< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/05/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 75 ) ضمان القيمة يكون على أي زمان؟ – شروط المتعاقدين.

قضيتان: -

القضية الأولى:- إنَّ السيد الماتن(قده) قال في عبارة المتن إنَّ المقبوض بالعقد الفاسد إذا كان قيمياً فالمدار على قيمة يوم القبض، لا يوم التلف ولا يوم الأداء، والمقصود من يوم القبض هو اليوم الذي قبض فيه القيمي، فإنَّ يوم القبض هو يوم الغصب إن صحّ التعبير - وإن كان التعبير بالغصب فيه مسامحة لأن المشتري لا يعلم بأن البيع فاسد - فيوم القبض هو يوم المخالفة، فعلى هذا الأساس عبّر السيد الماتن بيوم القبض ومقصوده هو يوم المخالفة وليس احتمالاً جديداً، وقد استند في ذلك إلى صحيحة أبي ولاد، فهو يوافق الشيخ الأعظم( قده) بأنها تدل على أنَّ المدار على قيمة يوم المخالفة.

بقي شيء: - وهو أنَّ الصحيحة واردة في الغصب فكيف تتعدّى إلى المقبوض بالعقد الفاسد؟

والجواب:- إنه لابد من ضم ضميمة إلى ما ذكر حتى يتم ما أراد، والضميمة هي أما أن نتمسك بما ادّعاه ابن إدريس من أنَّ المقبوض بالعقد الفاسد هو بحكم المغصوب عند أصحابنا، وإذا قبلنا بهذا الكلام فحينئذٍ تصير هذه هي الضميمة، أو أن نقول إنَّ المستفاد من الصحيحة كون المدار على يوم المخالفة في القيمي من دون فرقٍ بين الغصب وغيره، فصحيح أنَّ مورد الرواية هو الغصب ولكن المفهوم منها أنَّ هذا حكم عام لا يختص بالغصب، أو أن نضم ضميمة ثالثة وهي أن نقول إذا كان المدار ليس على يوم المخالفة وإنما كان على يوم الأداء يلزم في حالة كون قيمة يوم الأداء أكثر من قيمة يوم الخالفة أن يكون حال المقبوض بالعقد الفاسد أسوأ من المغصوب، فإن المغصوب يضمن في يوم المخالفة الذي تكون فيه القيمة أقل، أما إذا كان مدار الضمان في المقبوض بالعقد الفاسد على يوم الأداء وكانت قيمته أعلى من قيمة يوم المخالفة فحينئذٍ يلزم أن يكون حال المقبوض بالعقد الفاسد أسوأ حالاً من المقبوض بالغصب، وهذا شيء غير محتمل، ولكن هذا الكلام إنما يتم فقط في حالة ما إذا كان يوم الأداء أكثر قيمةً من يوم المخالفة والغصب، أما إذا كان أقل فلا يأتي هذا الكلام، فإذاً لابد من التمسّك بأحد البيانين الأوّلين.

القضية الثانية: - قد يقال إنَّ المدار في الضمان في باب المغصوب وهكذا قد يعمم إلى المقبوض بالعقد الفاسد يكون بأعلى القيم، لا على يوم الأداء، ولا على يوم المخالفة، ولا على يوم التلف، ويستدل على ذلك بوجوه ثلاثة: -

الوجه الأول:- التمسك بقاعدة نفي الضرر، ببيان:- أنَّ القيمة إذا ارتفعت في يوم من الأيام ولم تكن مضمونة للمالك فذلك ضرر على المالك، إذ لو كانت العين موجودة عنده لاستفاد من قيمتها العالية، فإذاً لابد وأن يكون المدار في الضمان على أعلى القيم وإلا يلزم تضرر المالك لو جعل المدار على يوم التلف أو يوم القبض أو يوم آخر، بل لابد وأن يجعل المدار على أعلى القيم تحفّظاً من طروّ الضرر على المالك، فإنَّ قاعدة نفي الضرر تنفي الضرر، فيلزم أن يكون المدار على أعلى القيم، وقد نسب هذا القول إلى الوحيد البهبهاني، قال في الجواهر:- ( لذا قيل إنَّ وجه القول قاعدة الضرر وذلك لأن عدم تمكنيه منها حين ارتفاع القيمة ضرر عليه وتفويت لتلك المنفعة العليا ومن هنا كان هو خيرة العلامة الأكبر الأغا محمد باقر البهبهاني فيما حكي عنه )[1] .

والجواب: - إنَّ قاعدة لا ضرر هي قاعدة نفي لا اثبات، فهي تنفي الحكم الضرري لا أنها تثبت حكماً يلزم منه نفي الضرر، وإنما هي تقول إذا كان الحكم ضررياً كالوضوء أو الغسل فهو مرفوع في حالة الضرر، أما أنها تشرّع حكماً ولولا تشريع هذا الحكم سوف يلزم الضرر - كما في موردنا بأنها تشرّع حكم بضمان أعلى القيم لولا تريعه يلزم الضرر على المالك - فلا تدل عليه، وإنما هي تدل على النفي دون الاثبات.

والدليل على كون قاعدة لا ضرر هي قاعدة نفي لا قاعدة اثبات هو أنها تقول ( لا ضرر )، فهي تنفي الضرر، وهي ناظرة إلى أحكام الشريعة، فتريد أن تقول إنَّ تلك الأحكام الثابتة في الشريعة متى ما كان واحداً منها ضررياً فهو مرفوع، فهي ناظرة إلى أحكام الشريعة من وجوب الصلاة أو وجوب الصوم وغير ذلك، فمتى ما كان واحداً من هذه الأحكام ضررياً فهو مرفوع أما أكثر من هذا فلا دلالة لها عليه.

الوجه الثاني: - إنه حينما ارتفعت القيمة ثم هبطت فإذا اقتصرنا في الأداء على الأقل فسوف يشك الضامن بفراغ ذمته بدفع غير الأعلى، ومقتضى قاعدة الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني هو لزوم دفع الأعلى.

وهناك طريق آخر: - وهو التمسك بالاستصحاب ذلك بأن يقال: إنَّ الذمة كانت مشغولة سابقاً، وبدفع الأقل يشك في فراغها، فنستصحب بقاء شغل الذمة، فإذاً يجب دفع أعلى القيم.

والجواب: - إنَّ اشتغال الذمة هو بنحو الدوران بين الأقل والأكثر الاستقلاليين دون الارتباطيين، فلو كان بنحو الارتباطيين بحيث لو دفع الأقل والذمة كانت مشغولة بالأكثر فدفع الأقل لا يكون مجزياً فهذا الكلام يكون وجيهاً، فإنَّ قاعد الاشتغال والاستصحاب يقضيان بلزوم دفع الأكثر، ولكن لا يحتمل أحد أنَّ المورد من الدوران بين الأقل والأكثر الارتباطيين، بل هو من الدوران بين الأقل والأكثر الاستقلاليين كما هو واضح، بدليل أنك لو دفعت نصف ما اشتغلت به المذمة ولم تدفع النصف الثاني فقد حصل فراغ للذمة بقدر النصف دون النص الآخر، وهذا يقبل به العقلاء، لا أن نقول إنَّ الدفع للنصف لا يعتبر دفعاً أبداً فإنَّ هذا غير محتمل، فالدوران في المقام هو بنحو الدوران بين الأقل والأكثر والاستقلاليين، ومعه نقول إنَّ الذمة مشغولة بالأقل جزماً وقد حصل الفراغ منه جزماً بدفع الأقل وأما الزائد فنشك باشتغال الذمة به من البداية، فلا معنى لجريان قاعدة الاشتغال، لأنَّ شك هنا في أصل الاشتغال بالزيادة، كما ولا معنى للاستصحاب، لأنَّ ما اشتغلت الذمة به يقيناً قد ارتفع يقيناً، والزائد الذي يشك في فراغ الذمة منه يشك من البداية في استغال الذمة به.

فإذاً لا تجري قاعدة الاشتغال ولا الاستصحاب، ولا يخفى لطفه.

الوجه الثالث: - إنَّ العين مضمونة في جميع الأزمنة والذي من جملتها زمان ارتفاع القيمة، فإذا دفع الأقل فحينئذٍ يشك المكلف في خروجه عن العهدة، فلابد وأن يدفع أعلى القيم.

والجواب واضح حيث نقول: - إنه إذا كانت العين موجودة فالذمة مشتغلة بها، ولا معنى لأن تقول إنه عند ارتفاع القيمة تكون الذمة مشغولة بارتفاع القيمة، وإنما هي مشغولة بالعين، فإنَّ العين مادامت موجودة في زمان ارتفاع قيمتها لا تكون الذمة مشغولة بالقيمة المرتفعة وإنما تكون مشغولة بنفس العين، لأنَّ العين موجودة، وأما إذا تلفت العين وفرض أنه لا ارتفاع في قيمتها فلا كلام، وإما إذا كانت القيمة هابطة فيشك في اشتغال الذمة بالأعلى، وحينئذٍ يقتصر على الأقل.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo