< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/04/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 74 ) بيان المثلي والقيمي – شروط المتعاقدين.

سؤالان: -

السؤال الأول: - ما هو مدرك ضمان المثل بالمثل والقيمي بالقيمة؟

والجواب: - تحدثنا عن ذلك في مسألة ( 57 ) ولكن بشكل موجز، فلا يوجد مدرك لفظي في ذلك، وأما الاجماع الذي تمسك به البعض أو غيره أمور لا يناسب التمسك بها في مثل المقام وإنما الدليل هو الارتكاز العقلائي، فإنه يوجد ارتكاز عقلائي على أن الشيء إذا كان مثلياً يضمن بالمثل ولذلك لو فرض أن شخصاً أخذ عباءتي ثم فقدت منه فجاء وقال لي لقد فقدت عباءتك فسوف أقول له اجلب لي عباءةً مماثلة لها، فواضح أنَّ هذه قضية ثابتة بالارتكاز العقلائي قبل ان نحتاج إلى دليل شرعي عليها وحيث لا ردع فيثبت الامضاء.

السؤال الثاني: - كيف نحدد المثلي وما هو المدرك؟

والجواب: - أيضاً لا يوجد نص شرعي على تحديد القيمي المثلي، وإنما المدرك في تحديد المثلي هو العقلاء، فالشيء كما قلنا إذا اتحد مع غيره في الصفات التي تختلف باختلافها الرغبة فهذا يقال له أنه مثلي كالقماش في وقتنا الحاضر، فإذا اتحد الشيئان في ذلك فهو مثلي وإذا اختلفا فهو قيمي والمدرك هو الارتكاز وحيث لا ردع فيثبت بذلك الامضاء.

وذكر الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب ذكر فرعاً: - وهو أنه لو شككنا أنَّ الشي مثلي أو قيمي وحصل اختلاف فهل المدار على ما يقوله الضامن، أو المدار على المالك المتلف عليه، أو التخيير، أو القرعة؟

ولعل هذا الفرع هو كبرى من دون صغرى، لأنه عادة لا يختلف المالك مع المتلف بأنَّ الشيء قيمي أو مثلي، وإنما عادة نرجع إلى الناس وهم يحددون بأن الشيء مثلي أو قيمي، وإنما هذا مجرد بحث علمي، فما هو المناسب هنا؟

والجواب: - إنه ذكر أربعة احتمالات: -

الاحتمال الأول: - أن يكون المدار على ما يقوله المتلف للبراءة عما زاد على ذلك، فإنَّ قال هو قيمي فسوف نشك باشتغال ذمته في المثل، أو قال إنه مثلي نشك في اشتغال ذمته بالقيمة، فهنا يوجد شك في اشتغال ذمته بغير ما يقوله، فنجري أصل البراءة عن غير ذلك.

الاحتمال الثاني: - إنه تجري أصالة الاشتغال، ولا معنى لجريان البراءة، لأنَّ المتلف قد استغلت ذمته يقيناً إن بالمثل أو بالقيمة والاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني، وحيث إنَّ الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني نقول لا يحصل الفراغ اليقيني إما بدفعهما معاً وهذه خسارة على المتلف أو ضمان ما يقوله المالك فإنه تبرأ بذلك ذمته جزماً.

الاحتمال الثالث: - إنَّ المورد من الدوران بين المحذورين، فإما أن يلزم المثل لا غير أو يلزم القيمة لا غير وهذا دوران الأمر بين المحذورين فالحكم هو التخيير.

الاحتمال الرابع: - التمسّك بإطلاقات أدلة الضمان، فإنها منصرفة أو ظاهرة في المثلي وإرادة القيمة هي من باب البدل وإلا فالأصل الأولي بمقتضى اطلاقات أدلة الضمان والاتلاف هو المثل فإن تعذّر المثل ننتقل إلى القيمة[1] .

وهو قد بيّن هذه الاحتمالات ولم يبيّن مختاره منها.

وذكر الحاج ميرزا علي الايرواني[2] والسيد الخوئي(قده)[3] : - أن الحكم هو القرعة فإنها لكل أمر مشكل.

وهذا إشكال يسجل على الشيخ الأعظم(قده): - فإنه لماذا لم يذكر هذا الاحتمال فإنه احتمال وجيه، فعليك أن تذكره وإن كان يوجد ردٌّ عليه فعليك أن تذكره.

وأجاب الشيخ التبريزي(قده)[4] وقال:- إنَّ القرعة غير مقبولة، وذلك باعتبار أنَّ القرعة لا تجري في الشبهات الحكمية، فإنه لا معنى لها وإنما تجري في الشبهات الموضوعية كما لو اختلف اثنان على ملكية عباءة ولا نعلم أيهما المالك فهنا توجد شبهة موضوعية وهنا مورد القرعة، أما بالنسبة إلى الشبهة الحكمية فلا معنى للمصير إلى القرعة وأن الحكم الشرعي هو المثل أو القيمة فهذه شبه حكمية ولا معنى للمصير إلى القرعة فيها، والمناسب أن يقال حيث إنَّ الموافقة القطعية ليست بلازمة - وهي بدفع المثل وبدفع القيمة معاً - والإهمال رأساً ليس بمحتمل بحيث لا يضمن له لا المثل ولا القيمة، فالمناسب هو الاحتمال الأول الذي ذكره الشيخ الأعظم(قده) وهو المصير إلى أصالة البراءة، يعني أنه يضمن ما يقوله المالك ونجري البراءة عما زاد على ما حدده المالك.

ونقول في مقام الجواب تعليقاً على ما أفاده الشيخ التبريزي(قده): -

أما بالنسبة إلى كلامه الأول فالجواب:- صحيح أنَّ القرعة لا مجال لها في الشبهات الحكمية، فمثلاً لا ندري أن الواجب في ظهر يوم الجمعة أنَّ الواجب هو صلاة الظهر أو صلاة الجمعة فلا معنى لأن يتم تشخيص الواجب من خلال القرعة، فإنه مسلّم أنَّ الأحكام لا تشخَّص من خلال القرعة، ولكن في موردنا الشبهة ليست حكمية، وإنما هي موضوعية، لأننا نعرف أنَّ المثلي يضمن بالمثل والقيمي يضمن بالقيمة، فالحكم معلوم ولا اختلاف من هذه الناحية، وإنما الكلام أنَّ هذا مثلي أو قيمي، يعني أنَّ الاختلاف في الموضوع وليس في الحكم، وما ذكره اشتاه، ولعل منشأ الاشتباه والذي تصور بسببه أنَّ الشبهة حكمية هو أننا لا نعلم أنَّ الذي اشتغلت به الذمة هو وجوب دفع المثل أو وجوب دفع القيمة، فلعلَّ هذا هو منشأ تصور أن الشبهة في المقام حكمية، والحال أننا نعلم أنه إن كان مثلياً فالذمة تشتغل بالمثل وإن كان قيمياً فالذمة تشتغل بالقيمة، وإنما الكلام في أنه هل هو مثلي أو قيمي فهذا شك في الموضوع واشتباه في الموضوع، وحينئذٍ لا تكون الشبهة حكمية حتى يقال إنَّ القرعة لا مجال لها.

وأما ما ذكره ثانياً فالجواب: - إنه يمكن أن نقول هناك موقف آخر، وهو التصالح، فعليهما أن يتصالحا ويتراضيا بأحدهما، فإن تصالحا بشكلٍ من الاشكال فهو، وإن لم يتصالحا على شيء نصير آنذاك إلى القرعة، ومع وجود القرعة لا تصل النوبة إلى أصل البراءة، لأنَّ القرعة دليل اجتهادي ومعه لا تصل النوبة إلى أصل البراءة.

وبهذا اتضح الرد على الشيخ الأعظم(قده)، حيث ذكر أربعة احتمالات ولم يذكر ما ذكرناه، ويتضح الرد على السيد الخوئي والحاج ميرا علي الايرواني(قده) فإن لمناسب في المرحلة الأولى التصالح إن أمكن وإلا يصار إلى القرعة، ولكني لا استبعد أن مقصودهما هو ذلك ولم يذكرا التصالح لوضوحه، وأيضاً اتضح الجواب على ما ذكره الشيخ التبريزي(قده) فإنه قال إن القرعة لا مجال لها في الشبهات الحكمية، ولكن قد اتضح أنَّ المورد من الشبهات الموضوعية، كما اتضح أنَّ حكمه بأنه بعد عدم المصير إلى القرعة نصير إلى البراءة لا مجال للبراءة وإنما المصير إلى التصالح إن أمكن وإلا فإلى القرعة فإنها دليل اجتهادي.


[2] حاشية المكاسب، الميرزا علي الايرواني، ج2، 132.
[3] محاضرات في الفقه الجعفري، الخوئي، ج2، ص189.
[4] حاشية المكاسب، التبريزي، ج2، ص168.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo