< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/04/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- شروط المتعاقدين - مسألة ( 58 ) شرطية البلوغ.

الدليل الثاني:- ما رواه عبيد بن زرارة والسند موثق ، وهو الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد[1] عن صوفان عن ابن بكير[2] عن عبيد بن زرارة:- ( قال :- سألت أبا عبد الله عليه السلام عن شهادة الصبي والمملوك ، فقال:- على دقرها يوم أشهد تجوز في الأمر الدون ولا تجوز في الأمر الكبير [ الكثير ][3] ...... )[4] ، إنَّ السؤال كان عن شهادة الصبي والامام عليه السلام قال ( على قدرها يوم أشهد ) يعني ما يناسب الطفل من الأشياء ، فالأشياء الحقيرة تقبل فيها شهادته ، وأما الأشياء الخطيرة فلا تقبل فيها.

وحينئذٍ نضم قضية ، وهي أننا نعرف أنَّ باب الشهادة بابٌ مهم يعتبر فيه العلم بالمشهود عليه ويعتبر العدد وتعتبر العدالة ، فالشارع المقدّس تشدد في أمر الشهادة ، فإذا قُبِل فيه بشهادة الصبي في الأمور اليسيرة فبالأولى يقبل بيعه في الأشياء اليسيرة أيضاً لأنَّ باب الشهادة أهم.

والجواب:- إنَّ الأولوية قابلة للتأمل ، إذ لعله في باب الشهادة اهتم الشارع به من باب أنه هناك حقوقاً لابد من اثباتها وإلا يلزم فوات الحقوق ، خصوصاً وأنَّ الطفل برئ فربما يحصل من شهادته الاطمئنان عادةً أو العلم ، فعلى هذا الأساس لا يمكن أن نتعدّى إلى باب العقود لأنه لا يوجد فيها حقٌّ يراد اثباته ، وأيضاً القضية لا تعود إلى حصول العلم وإنما تعود إلى حصول القصد ، فالتعدّي من باب الأولوية ليس جزمياً ، فالأولوية ليست جزمية ، وعليه يكون الدليل المذكور محل إشكال.

الدليل الثالث:- السيرة ، وذلك بأن يقال كما ادّعى ذلك السيد مير علي(قده) في الرياض حيث قال إنَّ السيرة جارية على الأخذ بمعاملات الصبي في الأشياء اليسيرة إذا كان بنحو الآلية ، والآن نرى أنَّ السيرة جارية في معاملة الأطفال في الأمور اليسيرة فيحكم بالصحة.

وبعد أن نقل الشيخ الأعظم(قده) كلام صاحب الرياض(قده) أجاب بكلمة واحدة وهو لم يقلها بلسان المقال بل قالها بلسان الحال ، وهي أنَّ هذه السيرة ليست بحجة لأنها ناشئة من التساهل، قال(قده):- ( نعم ربما صحّح سيد مشايخنا في الرياض هذه[5] المعاملات إذا كان الصبي بمنزلة الآلة لمن له أهلية التصرف من جهة استقرار السيرة واستمرارها على ذلك )[6] ، ثم ناقش باحتمال نشوئها من عدم المبالاة وقال:- ( من عدم المبالاة في الدّين كما في كثير من سيرهم الفاسدة ).

ونحن لابد أن نتحدث في مطلبين:-

الأول:- هل توجد سيرة أو لا ؟

الثاني:- إذا كانت السيرة موجودة فهل يمكن تصحيحها أو لا لا يمكن تصحيحها كما قال الشيخ الأعظم(قده) ؟

أما بالنسبة إلى أصل السيرة:- فلا يبعد وجودها ، فإذا كان عنك ولدٌ قريب البلوغ وكان ذكياً ألا ترسله لشراء بعض الأمور البسيطة كالخضروات والفواكه والخبز وغير ذلك ؟ نعم نحن نفعل ذلك ن خصوصاً في حالة السفر فإنه بسبب التعب نأمر أولادنا بشراء هذه الأمور ، ومن أراد أن يشكك في هذا فتشكيكه ليس نابعاً عن حقيقة.

يبقى أنه كيف تثبت أنَّ هذه سيرة ثابتة في عهد المعصوم عليه السلام حتى بضم عدم الردع نستكشف الامضاء وإلا إذا لم تكن مستمرة إلى عهد المعصوم عليه السلام فلا يمكن أن نستكشف الامضاء ؟ففي اثبات أنها مستمرة نقول:- إنَّ هذه السيرة ناشئة من وضع اجتماعي وعقلائي وطبعٍ عقلائي وليس لخصوصيةٍ فيَّ وفيك ، وإنما طبيعة الإنسان تقتضي هكذا ، فأنا لم يعلّمني أحد بأن أرسل ولدي وإنما من باب أنَّ وضع الإنسان يقتضي هذا ، فإذا كانت المسألة مسالة طبع الانسان وحاجته إلى ذلك فحينئذٍ تكون هذه قضية فطرية وحاجة واقعية مصاحبة للوضع البشري ، فهي ثابتة أيضاً في عصر المعصوم عليه السلام ، فإنَّ العقلاء نفس العقلاء والناس نفس الناس والحاجات نفس الحاجات ولا يحتمل أحد أنَّ هذه العادة لعلها صارت جديدة ، بل هذه الحالة يقتضيها الوضع الإنساني والوضع البشري ، فهي إذاً حالة ثابتة في عهد المعصوم عليه السلام أيضاً ، فإذا اثبتناها بهذا الشكل فحينئذٍ نقول لو لم تكن مرضيّةً لدى الشرع المقدّس لردع عنها ردعاً ليس بالقليل ، ولابد أن يكون الردع متعدداً ، لأنَّ هذه سيرة ثابتة فتحتاج إلى ردعٍ واضح ومتعدد ، وعدم ذلك يكشف عن الامضاء ، هكذا يمكن أن نقرّب صحة معاملات الصبي في الأشياء الحقيرة بالسيرة بالبيان المذكور.

ومن هذا يتضح بطلان المناقشة في هذه السيرة بما أفاده الشيخ الأعظم(قده) من انه يحتمل أنها ناشئة من قلة المبالاة:- فإنَّ هذه المناقشة تتم في سرة المتشرعة ولا تتم في سيرة العقلاء ، إذ يحتمل أنَّ هذا الذي صدر من المتشرعة هو قد صدر منهم لا بما هم متشرعة وإنما نتيجة قلّة مبالاة ، كما في خروج بعض النساء المحجّبات للبحث عن طفلها في الشارع ولكنها لم ترتدِ الجورب ، فهي متشرعة ولكن هذا التصرف ناشئ من قلة المبالاة ، فلا يمكن أن نقول إنَّ هذه السيرة مأخوذة يداً بيد من الشرع ، بل هي ناشئة من قلّة المبالاة ، فاحتمال النشوء من قلّة المبالاة يأتي في سيرة المتشرعة ، أما إذا كانت سيرة يقتضيها الطبع البشري وهي ما يعبّر عنه بسيرة العقلاء ، وليس المقصود هنا الحيثية العقلائية فليس مقصودنا بسيرة العقلاء هنا يعني هي سيرة يقتضيها عقل العقلاء كلا وإنما يقتضيها طبعهم وعاداتهم ووضعهم أي سيرة الناس ، فهذه سيرة يقتضيها طبع البشر وهذه يعبّر عنها بسيرة العقلاء ، فإذا كانت السيرة بهذا الشكل فلا معنى لأن نقول يحتمل نشوئها من قّلة المبالاة.

نعم إذا أردت المناقشة فلابد أن تقول:- إنه قد رُدِع عنها ، لا أن تقول هي ناشئة من قلّة المبالاة ، فإنَّ قلة المبالاة تأتي في سيرة المتشرعة ، فإذاً ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) قابل للمناقشة.

وقد يشكل بإشكال آخر:- وهو أنَّ الردع موجود ، مثل رواية أبي الحسين الخادم بياع اللؤلؤ المتقدمة والتي تمّمنا دلتها مع هنٍ وهن والتي قالت ( إذا احتلم جاز امره ) فإنها تدل على أنَّ أمر الصبي ليس بنافذ إذا لم يكن بالغاً ، فالردع موجود ، فإذاً هذه السيرة إذا كانت متشرعية فيحتمل أنها ناشئة من قلّة المبالاة ، وإذا كانت عقلائية فقد ردع عنها بهذا الردع.

والجواب:- مادامت هذه سيرة محكمة فتحتاج إلى ردعٍ متعدد ، وعلى الأقل لابد أن يكون الردع بالخصوص لا بالعموم ، بأن تأتي رواية ناظرة إلى هذه القضية وتصرّح وتقول بيوع الصبي اليسيرة غير جائزة ، فهذه المعاملات اليسيرة لابد أن يأتي ردعٌ عنها بالخصوص لا بالعموم ، ولا بد أن يكون بأكثر من رواية ، فعدم ذلك يدل على أنَّ هذه السيرة ممضاة.

إذاً اتضح أنه لا مشكلة.

يبقى شيء:- وهو أنَّ صاحب الرياض قيّد بما إذا كان بنحو الآلية.

وجوابه واضح:- حيث يقال: إذا كان بنحو الآلية فلا يحتاج حينئذٍ إلى الحصر بالأشياء اليسيرة ، بل على مقتضى القاعدة يمكن الحكم بالصحة ، يعني أنَّ المعاملة ليست جارية هنا بين الصبي والطرف وإنما هي جارية بين الولي الطرف أما الصبي فهو مجرّد آلة ، مثل أنَّ يد والد الصبي تصير طويلة فيدفع إلى المشتري الحاجة ويدفع إليه الثمن وهذه اليد الطويلة تصير بواسطة ولده ، فالآلية هذا هو معناها ، وإذا كانت بهذا المعنى فحينئذٍ صحة معاملة الصبي بنحو الآلية في الأشياء غير اليسيرة أيضاً ثابتة ، وكان من المناسب للشيخ الأعظم(قده) أن يعلق ويقول إنه لا معنى للتقييد بالأشياء اليسيرة.

والخلاصة من كلّ ما ذكرناه:- إنَّ البلوغ شرط في صحة المعاملة لمعتبرة أبي الحسين الخادم ، لكن على تفصيلٍ ، ففي الأشياء غير اليسيرة يشترط البلوغ ، وأما في الأشياء اليسيرة فيمكن الحكم بالصحة بلا إشكال.


[1] وطريقه إلى الحسين بن سعيد الأهوازي جيد.
[2] وقد عبرنا بموثقة باعتبار ابن بكير.
[3] ما هو موجود في الوسائل هو تعبير ( الكبير ) لكن الموجود في المصدر هو تعبير ( الكثير ).
[5] وقوله ( هذه ) يشير إلى محل كلامه الذي كان يتكلم فيه وهو الأشياء اليسيرة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo