< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/11/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة ( 80 ) جواز تصرف الأب والجد وإن علا في مال الصغير في المعاملات – شروط المتعاقدين.

الوجه الثاني: - وهو أنه ربما يقال - بل قيل - إنه يستحيل في حكمة الحكيم أن يجعل على من لا يدفع عن نفسه ضراً ولا يجلب لنفسه نفعاً ولياً ليست له عدالة فإنه يستحيل في حكمة الحكيم ذلك، وربما يضاف إلى أنَّ القرآن الكريم قد نصّ على خلاف ذلك - يعني الاعتماد على غير العادل - إما بالإشارة إلى قوله تعالى ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ) أو إشارة إلى ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا )، وهذا ليس بمهم بل المهم هو أنَّ الدليل الثاني الذي يتمسك به لإثبات اشترط العدالة في ولاية الأب والجد هو أنَّ هذا الطفل لا يدفع عن نفسه ضرا ولا يجلب لنفسه ضيراً فكيف حكمة الحكيم تسمح بان يسلط غير العادل على هاذ الصغير فإن هذا غير ممكن.

وهذا الدليل اشبه بالتمسك بالدليل العقلي أو هو قطع عقلي من العقل.وربما ينسب هذا القول إلى فخر الدين في إيضاحه وابن حمزة في وسيلته.ولكن يرد عليه: -

أولا: - نحن إما أن نسلّم قيام الدليل على شمول ولاية الأب والجد حتى في حق غير العادل، فإنَّ ثبوت الولاية مطلق وشامل حتى لعدم عدالة الأب والجد، أو نسلم بوجود الدليل على هذا الاطلاق والشمول، فإن لم يكن هناك اطلاق أو عموم فحينئذٍ لا دليل على شمول الآية ويكفينا هذا المقدار ولا نحتاج إلى مثل هذه المصطلحات، بل قل للقصور في المقتي - أي لا دليل -، وإذا فرضنا أنه يوجد دليل بعومه يدل على ثبوت الولاية للاب والجد إذا لم يكن عادلاً، فعلى هذا الأساس مادام قد دل الدليل على ذلك فلابد أن نأخذ بالدليل ولا نسير وراء هذه المصطلحات.

إن قلت:- نحن نريد أن نقول إنَّ الدليل قد دلَّ على ذلك ولكن هذه القضية التي ذكرناها - وهي أنه يستحيل في حكمة الحكيم - ترشدنا إلى أنه يوجد شيء آخر هو المقصود، فنقول إنَّ هذا الدليل مثلاً صدر لتقيّة ولم يقصد ظاهره، أو يحمل على بعض المحامل، مثل بعض الآيات القرآنية التي تدل على صدور المعصية من أنبياء فنحن نؤولها بحكم العقل بأنَّ النبي لا يمكن أن تصدر منه المعصية فنخالف ظاهرها بشكلٍ وآخر، وهنا هذا هو مقصودنا، فإنَّ مقصودنا أن الدليل دل بظاهره ولكن لابد أن نوجه هذا الظهور بشكل وآخرـ، لا أننا نريد أن نقول نحن لا نعير أهمية لأحكام الشرع حتى تتحامل علينا، وإنما نقول إنَّ هذا الظهور لابد من توجيهه بشكلٍ وآخر.

وإذا كان هذا هو المقصود فهو شيء لا بأس به ولكن يردّه:-

أولاً:- إنَّ العقل لا يتوقف من هذه الناحية بعد أن كان المالك الحقيقي ليس هو الطفل غير البالغ بل المالك الحقيقي لكل شيء في هذه الدنيا هو الله عزَّ وجل فهو المالك لي والمالك لعباءتي ولكل ما عندي فإذا كان هو المالك الحقيقي فحينئذٍ يفعل في ملكه ما شاء ولا معنى لأن نقول لابد من رفع اليد عن هذا الظهور لأنَّ هذا ظلم لهذا الصبي وجعل الظالم على من لا يفع عن نفسه ضرا ولا يجلب لنفسه نفعاً فإن هذا الكلام لا داعي إلى الاتيان به، حيث نقول إنَّ المالك الحقيقي ليس هو الطفل ولا أنا ولا أنت وهو يفعل ما يشاء وما يريد، فهذا الكلام لا مجال له من الأساس بعد أن عرفنا أنَّ المالك الحقيقي هو الله عزَّ وجل، فمسألة الظلم والتجاوز على مال الغير لا يأتي.

ثانياً:- إنَّ الفاسق هل هو دائماً لا راعي مصلحة الطفل فإنَّ هذه دعوى لا مثبت لها، بل ربما يوجد بعض الفسقة هم أفضل من غيرهم، فهو قد يكون أميناً في القضايا المالية للآخرين، فصحيح أنه يرتكب ما يرتكب كأن يستغيب أو يشرب الخمر وغير ذلك ولكن لا يتجاوز على أموال الأطفال القصّر، وعلى هذا الأساس من المناسب أن يفصّل بين ما إذا كان هذا الفاسق من هذا القبيل الذي له جنبة المحافظة على أموال القاصرين يعني كان أباً أو جداً كان يراعي مصلحة الطفل ولا يتجاوز عليها فهنا نقبل ولايته، وبين ما إذا لم يكن كذلك فلا نقبل ولايته، لا أننا نقول بضرس قاطع وبشكل مطلق لا يمكن للفاسق أيَّ فاسق أن يكون ولياً على الطفل، كلا بل لابد من التفصيل بين أفراد الفسقة بالشكل الذي أشرنا إليه.

ثالثاً:- ولعله أولاها، حيث نقول صحيح أنَّ الفاسق قد يتجاوز على مصالح الأطفال القصّر ولكن إذا كان أباً فنفس قضية الأبوّة هي صمام الأمان من هذه الناحية، فهو لا يتجاوز على أموال أطفاله، نعم هو يذهب وسرق أموال الآخرين ولكن أموال طفله فلا يتجاوز عليها، فعلى هذا الأساس لا معنى لما ذكر من انه يستحيل في حكمة الحيكم أن تجعل الولاية للفاسق على من لا يدفع عن نفسه ضراً ولا يجلب لها نفعاً فإنَّ هذا غير وارد هنا بعد أنَّ فرض أنَّ هذا الفاسق أباً وليس إنساناً عادياً، وإنما هذا الكلام يأتي في غير الأب والجد إذا أردنا أن نجعله ولياً على الطفل غير الأب والجد، لكن كلامنا في الأب والجد، وإذا كان الكلام فيهما فنفس الأبوة هي بنفسها تقتضي أن لا يتجاوز هذا الأب على أموال طفله وتجعله يراعي أموال طفله.

فإذاً ما ذكر مردود بما أشرنا إليه من الأجوبة الثلاثة.

والخلاصة: - عرفنا أنه استدل بثلاثة وجوه على عدم اعتبار العدالة وقد ناقشناها، وفي المقابل استدل بوجهين على اعتبار العدالة وقد ناقشنا ذلك.

والمناسب في لمقام أن يقال: - نه لا تشترط في ولاية الأب والجد وتصرفهما في أموال الطفل العدالة، وذلك بأن يقال إنه إذا اشترطنا العدالة فسوف يصير نصف الآباء إذا لم يكن أكثرهم سوف يخرجون عن الولاية وهذه ظاهرة توجب كثرة الأسئلة والأجوبة لأن أكثر الأولياء العدالة ليس من المعلوم هي ثابتة لهم أو هي معلومة العدم إذ الكثير يستغيب وغير ذلك، فلابد أن يكثر السؤال والجواب ولابد أن يصير الحكم واضحاً جداً، فإنه إذا كان ثلاثة أربعاء الأولياء أو نصفهم فسقة فلابد أن يصير عدم ثبوت الولاية شيئاً واضحاً، لأنَّ هذه مسألة ابتلائية، والحال أنه لا يوجد في الروايات سؤال وجواب عن مسألة العدالة، كما لا توجد بلبلة وتشويش في هذه القضية أو معروفية بين الأصحاب في أنه تشترط العدالة، فلا يوجد وضوح في اشتراط العدالة على المستوى الفقهي، ولا يوجد سؤال وجواب في الروايات، ولا يوجد اختلاف على الأرض، وهذا كله إن دلَّ على شيء فهو يوجب الاطمئنان للفقيه بأنه لا تشترط العدالة، أما إذا اشترطت العدالة فسوف تلزم هذه اللوازم التي ذكرناها وهذا ليس بموجود، فيحصل الاطمئنان بأنَّ العدالة ليست شرطاً في ولاية الولي.

النقطة السادسة: - لا يلزم مراعاة المصلحة في تصرف الولي بلحاظ ولده.

فإذا أراد أن يبيع له شيئاً يملكه فليس من اللازم مراعاة المصلحة، بل يكفي عدم المفسدة، يعني لا تبيعه بأقل أو لا تشتري بسعر أعلى، فيكفي عدم المفسدة، أما المصلحة بأن تحصل له على الربح فليس من اللازم ذلك، قال السيد الماتن(قده): - ( لا يلزم في صحة التصرف ومضيه وجود المصلحة بل يكفي عدم المفسدة إلا إذا فرض أنَّ السير وراء عدم المفسدة يعد تساهلاً في مصالح الطفل )، كما إذا فرض أنَّ هذا الشيء يباع بالقيمة التي ليس فيها خسارة ولكن ليس فيها ربح وهي قيمة المثل، ولكن إذا ذهب الاب قليلاً إلى الشارع الفني فهناك سوف تشترى بقيمة أكثر والذهاب إلى الشارع الفني ليس من الأمور الصعبة فهنا إذا أراد الأب أن لا يذهب إلى الشارع الثاني والحال أنه بإمكانه الذهاب إليه بسهولة فهذا يُعدُّ تفريطاً بمصالح الطفل، أما إذا كانت توجد صعوبة في الذهاب إلى ذلك الشارع الفلاني فحينئذٍ لا يعد هذا تفريطاً في مالح الطفل فيجوز بيع أموال الفل بثمن لمثل لا يلزم حينئذٍ تحصيل الربح.

وخلاصة الحكم في هذه النقطة: - هو أنه لا يلزم مراعاة المصلحة في تصرفات الولي والمعاملات التي يجريها عن طفله نعم يكفي عدم المفسدة إلا إذا فرض أنَّ الاكتفاء بعدم المفسدة يعد تفريطاً في مصالح الطفل بالشكل الذي أوضحناه.وما هو الدليل على ذلك؟

قد تمسك الشيخ الأعظم(قده) [1] بحديث ( أنت مالك لأبيك ) [2] ، وقال:- إنه على هذا الأساس يجوز للأب أن يتصرف فيه مادام هو بمنزلة ماله وهو يريد أن يتصرف في ماله فحينئذٍ مراعاة المصلحة ليست لازمة بل ولا مراعاة عدم المفسدة، لأنه صار بمنزلة ما الأب فيطبق أحكام ماله عليه، فلا يلزم حينئذٍ مراعة المصلحة ولا عدم المفسدة.

ثم تراجع قليلاً وقال: - إنه توجد عندنا رواية تقول إنه فليأكل من ماله طفله إذا كان محتاجاً ومضطراً، وهي رواية الحسين بن أبي العلاء: - ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- ما يحل للرجل من مال ولده؟ قال:- قوته بغير سَرَف إذا اضطر إليه )[3] ، يعني بمقدار الحاجة، فإذا كان بمقدار الحاجة فسوف يصير التصرف كيفما كان لا يجوز، يعني يلزم مراعاة عدم المفسدة، لأنَّ التصرف يكون بمقدار الحاجة.

والتعليق على ما أفاده واضح:- فإنَّ هذه الرواية ورادة في الأكل، فلو كانت توجد أموال أو طعام أو أي شيء آخر عند الطفل فأنت أيها الأب تستطيع أن تتصرف فيها بالأكل، فهي ليست واردة في باب المعاملات وإنما هي ورادة في باب الأكل، فلا معنى لأن تصير مقيدةً لروايات ( أنت واملك لأبيك )، فإنَّ تلك الروايات تثبت أنَّ مال الطفل هو بحكم مال الأب، أما هذه الرواية فهي ناظرة إلى حالة الأكل من مال الطفل، فجواز الأكل مشروط بمقدار الحاجة، لا أنَّ جواز المعاملة مشروط بهذا، فهذه الرواية ليست ناظرة إلى قضية المعاملة وإنما هي ناظرة إلى قيضة الأكل، ومادامت واردة في الأكل فلا معنى لأن تكون مقيدّة لروايات ( أنت واملك لأبيك ).


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo