< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/11/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تتمة مسألة ( 80 ) جواز تصرف الأب والجد وإن علا في مال الصغير في المعاملات، مسألة (81 ) حكم المعاملات التي يجريها الأب أو الجد على نفس الصبي بإجارته أو ما شاكل ذلك – شروط المتعاقدين.

النقطة السابعة: - إنَّ المدار في المصلحة ليس على الواقع.

لأننا قلنا إنَّ المعاملة التي يجرياها الأب والجد لابد أن نفترض فيها وجود مصلحة كما نحن اخترناه ولو بأدنى مراتبها أو عدم المفيدة كما اختاره السيد الماتن وجماعة، ولكن هل المدار على الواقع في علم الله تعالى أو أنَّ المدار على النظرة العقلائية المتداولة بقطع النظر عن الواقع؟ قال السيد لماتن إنَّ المدار على النظر العقلائية وليس على الواقع، والوجه في ذلك واضح، فإنَّ الواقع غيبي وموجود عند الله تعالى ولا يمكن أن نطلع عليه ولا يمكن أن ندركه، فأقصى ما يمكن هو أنَّ يكلف الأب أو الجد بملاحظة وجود المصلحة أو عدم المفسدة من الزاوية والنظرة العقلائية لا أكثر من ذلك، هكذا قل.

أو قل بعبارة أخرى: - مرة يقع الكلام في بداية المعاملة وأه حينما يريد الولي أن يجري المعاملة هل المدار على المصلحة أو المفسدة على النظرة الواقعية الإلهية الغيبية ومرة الكلام أنه بعد أن أجرينا المعاملة على وفق النظرة العقلائية والعقلاء كلهم يقولون إنَّ هذا تصرف حسن ولكن بعد ذلك انكشف الخطأ وأنه بلحاظ الواقع النظرة العقلائية كانت مشتبهة وأنَّ المناسب هو عدم اجراء المعاملة، فهنا هل يحكم بالبطلان أو لا؟ إن كان المقصود هو الأول وأنه لابد أن توافق المعاملة النظرة الواقعية دون العقلائية فهذا واضح الوهن، فإنه لا يحتمل كون المدار على ذلك لأنه يلزم أن يكون المدار على ما لا يمكن إدراكه إلا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو المعصوم عليه السلام، وإذا المقصود هو الثاني فهذا باطل أيضاً، لأنَّ هذه ظاهرة غريبة وهي أنه بعد جريان المعاملة بأسبوعٍ مثلاً انكشف أنَّ العقلاء مشتبهون ففي مثل هذه الحالة إذا أردنا أن نحكم ببطلان المعاملة فهذه ظاهرة غريبة، ولا نقول هي مستحيلة، وإنما نقول هي غريبة عن الوسط العقلائي والاجتماعي والعرفي والمتشرعي فتحتاج إلى ما يدل عليها وما يثبتها، وحيث لا نملك ما يدل علها وأن البيع بعد يومين أو ثلاثة يحكم ببطلانه إذا اتضح أن مخالف للمصلحة الواقعية الغيبية فحيث لا مثبت ولا دليل على ذلك من النصوص الشرعية فهذا يورث الاطمئنان لنا أنه ليس المدار على النظر الواقعية بعد ذلك وأنَّ المدار هو على النظرة العقلائية الابتدائية في بداية المعاملة كما هي عليه سيرة العقلاء فإنهم دائماً يلاحظون المصلحة في بداية المعاملة أما ما ينكشف بعد ذلك فلا يعيرون له أهمية.

ويمكن أن نضيف إلى ذلك الرواية التالية: - وهي معتبرة محمد بن عيسى اليقطيني المتقدمة في النقطة الأولى، حيث ذكرنا أنَّ مما يدل على ثبوت الولاية للأب والجد في اجراء المعاملات للصبي ثلاثة أمور وكان ثالثها الأخبار، وذكرنا مجموعة أخبار ومنها هذه الرواية، فإذاً هذه الرواية هناك يستدل بها في اثبات أصل الولاية كما سوف نلاحظ كما يستدل بها الآن في هذه النقطة وهو أنه لو انكشف الخلاف لا يحكم بالبطلان.

وقد يقول قائل: - إنه إذا كانت توجد رواية تدل على ذلك فلماذا هذا التطويل بل من الأول عليك أن تتمس بالرواية ولا داعي إلى كل هذا؟

قلت: - إنَّ الفقه يعلمنا طرق الاستدلال وهذه قضية مهمة فالفقيه لابد وأن يعرف طرق الاستدلال، صحيح أنه الرواية إذا كانت موجودة كفى ذلك ولكن إذا كانت هناك طريقة ثانية يمكن التمسك بها بقطع النظر عن الرواية فتستحق أن تذكر.

والرواية هي ما ورد عن محمد بن عيسى اليقطيني:- ( أنه كتب إلى أبي الحسن علي بن محمد العسكري عليهما السلام في رجل دفع ابنه إلى رجل وسلّمه منه[1] سنةً بأجرة معلومة ليخيط له ) وهذا المقدار من الرواية يدل على الحكم الأول وهو أنَّ الأب يتمكن أن يؤجر ابنه، ( ثم جاء رجل فقال:- سلّم ابنك مني سنة بزيادة هل له الخيار في ذلك وهل يجوز له أن يفسخ ما وافق عليه الأول أم لا؟ فكتب عليه السلام: - يجب عليه الوفاء للأول ما لم يعرض لابنه مرض أو ضعف )[2] ، فإنه عليه السلام كتب وقال إنَّ الاجارة الأولى صحيحة وممضية رغم أنه انكشف أنَّ المصلحة الواقعية هي على طبق الاجارة الثانية، لأنه في الاجارة الثانية سوف يعطي المستأجر أجرة أكثر للولد، فإذاً المصلحة الواقعية تقتضي أن نسير على طبق الاجارة الثانية، ولكن الامام عليه السلام قال إنَّ الاجارة الأولى صحيحة وماضية ولازمه إلا مع وجود العذر، فإذاً شاهدنا من هذه الرواية قد تم وهو واضح.

وقد يقول قائل: - نحن في الحكم الأول لم يكن اجارة الصبي وإنما المعاملة على أمواله فهذه الرواية لا تدل على الحكم مورد البحث؟

قلت: - إنَّ هذا يرتبط بالحكم الأول وقد ذكرنا هناك أنه إذا كان الأب يستطيع أن يؤجر الأب فبالأولى يستطيع أن يجري المعاملة على أمواله، وإذا لم تقبل بالأولوية فبتنقيح المناط يثبت أنه لا فرق من هذه الناحية.

فإذاً هذه الرواية دلالتها واضحة على أنَّ المدار ليس على المصلحة الواقعية.

وسندها معتبر أيضاً، فإنَّ صاحب الوسائل قال ( الصدوق بإسناده عن محمد بن عيسى اليقطيني )، وحينما يقول صاحب الوسائل ( الصدوق ) أو غيره فإن الصدوق طريقة الصدوق الغالبة هو أنه يذكر الراوي عن الامام عليه السلام فمثلاً يقول ( محمد بن عيسى اليقطيني ) ولا يذكر بداية السند، ولكنه يذكر بقية السند في المشيخة التي ذكرها في آخر كتاب من لا يحضره الفقيه فكل من ابتدأ به السند يذكر طريقه إليه، وإذا رجعنا إلى المشيخة الفقيه وجدناه يقول عن محمد بن عيسى اليقطيني:- ( أبي رضي الله عنه عن سعد بن عبد الله عن محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، وأيضاً محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عنه )، وكلا السندين معتبر ، فالسند الأول يروي فيه الصدوق عن أبيه ووالد الشيخ الصدوق من الأعلام الأوائل للطائفة، وأما سعد بن عبد الله الأشعري القمي لا إشكال في وثاقته، وقد قلنا سابقاً إنَّ الأشعريين هم قبيلة موجودة في قم وهم من القبائل العربية وأصلها من اليمن تم تهجيرهم إلى قم والكثير منهم رواة وهم من أجلة أصحابنا منهم أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري وسعد بن عبد الله الأشعري وغيرهما، وأما محمد بن عيسى بن عبيد اليقطين فهو ثقة أيضاً كما ذكر الشيخ الطوسي أو النجاشي فإذاً هو موثق.

وأما الطريق الثاني فهو ( محمد بن الحسن رضي الله عنه محمد بن الحسن الصفار عنه )، وهو محمد بن الحسن بن الوليد أستاذ الشيخ الصدوق والذي يروي عنه الصدوق كثيراً، وأما محمد بن الحسن الصفار فهو صاحب كتاب بصائر الدرجات وهو من أجلة أصحابنا، وأما ( عنه ) يعني عن اليقطيني، فإذاً كلا السندين معتبر ويكفينا واحد والرواية واضحة الدلالة فلا إشكال من هذه الناحية، إذاً اتضح أن المدرار على المصلحة أو عدم المفسدة حسب الظاهر عند العقلاء والنكتة في ذلك الأمران المتقدمان.

 

مسألة(81 ):- يجوز للأب والجد التصرف في نفس الصغير بإجارته لعملٍ ما أو جعله عاملاً في المعامل وكذلك في سائر شؤونه مثل تزوجه، نعم ليس لهما طلاق زوجته. وهل لهما فسخ نكاحه عند حصول المسوّغ للفسخ وهبة المدَّة وجهان والثبوت أقرب.[3]

..........................................................................................................

تشتمل هذه المسألة على أحكامٍ أربعة نذكرها في نقاط أربع: -

النقطة الأولى: - يجوز للأب أن يؤجر الصبي عند شخصٍ كبقال أو عطار.

النقطة الثانية: - إنه يجوز للأب تزويج الصبي.

النقطة الثالثة: - إذا كانت أحد مسوغات فسخ النكاح موجودة فهل للأب الحق في فسخ النكاح أو لا؟

النقطة الرابعة: - هل يجوز للأب هبة المدة في عقد المتعة أو لا يجوز ذلك؟

وقبل أن نشرع في بيان هذه لأحكام نذكر قضية لفظية جانبية: - وهي أنَّ العبارة الواردة في المتن هي ( يجوز للأب والجد التصرف في نفس الصغير ) وهذه العبارة صعبة على العوام وكان الأفضل حذف كلمة ( الصغير ) والتعبير بهذا التعبير( يجوز للأب والجد اجارة الصغير لعملٍ ما )، هذا شيء، والشيء الثاني أنه قال ( أو جعله عاملاً في المعامل ) [4] والأفضل حذف هذه العبارة فإنه لا حاجة إليها.

أما بالنسبة إلى النقطة الأولى: - فالدليل على جواز اجارة الصبي من قبل والده أو جده وجهان: -

الأول: - إنَّ سيرة الناس كانت جارية على اجارة الطفل وهذه السيرة ليست مستحدثة بل حينما كثرت البشرية وهي من لوازم الحياة فهي موجودة في العصور الأولى أيضاً، فهذه سيرة جارية عند الناس وكانت موجودة في عهد الأئمة عليهم السلام، وحيث لا ردع عنها فيثبت الامضاء.

الثاني: - بعض الروايات، ونذكر منها ثلاث روايات، وواحدة من تلك الروايات رواية اليقطيني المتقدمة فإنَّ المفروض أنَّ الأب آجر ذات الصبي عند شخصٍ فإذاً هذه الرواية موجودة والامام عليه السلام قال إنَّ هذه الاجارة لازمة ولا يجوز فسخها حينما جاء شخص آخر وأراد اجارة الصبي فأجرة أكثر، فإذاً هذه الرواية تدل بوضوح على صحة اجارة الصبي.


[1] والمقصود من ( منه ) هنا يعني ( إليه ).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo