< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/10/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة ( 80 ) جواز تصرف الأب والجد وإن علا في مال الصغير في المعاملات – شروط المتعاقدين.

استدراك لما ذكرناه في المحاضرة السابقة: - حيث قلنا سابقاً إنَّ التعدي من الولاية في الزواج إلى الولاية في المال بأولوية أو بغير أولوية محل إشكال، لأنه صحيح أنَّ الزواج اهم لأنه بضع ومنه يكون الولد ومنه تتكون الأسرة وغير ذلك ولكن لا نستطع أن نقول إذا ثبتت الولاية بلحاظه للجد أو للأب ثبتت الولاية لهما أيضاً في باب التصرف المالي لما أشرنا إليه من أن نفس الاتمام بالبضع هو قد يدعو إلى جعل الولاية للأب أو للجد في خصوص البضع لأنه مهم والشيء المهم لابد وأن يعطى بيد أمينة خبيرة تعرف كيف تتصرف مثل الأب والجد فيدقق في امر البضع ولا يتساهل فلأجل أهمية البضع جعلت الولاية للأب والجد، وهذا لا يلزم منه جعل الولاية في باب التصرف المالي لأنَّ المال ليس بمهم، فحتى لو فرض أنه صارت خسارة مالية فهي ليس بمهمة أما البضع فهو مهم فلابد من جعل ولي وهو الأب أو الجد لأهميته، فنفس الاهتمام بالنكاح هو عامل عكسي وليس عاملاً يساعد على جواز التصرف المالي بل بالعكس فهو يقتضي الاقتصار على البضع لأنَّ أهمية البضع والنكاح تستدعي جعل الولاية للأب والجد أما أن نتعدى بالأولوية إلى التصرف المالي فلا، وقد قلنا إنَّ الروايات الأربع التي ذكرناها لا يمكن التمسّك بها لإثبات الولاية في باب المال، ولأجل ذلك قلنا يشكل ثبوت الولاية للجد في التصرف المالي، لأنه لا توجد عندنا رواية جيدة يمكن الركون إليها لإثبات الولاية له، وقلنا لعل إن ابن عقيل توقف ولم يثبت الولاية للجد في التصرف المالي لعدم وجود المدارك.

ولكن نريد أن نتراجع الآن ونقول: - إنَّ خصوص الرواية الرابعة من الروايات المتقدمة فيها امتياز فيمكن التمسك بها لإثبات الولاية للجد في باب التصرف المالي، وهي رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: - ( إني لذات يوم عند زياد بن عبد الله [ عبيد ] الله الحارثي إذ جاء رجل يستعدي على أبية فقال:- أصلح الله الأمير إن أبي زوج ابنتي بغير إذني، فقال زياد لجلسائه الذين عنده:- ما تقولون فيما يقول هذا الرجل؟ فقالوا: - نكاحه باطل، قال: - ثم أقبل عليَّ فقال: - ما تقول يا أبا عبد الله؟ فلما سألني اقبلت على الذين أجابوه وقلت لهم: - أليس فيما تروون أنتم عن رسول الله صلى الله عليه وآله أن رجلاً جاء يستعديه على أبيه في مثل هذا فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله أنت واملك لأبيك، قالوا: - بلى، قلت لهم: - فكيف يكون هذا وهو وماله لأبيه ولا يجوز نكاحه؟!! قال:- فأخذ بقولهم وترك قولي )،[1] وقد قلنا إنَّ في سندها سهل، فلو قلنا بأن أمره سهل ولو لأجل رواية أجلّة الأصحاب عنه فيكون سندها معتبراً، أما لو توقف من جهة سهل فيشكل الأخذ بها، وهي حينما قالت ( أنت ومالك لأبيك ) فهذا يعني أنَّ النبي صلى الله وآله سلم لم يقبل من الابن شكواه وإنما قال له ( أنت ومالك لأبيك )، يعني مادمت أنت ومالك لأبيك فيستطيع والدك - الذي هو الجد - أن يتصرف فيتمكن أن يزوج البنت.

ونحن قلنا إنَّ جميع هذه الروايات الأربع لا يمكن التمسك بها لأنها واردة في باب النكاح، فهي تجعل الولاية للجد في باب النكاح وجعل الولاية في باب النكاح لا يلازم جعل الولاية له في باب التصرف المالي، لأنَّ نفس أهمية النكاح والبضع تستدعي أن يجعل ذلك بيد أمينة عارفة وهو الأب أو الجد ولا تترك البنت أو الابن يتصرفان لوحدهما.

ولكن نريد أن نتراجع الآن ونقول: - إنَّ هذه الرواية الرابعة فيها ميزة تختلف عن أخواتها فيمكن أن نتمسك بها، وهي أنَّ الامام عليه السلام استند إلى قضيةٍ حيث قال لهم ألستم أنتم تروون عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال ( أنت ومالك لأبيك ) فإذا كان الشخص هو وماله لوالده فكيف لا يتمكن الوالد - يعني الجد - من تزويج البنت؟!!، فالإمام عليه السلام تمسك بمقالة النبي صلى الله عليه وآله وقال هي دليل على جواز أن يتصرف الجد ويزوّج حفيدته.

والذي نريد ان نقوله:- إنه إذا تمسك الامام عليه السلام بمقالة النبي صلى الله عليه وآله وقال إنَّ هذه المقالة تثبت للجد حق تزويج حفيدته فحينئذٍ نتمسّك بها أيضاً لإثبات جواز تصرف الجد في مال الحفيد، وهذا ليس من باب الأولوية، بل مادامت النكتة كلّ النكتة هي ( أنت ومالك لأبيك ) فكما يستطيع الجد أن يزوّج الحفيدة يستطيع أيضاً أن يتصرف في أموالها، لأنَّ الولد وكل ما يملك هو للأب - أي للجد -، والامام عليه السلام جعل هذا مستنداً لجواز تزويج الجد حفيدته، فإذا قبلنا بهذا فحينئذٍ يلزم أن يكون نفس قول النبي صلى الله علي وآله وسلم ( أنت ومالك لأبيك ) دليلاً على جواز تصرف الدد في أموال الحفيد فإنَّ النكتة واحدة.

والفرق بين ما بيناه هنا وبين ما قلناه ورفضناه سابقاً:- هو أنه سابقاً قلنا إذا ثبتت الولاية للجد في باب زواج الحفيدة فبالأولوية تثبت الولاية في باب التصرف المالي ببيع وشراء، وقد قلنا إنَّ هذا مرفوض لأنه لعل مزيد الاهتمام بالفرج هو الذي صار سبباً لجعل الولاية للجد والأب في باب البضع ولا يمكن أن نستفيد من ذلك ثبوت الولاية له في باب المال لأن أهمية المال ضعيفة فلعل الشارع جعل الولاية خاصة بصاحب المال دون الأب ودون الجد فحصر الولاية في باب الأموال بنفس المالك فلا يمكن أن نستفيد أن الجد أو الأب له الولاية.

ولكن هذه الرواية فيها امتياز حيث تمسك الامام الصادق عليه السلام في ردَّ القوم بردّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( أنت ومالك لأبيك )، فهو استفاد من هذه المقالة وهو أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم مادام جعل الشخص وأمواله تحت تصرف الوالد - أي الجد - وهذا يلازم جعل الولاية له في باب الزواج، فإذا قبل الامام بهذا فيلزم أن يقبل بأنَّ نفس هذا الحديث يدل على ثبوت الولاية للأب والجد في التصرف المالي - أي مال الحفيد -.

إذاً ما سجّلناه سابقاً لا يرد هنا، لأنَّه فيما سبق كنّا نقول إذا ثبتت الولاية للأب والجد في باب انكاح فإذاً هي تثبت في باب الأموال بالأولوية، وقد سجلنا عليه إشكالاً وقلنا لعل مزيد الاهتمام بالفروج يجعل الولاية خاصة بباب الفروج دون باب الأموال، أما في هذه الرواية الآن لا يراد أن يتمسك بذلك وإنما يراد التمسك بكلام النبي صلى الله عليه وآله كما تمسك به الامام الصادق عليه السلام، حيث استفاد منه جعل الولاية للجد في باب الفروج، فإذا استفاد الامام منه هكذا فيلزم أن يستفاد منه ذلك في باب الأموال وأنَّ للجد - والأب - الولاية في التصرف مال حفيده ببيعٍ وشراء.

إذاً التمسك بهذه الرواية جيد لإثبات الولاية للأب والجد في التصرف المالي، وعلى هذا الأساس نتراجع عن الاشكال الذي ذكرناه سابقاً، وإنما نقول كما قال بقية الأعلام وهو المعروف بينهم وهو أنَّ الولاية في التصرف المالي ثابتة للجد تمسكاً برواية عبيد بالبيان الذي ذكرناه، فعلى هذا الأساس يثبت هذا الحكم ولا مشكلة من هذه الناحية.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo