الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
40/05/21
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- مسألة ( 60 ) – شرطية الاختيار – شروط المتعاقدين.
إن قلت:- إنَّ المصير إلى القرعة هنا محل إشكال ، لأنَّ دليل القرعة يختص بما إذا كان الشيء له تعيّن واقعي ونجهله ظاهراً فالقرعة تعيّن ذلك المعيّن واقعاً المجهول عندنا ، أما إذا لم يكن له تعيين واقعاً فشمول أدلة القرعة له أوّل الكلام.
قلت:- إنَّ اطلاقها شامل ، ويؤيده حكم الفقهاء بأنَّ من كانت عنده ثلاث زوجات فله حق الزواج برابعة فتزوج برابعة ، كما أنه يوجد عنده وكيل قد وكّله في أن يزوجه برابعة فزوجه أيضاً منها ، فالوكيل والأصيل كلاهما أجروا عقداً ولكن كلَّ عقد كان على امرأة ونفترض أنَّ العقد قد حصل في نفس الوقت فصارت خمس زوجات ، فأيَّ الزوجتين الأخيرتين عقدها صحيح ؟ هنا حكم الفقهاء بالقرعة والحال أنه لا تعيّن واقعاً.
ويرده:-أوّلاً:- إنه حكم بالصحة في الحالة الثانية - يعني في غير مصراعي الباب - ولكنه حكم بالصحة في واحدٍ لأنه ليس مكرهاً عليه ، والثاني المفروض أنه مكره عليه ، فيقع البيع باطلاً بلحاظ واحدٍ منهما لأنه مكره عليه وصحيحٌ بلحاظ الثاني لأنه مختار وتطيب نفسه ، يبقى التعيين هل هو بيده كما لو فرض أنه باعهما لشخصٍ واحد أو أنَّ التعيين يكون بالقرعة كما لو باعهما لشخصين دفعة ؟ ، ولكن هذه قضية ثانية ، ولكن بالتالي هو قد حكم بالصحة بلحاظ واحدٍ منهما - يعني في مثال بيع الدار والسيارة - والبطلان بلحاظ الآخر.
ونحن نقول:- مادامت نفسه تطيب ببيع الثاني والمفروض أنه طيبٌ مطلق وليس طيباً متفرّعاً على الأوّل المكرَه عليه - لأنه لو كان متفرعاً صار في حكم العدم فيقع باطلاً وصار مثل مصراعي الباب - فحينئذٍ يقع صحيحاً كما قال ، ولكن ينبغي الحكم بصحة الأول من باب أنه تشبع حاجة الاكراه من خلال بيع الثاني.
فالمناسب أن يفصِّل كما ذكرنا لا كما ذكره(قده).ثانياً:- إنه ذكر أنه إذا باعهما لشخصٍ واحدٍ فلا نحتاج إلى القرعة لتعيين العقد الصحيح ، بل المدار في التعيين على ما يقوله البائع المكرَه ، لأنه طابت نفسه بنقل الكلّي ورضي بنقل الكلّي ، ونقصد من الكلّي هو الأحد الجامع دون الخصوصيات ، صحيح أنَّ الأحد لا يوجد إلا ضمن خصوصية ولكن في عملية النقل وطيب النفس الملحوظ هو الأحد الكلّي دون هذه الخصوصية بقيدها أو تلك بقيدها ، فحينئذٍ الخصوصية باقية على ملك البائع المكرَه فمن حقه أن يعيّن ، بينما في الحالة الثانية - يعني إذا نقلهما لشخصين في آنٍ واحد - قال إنه سوف تقع مشاكسة بين المشتريين فكل واحدٍ منهما يريد صحة الشراء لنفسه فالمدار على التعيين بالقرعة.
ونحن نقول:- إذا كنّا نلاحظ مسألة وقوع المشاكسة فهي كما تقع في صورة تعدد المشتري كذلك تقع في الحالة الأولى أيضاً ، فالبائع يقول إنَّ البيع الصحيح هو السيارة والمشتري يقول إنَّ البيع الصيح هو الدار ، فإذا كانت المشاكسة صوريّة فهي تتصوّر في كلتا الحالتين من دون فرقٍ ، غايته المشاكسة في الحالة الثاني تصير بين المشتريين ، بينما المشاكسة في الحالة الأولى تقع بين المشتري والبائع ، فمشاكسة صورية موجودة ، فعلى هذا الأساس المناسب القرعة في كليهما ، وإذا كان المدار على ما طابت به نفس البائع فالمناسب أنَّ الحكم في كليهما يصير واحداً ، يعني أنَّ المدار في التعيين يكون على البائع فإنه في كليهما طابت نفسه بنقل الكلّي الأحد دون الخصوصية فيبقى حينئذٍ تعيين الأحد راجعاً إليه ، وحينئذٍ لا نصير إلى القرعة بل إلى تعيين البائع.
ثالثاً:- إنه ذكر أننا نصير إلى دليل القرعة فإنه مطلقٌ في حالة تعدد المشتريين ، فلكي نحل المشاكسة نصير إلى القرعة لإطلاق دليل القرعة.
ونحن نقول:- إنه لابد من بيان أدلة القرعة المطلقة ما هي ؟ ، ونحن قد استعرضنا تلك الأدلة واستشكلنا في جميعها ، فكان من المناسب له فنياً أن يتعرض إلى الأدلة ، ولا أقل يأتي بدليل واحد مثل ( القرعة لكل أمر مجهول ) ويقول إنَّ ( مجهول ) يصدق هنا.
ولكن يرد عليه ما ذكرناه ، من أنَّ المجهول فيه رائحة الانصراف إلى حالة التعيّن الواقعي ، مضافاً إلى ما ذكرناه من أنَّ إرادة المجهول بعرضه العريض لا يمكن الالتزام به ، وأما الدرجة الأخرى فهي ذات مراتب مشككة ولا معيّن لبعض المراتب في مقابل البعض الآخر.فكان من المناسب له إذا لم يرد أن يفصّل أن يأتي بذلك الدليل المطلق ، وقد عرفنا أنه محل إشكال ، وتبقى القضية مبنائية من هذه الناحية.