتين.

ونذكر إضافة ونقول: - إننا قلنا لعل الولاية للأب والجد ثابتة من باب الحكم الشرعي فلا يصدق عنوان الجَنَف والتجاوز على الحقوق، والذي نريد أن نقوله هو أنه يكفينا الشك في أنَّ الولاية الثابتة لكل واحد من الأب والجد هي حكم شرعي، فإنه إذا لم يمكن أن نثبت ذلك بالأدلة كفانا الشك.

فإذاً إذا أراد أحد الأبوين نصب وصيّ رغم وجود الأب الآخر فهذا لم يثبت بطلانه بدليلٍ لحد الآن.

ويوجد طريق آخر لإثبات أنَّ الأب لا حق له في نصب وصي مادام الأب الآخر موجوداً وهو طريق مختصر وذلك بأن يقال: - إنَّ نصب أحد الأبوين لوصيٍّ من بعده يحتاج إلى أن نثبت أنَّ ولاية هذا الأب الذي يريد نصب الوصي هي ولاية أثبتتها النصوص بنحو الاطلاق - يعني حتى في حال وجوب الأب الآخر -، واثبات هذا أمرٌ صعب للقصور في المقتضي - أي مقتضي ولايته -، فأصلاً لم يثبت أنه له ولاية وسيعة لنصب الوصي حتى مع وجود الأب الآخر، ويكفينا الشك في الثبوت لعدم ثبوت هذا الحق، لأنَّ ثبوت هذا الحق له فرع كون ولايته وسيعة وشاملة لنصب الوصي في حالة وجود الأب الآخر وهذا لا مثبت له من الروايات، وقد سلك السيد الحكيم(قده) هذا الطريق في المستمسك[1] .

إذاً يتمسك بفكرة القصور في مقتضي ولاية كل واحدٍ من الأبوين، فإنَّ دليل ولاية كلّ واحدٍ منهما أقصى ما يدل عليه هو أنَّ كل واحدٍ منهما له الولاية على نصب الوصي، أما أنَّ كل واحدٍ منهما له الولاية على نصب الوصي حتى في حال وجود الأب الآخر فهذا لا يمكن اثباته من خلال الروايات، فإنَّ مقتضي ولاية الأب ليست قوية بنحوٍ يمكنه من خلالها نصب وصيٍّ حتى في حالة وجود الأب الآخر.

وربما يقال: - إنَّ صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة قالت: - ( سئل عن رجل أوصى إلى رجل بولده وبمال لهم وأذن له عند الوصية أن يعمل بالمال وأن يكون الربح بينه وبينهم، فقال:- لا بأس به من أجل أن أباهم قد أذن له في ذلك وهو حي )، فيمكن أن يقال إنَّ هذه الرواية تدل على أنَّ الأب يصح الوصي لشخصٍ أجنبي حتى مع وجود الأب الآخر ويصير هذا الوصي لحق التصرف رغم وجود الأب الآخر فإذا مات الموصي - الأب الأول - يصير الوصي فعالاً ويعمل رغم وجود الأب الآخر، فإنَّ الامام عليه السلام لم يستفصل وإنما قال ( لا بأس به من أجل أن أباهم قد أذن له في ذلك وهو حي ) من دون أن يسأل عن الأب الآخر للأطفال فهو لم يقل ( هل الأب الآخر موجود أو ميت فإن كان غير موجود فلا بأس أن يعمل هذا الوصي بالوصية وإلا فلا حق له في ذلك )، فإذا كانت الولاية على نصب الوصي مقيدة بعدم وجود الأب الآخر فلابد للإمام عليه السلام أن يقيد نفي الباس ويستفصل ويقول ( إذا لم يكن الأب الآخر موجوداً فلا بأس وإلا ففيه بأس )، والحال أنَّ الامام عليه السلام لم يستفصل بكون الأب الآخر موجوداً أو ليس بموجود، فيدل ذلك على أنَّ نفي البأس ثابت على كلا التقديرين - يعني سواء فرض أنَّ الأب الآخر موجوداً أو ليس بموجود -، فترك الاستفصال يدل على أنَّ نفي البأس عن نصب أحد الأبوين لوصيٍّ من بعده الذي ذكره الامام عليه السلام وسيع ولا يختص بحالةٍ دون أخرى، فهو يشمل حتى حالة وجود الأب الآخر وإلا لقيَّد نفي البأس بحالة عدم وجود الأب الآخر.

وربما يضاف إلى ذلك شيئاً آخر: - وهو أنه توجد عندنا روايات ذكرت أنّ من جملة من بيده عقدة النكاح هو الموصى له، ومقتضى اطلاقها أنَّ الموصى له هو من بيده عقدة النكاح، وبالتالي يدل بالأولوية على جواز تصرفه في المال حتى في حالة وجود الأب الآخر فإنَّ الرواية مطلقة من هذه الناحية.

إلا أن يناقش ويقال: - إنَّ هذه الرواية الثانية التي قالت إنَّ من جملة من بيده عقدة النكاح هو الموصى له هي في صدد بيان أنَّ من بيده عقدة النكاح في الجملة هو الموصى له وهي ليست في مقام البيان من ناحية الحدود والتفاصيل، مثل ما لو سألني شخص وقال لي إنَّ الذي بيده عقدة النكاح من هو؟ فأقول له إنَّ الموصى له هو أحدهم ولكني لست في صدد التفاصيل وأنه هل هذا مطلقاً أو في دائرة ضيقة.

وربما تأتي هذه المناقشة إلى الرواية الأولى: - يعني أنَّ الامام عليه السلام حينما قال لا بأس أن يوصي أحد الأبوين ولم يقيد نفي البأس بحالة عدم وجود الأب الآخر نقول إنَّه ليس بصدد بيان التفاصيل وإنما هو في صدد البيان في الجملة.

وهذه الأمو تبقى تدور مدار الوجدان، فقد يقبلها شخص وقد يرفضها آخر، ولكن نحن أردنا بيان أنه يمكن أن يقال هكذا ويمكن أن يقال هكذا.

والنتيجة التي انتهينا إليها: - هي أنه من الصعب اثبات أنَّ من حق أحد الأبوين ذلك وإنما فيه تردد وإشكال، لأن كلتا الروايتين اللتين ذكرنهما أخيراً قد يناقش فيهما وأنهما بصدد البيان في الجملة وليس بالجملة.

بقي طريق واحد: - وهو أن قول إنَّ إيصاء أحد الأبوين إلى رجل مسألة ابتلائية وهي قد تتحقق أحياناً مع وجود الأب الآخر والمسألة الابتلائية لابد أن يكون حكمها واضحاً، وقد ذكر صاحب الجواهر(قده) - كما تقدم - أنه لا خلاف في عدم الجواز فيدل على أنَّ الحكم الواضح هو هذا، فإنَّ قبلت بهذا الكلام وبما ذكره صاحب الجواهر(قده) من عدم الخلاف فبها، وإن شككت به فسوف تكون النتيجة هي الاشكال والأحوط وجوباً العدم.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo