< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/10/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة ( 80 ) جواز تصرف الأب والجد وإن علا في مال الصغير في المعاملات – شروط المتعاقدين.

النقطة الثالثة: - إنَّ الأب أو الجد اللذين ثبتت لهما الولاية على التصرف يجوز لهما كلا نحوي التصرف سواء كان بنحو المعاملة كبيع وشراء مضاربة واجارة وما شاكل ذلك من المعاملات التي يقصد من ورائها الاسترباح أو كانت من القبيل الذي فيه تعاملاً تجارياً كما لو اشترى الأب أو الجد للولد بأموال الولد دراجة أو ملابس أو ما شاكل ذلك للولد فهذه ليست معاملة يقصد منها الاسترباح وإنما هو تصرف في المال من دون مقابلة ربح، نعم الطفل يحصل على دراجة أو أمر آخر أما الأرباح والتجارة والمعاملة فليست موجودة، فالذي نريد أن نقوله إنَّ كلا النحوين من التصرف يجوز للأب، فهو مطلق اليد من هذه الناحية وهكذا بالنسبة إلى الجد، وما هو الوجه في ذلك؟

أما بالنسبة إلى جواز التصرف للاب أو الجد التصرف بنحو المعاملة التي يحصل منها الاسترباح وتحصيل الربح فيكفينا لإثبات ذلك معتبرة محمد بن مسلم المتقدمة عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( أنه سئل عن رجل أوصى إلى رجل بولده وبمال لهم وأذن له عند الوصية أن يعمل بالمال وأن يكون الربح بينه وبينهم، فقال:- لا بأس به من أجل أباهم قد أذن له في ذلك وهو حي )[1] ، فالإمام عليه السلام قال ( لا بأس ) وهنا أذن في التصرف في المعاملة التي يحصل من خلالها الربح لأنه التعبير فيها كان ( وأذن له عند الوصية أن يعمل بالمال ويكون الربح بينه وبينهم، فقال:- لا بأس .... )، فدلالتها على ذلك واضحة.

ولكن ربما يقول قائل: - إن هذه المعتبرة ناظرة إلى الوصي ونحن كلامنا في نفس الأب وليس في الوصي فلا تنفعنا شيئاً؟

وجوابه واضح: - فإنَّ الوصي إنما جاز له ذلك من بباب إذن الولي - الأب - ففي الحقيقة أن هذا الحق أولاً وبالذات ثابت للولي ويثبت ثانياً وبالعرض للوصي بسبب إذن الولي، فإذاً هذا ليس بإشكال، كما أنها لم تخصص بمعاملة دون معاملة وإنما أذن له في التصرف ولكن بشرط أن يكون الربح بينهما لا أنَّ الربح يصير كله له للأولاد أو يكون كله له بل قسم منه له وقسم منه للأطفال، والامام عليه السلام قال ( لا بأس من أجل أن أباهم أذن )، فهذه المعتبرة تدل بوضوح على أن الأب له الولاية في التصرف.

ولا يقلون قائل: - إنَّ هذه تدل على ثبوت ولاية للتصرف للأب فقط دون الجد؟

فنقول: - إنَّ الامام عليه السلام علّل وقال ( من أجل أنه أذن له وهو حي )، أي يوجد حق الاذن للأب، فإذا كان حق الإذن موجود للأب من باب أنه ولي فأيضاً فالجد تثبت له الولاية أيضاً، وهذا ثبت بالنقطة الثانية، فعلى هذا الأساس هذا الاشكال لا ينبغي تسجيله، فإذاً كل تصرف معاملي يقصد منه الربح هو جائز بمقتضى هذه الرواية.

وأما جواز التصرف للأب وهكذا في الجد في الأمور غير الربحية والتجارية كما لو فتح حصّالة الولد وأخذ من الأموال التي جمعها الطفل فيها واشترى للطفل بها ثوباً أو دراجة أو حاسوباً أو غير ذلك من الأمور التي ليس فيها استرباح فإنَّ هذه أيضاً جائزة للأب والجد، كيف يمكن اثبات جوازها لهما؟ قد أشرنا إلى ذلك في النقطة الأولى حيث قلنا إنه يجوز مثل هذه التصرفات لوجهين: -

الوجه الأول: - إنَّ هذه المسالة ابتلائية فإن كل شخص يوجد عند ولد نراه يتصرف في أموال ولده بأن يشتري منها دراجة ولولده أو غير ذلك، فمادام يوجد هناك أب وابن فمثل هذه الأمور تلازمه، فهي موجودة في كل عصر، فإذا كانت هذه المسألة ابتلائية يلزم أن يكون حكمها واضحاً بمقتضى كونها ابتلائية، وحيث إنَّ المعروف بين الفقهاء من دون مخالف أنه يجوز للأب التصرف في أموال الصبي بهذا الشكل فهذا يورث الاطمئنان للفقيه بأن الحكم الشرعي هو هذا وأنَّ هذا الحكم الشرعي قد تلّقوه يداً بيد من بيت العصمة والطهارة - ولو هو سكوت الامام عليه السلام -، فعلى هذا يثبت المطلوب.

الوجه الثاني: - أن نقول إنَّ السيرة جرت على مثل هذا التصرف، وحيث لا ردع عنها فيثبت الامضاء.

وبهذا يثبت أنَّه يجوز للأب والجد التصرف بهذا الشكل لأجل هذين الوجهين.

ونذكر شيئاً: - وهو أنه بعد أن ثبت أنَّ الأب أو الجد يجوز له التصرف بالمعاملة ذات الربح أو بالتصرف من دون معاملة كأن يشتري للطفل بعض الأمور هل يشترط وجود المصلحة أو يكفي عدم لمفسدة؟

والجواب: - إنَّ هذه قضية ستأتي فيما بعد.

النقطة الرابعة: - إنَّ كل واحد من الأب والجد هو حر في التصرف، فالب يتمكن أن يتصرف فيبيع ويشتري لابنه من دراية الجد أو الجد يتصرف من دون دراية الأب فتصرف كل واحد منهما ليس مشروطاً بموافقة الآخر، ويمكن أن يستد على ذلك بوجهين: -

الوجه الأول: - أن نقول إذا كان التشاور أمر لازم بينهما لانعكس ذلك على الروايات فإنَّ هذه قضية ابتلائية مهمة لابد أن تشير إليها الروايات، فعدم الإشارة يمكن أن يروث للفقيه الاطمئنان بأن ذلك غير معتبر.

الوجه الثاني: - إنه يمكن أن نستفيد من بعض الروايات عدم الحاجة إلى المشورة، لأنه توجد عننا بعض الروايات إن الذي يسبق منهما إلى التزويج ماضٍ وعند التشاح يقدم الجد، وهذا إن دل فإنما يدل على أن تصرف كل واحد منهما ليس مشروطاً بموافقة الآخر، فلاحظ ما رواه محمد بن مسلم في هذا المجال حيث جاء في الرواية: - ( إذا زوّج الرجل ابنة ابنه فهو جائز على ابنه ولابنه أيضاً أن يزوجها، قلت:- فإن هوى أبوها رجلاً وجدها رجلاً؟ فقال: - الجد أولى بنكاحها )[2] ، فإذاً هذه الرواية واضحة في أنَّ التشاور ليس بلازم وإنما السابق هو المقدم غايته إذا وقع تزاحم فالمقدم هو الجد، إذاً تصرف أحدهما ليس مشروطاً بالآخر، وهذه الرواية واردة في باب الزواج ولكن نحتمل الفرق بين باب الزواج وبين باب التصرفات المالية.

وقد يقترح شخص فيقول: - لنقل إن الأب أولى وهو المقدم دون الجد إما لأنه هو أقرب إلى الصبي لأنه أبوه أما الجد فهو يتصل بالحفيد بواسطة ابنه فالاتصال الأولي هو من خلال الأب أما الجد فهو يتصل بالحفيد من خلال ابنه، فمن المناسب دائماً أن نقدم الأب على الجد، إما بهذا البيان، أو ببيان إنَّ قوله تعالى ﴿ وأولي الرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ﴾ [3] وحينئذٍ يقال إنَّ الأب حيث إنه أقرب فيكون أولى بمقتضى الآية الكريمة؟

والجواب: - إنَّ هذا مصداق من مصاديق الاجتهاد في مقابل النص، فإنَّ هذا الكلام يأتي فيما إذا فرض أنه لا يوجد لدينا نص وأما بعد وجود النص فلا مجال لهذا الكلام، والنص هو صحيحة محمد مسلم حيث قالت إنَّ هوى أبوها شخصاً وهوى جدّها شخصاً فالجد مقدّم، فبعد أن قال النص هكذا فلا معنى لهذه الأمور الاعتبارية والتمسك بها.

مضافاً إلى أنَّ قضية ﴿ وأولي الأرحام بعضهم أولى ببعض ﴾ قد يناقش فيها ويقال:- إنَّ مسألة الولاية يمكن أن نقول لم يثبت أنها من باب الرحمية حتى يكون المقدّم في الرحمية هو المقدم في الولاية، وإنما الأب هو أعرف بمصالح الولد وهكذا الجد لا لكونه أباً من الرحم، فصحيح أنه رحم ولكن ليس من المعلوم أنَّ العلّة هي الرحمية، فالتمسك بهذه الآية الكريمة ليس في محله.

النقطة الخامسة: - لا تشترط العدالة.

يعني أنَّ الأب أو الجد حينما يريد أن يتصرف ليس من اللازم أن يكون عادلاً، وما هو الدليل على ذلك؟ قال الشيخ الأعظم(قده):- ( للأصل والاطلاقات ) [4]

ولابد أن يكون المقصود من الأصل هو الأصل العملي وهو البراءة.

ولكن نسأل ونقول: - هذه البراءة بأيَّ معنى؟، وبتعبير آخر نقول: - نحن نشك في أنَّ الأب إذا لم يكن عادلاً هل يجوز له التصرف في أموال ولده أو لا فهذا شك في الجواز فنجري البراءة ككل حكمِ نشك في جوازه وحرمته.

والاشكال عليه واضح حيث يقال: - نحن لا نحتمل الحرمة وعدم الجواز في نفس التصرف، نعم قل هو ليس بممضىً شرعاً لا أنه حرام.

فإذاً الأصل نفسّره بمعنىً آخر، وهو بمعنى الصحة، فالشيخ الأعظم(قده) حينما قال ( للأصل ) يعني الأصل المثبت للصحة، فنحن نشك في أن هذا التصرف صحيح أو ليس بصحيح فالأصل هو الصحة.

وإذا كان مقصوده هو أصل الصحة فالإشكال عليه واضح: - لأنه قبل تحقق المعاملة وصدورها من الأب لم يكن هناك نقل وانتقال، وحينما تصدر منه نشك في صحتها فنستصحب عدم ترتب الأثر الثابت سابقاً، ولذلك الأصل في المعاملات هو الفساد، يعني أن كل معاملة نشك في صحتها - يعني الأصل العملي غير الاطلاقات - ويترتب عليها الأثر فالأصل هو الفساد، لأنه قبل حصول المعاملة لم يترتب الأثر وبحصول المعاملة نشك في ترتب الأثر فنستصحب عدم ترتب الأثر، ولذلك الأصل العملي في المعاملات عند الشك في صحتها وفسادها هو الفساد لهذه النكتة التي بيناها.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo