< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/11/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 82 ) حكم الوصي في التصرف بأموال الصبي والصبية بالتجارة – شروط المتعاقدين.

النقطة الثانية: - يشترط في الوصي الأمانة والرشد.

أما الأمانة فواضح، فإنه لابد أن لا يخون مصالح الأطفال، وأما الرشد فوضاح أيضاً، يعني أنه لابد يكون عارفاً في التصرف فإنه قد يكون أميناً ولكن لا يستطيع تدبير الأمور وما تقتضيه المصالح.

وما هو الدليل على ذلك؟

والجواب: - إنَّ الأب حينما ينصب شخصاً فإن هدفه هو التحفّظ على مصالح الأطفال من بعده، فإذا كان الهدف هو هذا فهو يشترط أن يكون الوصي أميناً ورشيداً، فالرشد والأمانة مأخوذان بشكلٍ ضمني، فحينما ينصب الأب ولياً فهذا معناه أنه قد أخذ قيد الأمانة والرشد ضمناً، فهما يكونان معتبرين من باب أنَّ الأب قد أخذ هذين الشرطين حينما نصب هذا الوصي.

وقد يقول قائل: - ربما يكون الأب ليس بهذه المثابة من العقلانية وغير ذلك فماذا نفعل؟

نقول: - إذا كان الأمر كذلك فهذا سوف يكون سفيهاً ولا حق له في أن يتصرف في هذه الأمور، ولكن نحن افترضنا أنه ليس بسفيه وإنما هو عاقل متزن ولذلك هو يريد أن ينصب وصياً.

فإذاً كلا هذين الأمرين معتبران من باب أنه قد اعتبرهما نفس الأب حينما أوصى لشخصٍ فمعنى هذا أنه لابد أن يتوفر كلا الأمرين وهو لم يصرح بهما من باب وضوح المطلب عنده بكون هذا الوصي أميناً ورشيداً، فعلى هذا الأساس يعتبر كلا هذين الأمرين الرشد والأمانة في اعتبار الولي لهما، والشارع المقدس حينما أمضى هذا التصرف من الولي - أي هذا النصب - هو أيضاً أراد مصلحة الأطفال بهذا النصب، والمصلحة لا تتم إلا باجتماع الرشد والأمانة، فإذاً هما شرط من قبل نفس الولي وقد أخذهما والشرع المقدس أيضاً، فهو حينما أمضى ذلك فهو أيضاً اعتبر اجتماع هذين الأمرين لأنَّ هدفه من الامضاء مراعاة مصلحة الأطفال، فعلى هذا الأساس هما معتبران بأخذ الولي وجعله وبإمضاء الشرع المقدس.

وقد يقول قائل: - إنَّ كلا هذين الشرطين معتبر في الوصي الذي ينصبه الأب أو الجد أما نفس الأب والجد فهل شرط ولايتهما أن يكونا أمينين وراشدين أو لا يشترط ذلك؟

قلنا:- إنه يمكن إن يقال لا يشترط ذلك فيهما لعدم امتلاكنا لدليل يمكن الاستناد إليه في اعتبار هذين الشرطين وهذين الوصفين في حقهما، والوجه في ذلك أنَّ ولاية الأب والجد لعلّها من باب ( أنت ومالك لبيك ) كما دلت عليه الروايات، فالأب والجد له حق التصرف والولاية ويبيع ويشتري من باب ( أنت ومالك لأبيك ) لا من باب أنَّ الشرع نصبه من باب الاستئمان، كلا بل الأطفال أصلاً هو راجعون للاب والجد فإذا كانوا راجعين للاب والجد فله الحق في أن يتصرف واعتبار الرشد والأمانة لا معنى له، وهو كما لو تصرف الانسان في ماله فهل يشترط في صحة التصرف في ماله أن يكون أميناً وراشداً؟! كلا لا يعتبر ذلك، نعم لا يصل إلى حدّ السفه، لأنه إن وصل إلى حدّ السفه فالسفيه محجور عليه، أما أنه يفعل ذلك في معاملة أو معاملتين ولا يراعي المصلحة فهذا لا يعني أنه مسلوب حق التصرف في أمواله، فإذا فرض أنَّ الروايات التي هي بلسان ( أنت ومالك لأبيك ) دلت على ذلك فإذاً لا يمكن أن نقول إن ولاية الأب والجد مشروطة بالأمانة والرشد بعدما فرض وجود هذه النكتة وهي ( أنت ومالك لأبيك) فالشارع جعل الولاية للأب والجد لعله من باب ( أنت ومالك لأبيك )، فلا دليل على اعتبار الرشد والأمانة، ولذلك لم يعرف قائل باعتبار ذلك في حق الأبوين، وإنما ذلك معتبر في حق من ينصبه الأبوان والنكتة هي ما أشرنا إليه.

النقطة الثالثة: - هل تشترط العدالة في الوصي مضافاً الأمانة والرشد؟

إنه لا تعتبر العدالة، فلو فرض أن يستغيب فهذا ليس بعادل أو عنده أمور أخرى ولكنه من حيث الأمانة هو أمين ومن حيث المصالح هو رشيد، فلا يحتاج إلى أكثر من ذلك، فإذاً العدالة لا موجب لاشتراطها إضافة إلى الرشد والأمانة.

بل يمكن أن يقال هي منفية بالإطلاق المقامي، بمعنى أنَّ النصوص لم تشر إلى شرطية العدالة، فسكوتها عن ذلك يدل على أنها ليست معتبرة وإلا لأشارت إليها.

وهذا ليس تمسكاً بإطلاق لفظٍ حتى تقول إنَّ الروايات لا يوجد فيها لفظ معين يمكن التمسك بإطلاقه، وإنما مثل رواية محمد بن مسلم المتقدمة حينما قالت ( رجل أوصى إلى غيره بأولاده .... فقال: - لا شيء فيه من أجل أن أباهم قد أذن له بالتصرف وهو حي ) فهنا لم يشر الامام عليه السلام إلى أنه يعتبر أن يكون الوصي عادلاً، وهذا يعبر عنه بالإطلاق المقامي وليس اطلاقاً لفظياً، لأنه لا يوجد عندنا لفظ حتى نتمسّك بإطلاقه وإنما هو اطلاق مقامي، يعني أنَّ الامام عليه السلام في مقام بيان الحكم الشرعي وسكت عن بيان شرطية العدالة وهذا يدل على أنها ليست بشرط. إذاً لا تعتبر العدالة.

إن قلت: - إنه بناءً على التمسك بالإطلاق القاني نقول إنَّ الرشد والأمانة أيضاً لم يشر إليهما في الروايات فتعال وتمسك بالإطلاق المقامي لنفيهما أيضاً؟

قلت: - إنما نتمسك في الاطلاق المقامي في مورد الشك، أما إذا لم يكن عندنا شك فلا معنى للتمسك بالإطلاق المقامي، أما بالنسبة إلى الأمانة والرشد فليس عندنا شك وإنما هما مأخوذان جزماً، لأنَّ الأب حينما نصب ولياً صحيح أنه لم يصرح بهما ولكن مقصوده هو هذا، فإنَّ مقصوده هو أن يكون الوصي أميناً ورشيداً وهو قد أحرز ذلك، وهكذا الشرع حينما يمضي وهو يريد مصلحة الأطفال لا يمضي إلا إذا فرض تحقق الرشد والأمانة، فالرشد والأمان هما معتبران جزماً من دون شك لما أشرنا إليه، فلا معنى للتمسك بالإطلاق المقامي، وإنما تصل النوب إلى الاطلاق المقامي في مورد الشك، والعدالة نشك في اعتبارها بعد تحقق العدالة والرشد فهنا يوجد مجال في أن نقول حيث إنَّ الروايات قد سكتت عن بيان العدالة فهذا يدل على كونها ليست بشرط.

النقطة الرابعة: - يشترط في نصب الوصي فقدان الأب الآخر، يعني مثلاً إذا أراد الأب أن ينصب وصياً يلزم أن يكون الجد مفقوداً وهكذا الجد إذا أراد أن ينصب وصياً يلزم أن يكون الأب مفقوداً وليس على قيد الحياة، ولماذا يشترط في صحة نصب الأب أو الجد الوصي على أطفاله فقد الأب الآخر؟

ومن الواضح أنه من حيث الفتوى يمكن أن يدّعى أنَّ المسألة ليست محلاً للخلاف، قال صاحب الجواهر(قده):- ( بلا خلاف أجده فيه في الجملة بل الظاهر الاجماع عليه )[1] ، فإذاً يمكن أن يقال إنَّ المسألة لم يتضح فيها وجود مخالف وإلا لعرف ولنقل إلينا خلافه.

أما الدليل على اعتبار ذلك: - فهو أنه لو رجعنا إلى الروايات لم نجد فيها هذا الشرط، فكيف نوجه اعتبار فقد الأب الآخر في صحة الوصية من الأب الموجود بنصب الوصي على أطفاله بعد عدم دلالة الروايات على ذلك؟

وقد يقول قائل: - مادامت الروايات لم تذكر ذلك فلنقل بعدم اشتراط فقد الأب الآخر، فيجوز لأحد الأبوين نصب الوصي مع وجود الأب الآخر؟

قلنا: - مادامت المسألة ليست خلافية فحينئذٍ يصعب على الفقيه تجاوز ذلك، فلذلك يبقى يفتش على مستند من هنا وهناك فإن عثر على المستند أخذ به وأفتى على طبقة ووافق المشهور أو المجمع عليه، وإن لم يعثر عليه يصير إلى الاحتياط، ألا من لم يعِر أهمية لعدم الخلاف ولكن هذا صعب.

وتوجد رواية يمكن أن يستفاد منها بشكلٍ آخر اشتراط فقدان أحد الأبوين في صحة الوصية: - فإنَّ السيد الخوئي(قده) ذكر مطلبين أحدهما ذكره في الوصية والآخر في النكاح.

والوجه الأول الذي ذكره هو أنه قال:- إنَّ الأب إذا أراد أن ينصب وصياً رغم وجود الجد فهذا تقييد وتضييق لولاية الجد، ودليل ثبوت الولاية للجد حيث إنه مطلق ينفي هذا التقييد والتضييق، وهكذا العكس فإذا أراد الجد أن ينصب وصياً على أطفال ابنه وكان أبوهم حياً فهذا تقييد وتضيق لولاية الأب، ودليل اطلاق الولاية في كل منهما ينفي هذا التقييد والتضييق[2] .

ولكن الذي يرد عليه: - من أين لك أن ولاية كل واحدٍ منهما مطلقة وليست مقيدة بحيث لا يزاحمهما أحد فإنه لا توجد رواية تدل على ذلك، فأصل المطلب الذي ذكره فنّي ومقبول ولكن حيث لا يوجد دليل له إطلاق في هذا المجال فما ذكره لا مثبت له.

وقريب منه ما ذكره في المورد الثاني حيث قال[3] :- إنَّ الآية الكريمة تقول ﴿ فمن خاف من موصٍ جنفاً أو إثم فأصلح بينهم فلا إثم عليه ﴾ حيث قال إنه إذا نصب وصياً مع وجود الآخر فهذا جَنَف على الآخر أي أنه تجاوز على الآخر، والآية الكريمة تنفي التجاوز على الآخر، فلو أوصى الابن فهذا جنف وتجاوز على ولاية الجد، وهكذا الجد لو صنع ذلك مع وجود الأب، والآية الكريمة تنفي هذا المعنى، فإذاً لا يجوز التجاوز والاعتداء والتضييق.

والجواب نفس الجواب السابق: - وهو أنه لابد أولاً أن تثبت أنَّ ولاية الأب والجد مطلقة بعرضها العريض حتى يصدق عنوان الجَنَف والتجاوز، أما إذا لم يثبت ذلك فكيف يثبت عنوان الجَنَف والتجاوز.

فإذاً كلا الوجهين الذين ذكرها السيد الخوئي(قده) محل تأمل.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo