< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/03/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- الفصل الثاني: شروط المتعاقدين - مسألة ( 58 ).

الفصل الثاني:- شرائط المتعاقدين.مسألة( 58 ):- يشترط في كل من المتعقدين أمور ، الأول البلوغ فلا يصح عقد الصبي في ماله وإن كان مميزاً إذا لم يكن بإذن الولي بل وإن كان بإذنه إذا كان الصبي مستقلاً في التصرف ، وأما إذا كانت المعاملة من الولي وكان الصبي وكيلاً عنه في إنساء الصيغة فالصحة لا تخلو من وجه وجيه وكذا إذا كان تصرّفه في غير ماله فإذن المالك وإن لم يكن بإذن الولي...........................................................................................................وهذه المسألة الفاظها واضحة ولكن المضمون المحصّل قد يصعب معرفته ، وأحد مناشئ هذا الاشكال هو الاستعانة بإشارات علمية فهذه الاشارات العلمية ينبغي أن تترك للكتب العلمية أما في كتب الفتوى فلا يشار إليها.وتتضمن هذه المسألة ثلاثة أحكام:-

الحكم الأوّل:- لا يصح أن يكون الصبي مستقلاً في التعاقد على ماله وإن كان ذلك بإذن الولي ، كما لو كان عند الصبي مال فقال له والده اذهب إلى السوق اشترِ بها ما تحب فهذا مأذون من قبل الوالد ويذهب إلى السوق ويتصرف بشكل مستقل فهو يحدد السعر والمبيع والصفات فهذا صار مستقلاً وكلّه بإذن الولي فهذا لا يصح .

فإذن الحكم الأوّلي هو أنه لا يصح تعاقد الصبي على ماله بشكلٍ مستقل حتى لو كان بإذن الولي.

الحكم الثاني:- يصح أن يكون الصبي وكيلاً في اجراء الصيغة فقط ، كما إذا اتفق الأب مع صاحب المحل على الثمن والمثمن والخصوصيات ثم يقول للولد أنت أجرِ الصيغة فهنا لا محذور في ذلك.

الحكم الثالث:- إذا كان التعاقد على غير مال الصبي فيصح أن يتصدّى الصبي بإذن المالك وإن كان بشكلٍ مستقل.

يعني شخص توجد عنده أموال فيقول لابن أخيه الصبي مثلاً اذهب واشترِ لي بهذه الأموال شيئاً فأنت مأذون من قبلي بشكلٍ مستقل ، فهذا يجوز.ولابد أوّلاً أن نعرف بشكلٍ اجمالي مدارك هذه المسألة ، فلماذا توقّف الفقهاء في صحة معاملات الصبي ، فما هي النكتة ؟يذكر الفقهاء عادة ثلاثة أدلة:-

الدليل الأول:- الاجماع[1] .

الدليل الثاني:- بعض الآيات الكريمة ،ولعله توجد ثلاثة آيات أو أكثر ، وأقوى الآيات في هذا المجال قوله تعالى:- ﴿ وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها اسرافاً وبداراً أن يكبروا ﴾[2] ، وطريقة الاستدلال واضحة وستأتي بالتفصيل

وتوجد آية كريمة ثانية وهي قوله تعالى: ﴿ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً ﴾ ، وتوجد آية كريمة ثالثة وهي: ﴿ فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفاً أو لا يستطيع أن يملًّ فليملل الذي عليه الحق .. ﴾.

فإذاً ذكر الفقهاء ثلاث آيات والمهم منها هي الآية الأولى ، فإنَّ هذه الآية الكريمة بعضهم استدل بها على شرطية البلوغ ، وبعضهم استدل بها على عدم اعتبار البلوغ - أي انها لا تدل على شرطية البلوغ بل هي تدل على العدم - ، وسيأتينا بحثٌ مفصّلٌ في هذا.والدليل الثالث الروايات وهي روايات متعددة ، وسيأتي ذكر الروايات ، هذه هي الأدلة التي تمسّك بها الفقهاء.

والذي نريد أن نقوله:- إنه لو رجعنا إلى مكاسب الشيخ الانصاري(قده) نجد أنه لا يشير من قرب ولا من بعد إلى الآيات الكريمة وإنما يتمسّك بالاجماع والقليل من الروايات ، أما الآيات فلم يذكرها ، والحال أنَّ الفقهاء قد ذكروها واختلفوا فيها ولا نعلم كيف أنَّ الشيخ الانصاري لم يذكرها ، فلو كان ملتفتاً إليها وكانت لا تدل على هذا المطلب فمن المناسب أن يذكرها ثم يردّها لا أنه لا يذكرها أبداً.

وقد أشار بعض الفقهاء إلى التسّمك بهذه الآية الكريمة ، وقد نقل صاحب الحدائق(قده) عن العلامة(قده) في التذكرة أنه يقول:- ( الصغير محجور عليه بالاجماع ...... قال اله تعالى " وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح ......وقوله تعالى " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي " ....... وقوله " فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفاً ... "[3] )[4] ، وقال النراقي(قده) في المستند:- ( وبدل على المطلوب أيضاً قوله سبحانه " وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح ... " )[5] ، وذكر صاحب الجواهر(قده) هذه الآية الكريمة واستدل بها على عدم شرطية البلوغ - يعني بالعكس - وهذا ملفتٌ للنظر ، قال: ( وكذا الاستدلال بما ورد في الكتاب والسنَّة من ابتلاء اليتامى واختبارهم في حفظ المال وفي التصرف فيه كي يدفع إليهم مالهم ...... ، ضرورة كون عدم انحصار الأوّل بمباشرة نفس العقد والشراء ونحوهما .... بل يكفي مباشرة السوم ونحوه من الأمور التي لا يعتبر فيها ذلك )[6] .

والخلاصة:- هي أنَّ الأدلة التي ذكرها الفقهاء هي ثلاثة والشيخ لم يشر إلى الثاني ولكن ما هي نكتة عدم إشارته إليه فهذا لا نعرفه.

والآن ندخل في هذه الأدلة:- ومن الواضح أننا نذكر هذه الأدلة على شرطية البلوغ ونلاحظ ماذا يستفاد منها فهل يستفاد منها أنه لا يجوز ذلك إذا كان مستقلاً أو أنه لا يجوز حتى إذا لم يكن مستقلاً ؟ ، وإذا تممّناها نذكر أدلة على عدم شرطية البلوغ ، وقد قلنا إنَّ الأدلة التي ذكرت على الشرطية ثلاثة:-

الدليل الأوّل:- الاجماع والشهرة ، وقد عرفنا مراراً أنه مادام يوجد مدرك يصلح الاستناد إليه فالاجماع لا يمكن التمسّك به ، لكن الشيخ الأنصاري تحوّل من أصولي ، ولكن لا أقول ترك ليس بشكل كامل بل في الأصول نبّه على أنَّ الاجماع محتمل المدرك لا يمكن الأخذ به لأنَّ طريقة الشيخ الأنصاري هي الكاشفية عن حدس ، يعني مادام لا يوجد مدرك فنستكشف أنه يداً بيد قد وصل إليهم من الامام عليه السلام ، ومع وجود مدرك ولا أقل هو الروايات فحينئذٍ كيف نقطع بأنَّ هذا الحكم المجمع عليه وصل إليهم يداً بيد من الامام عليه السلام ؟! ، فإذاً لا يمكن الاعتماد على الاجماع.

والشيء الغريب هو أنَّ الشيخ(قده) قد جعل عمدة دليله الاجماع والشهرة ، ولكن بعد ذلك ترك هذا ولم يتمسّك به ، فأولاً قال إنَّ عمد الدليل هو الاجماع ثم بعد ذلك قال ويضاف إليه الروايات ، وهذه طريقة ليست بصحيحة ، بل يلزم من البداية أن يقول إنَّ الدليل هو الاجماع وغيره ، لا أنه يحصر الدليل بالاجماع أوّلاً ثم بعد ذلك يترك هذا ويضيف شيئاً آخر[7] .

فلاحظ عبارة الشيخ الأعظم في هذا المجال حيث قال:- ( فالعمدة في سلب عبارة الصبي هو الاجماع المعتضد بالشهرة العظيمة )[8] وقال:- ( فالإنصاف أنَّ الحجة في المسألة هي الشهرة المحققة والاجماع المحكي عن التذكرة )[9] ، فإذاً هو حصر المدرك بالاجماع ، ولكن بعد ذلك استدرك وقال إنه بالإمكان التمسك بشيء آخر غير الاجماع والشهرة وهو ما دل على أنّ عمد الصبي وخطأه واحد ، ثم تمسّك بحديث رفع القلم الوارد ذيلاً في رواية عمد الصبي وخطاه واحد ، إذاً اتضح أنه هكذا صنع.

والخلاصة:- إنه في البداية جعل المدرك منحصراً بالاجماع ثم بعد ذلك تنزّل وذكر روايتين بهذا المجال وتمسّك بهما.

هذا بالنسبة إلى الدليل الأوّل وهو الاجماع وقد عرفنا أنه لا يصلح لدليلة.

الدليل الثاني:- الآيات الكريمة والمهم منها قوله تعالى ﴿ وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها اسرافاً وبداراً أن يكبروا ﴾[10] .

وتقريب الدلالة:- إنَّ الآية الكريمة قالت ( وابتلوا اليتامى ) أي اختبروهم قبل البلوغ ولاحظوا هل يستطيعون أن يجروا المعاملة أو لا ، فإذا بلغوا وصاروا راشدين ، فبلوغٌ زائداً رشد فالآية الكريمة واضحة أنها تدل على شرطية الرشد في صحة المعاملة ، ( فادفعوا إليهم أموالهم ) ، و( فادفعوا ) كناية عن اعطائهم الأموال حتى يتصرّفون فيها ، فالآية دلت على أنَّ البلوغ والرشد[11] شرطٌ في صحة دفع أموالهم ليهم الذي هو كنايه عن صحة تصرفاتهم ، وموردها وإن كان هو اليتامى إلا أنه حيث أننا نجزم بعدم الخصوصية ولا تفصيل بين اليتامى وغيرهم فنتعدّى إلى غير اليتيم أيضاً ، وكذا نتعدّى إلى غير أمواله ، فموردها وإن كان هو أمواله ولكن نتعدّى ونقول لا تفصيل ، ومقتضى الاطلاق أنه لا يجوز أن تدفع إليه الأموال حتى إذا كان بإذن الولي ، فبالتالي إذن الولي قبل البلوغ لا ينفع ، بل لابد من البلوغ ، فإذا لم يبلغ أذن الولي أو لم يأذن لا يجوز الدفع إليهم ، وموردها وإن كان اليتيم لكن نتعدّى إلى غير اليتيم وموردها وإن كان هو التصرف في مال اليتيم لكن نتعدّى إلى مال غيره ، فنحتاج إلى ثلاث ركائز حتى نتمم الاستدلال الاولى أنه نتعدّى من اليتيم إلى غيره لعدم احتمال الفصل والثانية أنه لا فقر بين يكون أموال اليتيم أو أموال الغير والثالثة هو أنه لا فرق بين أن يأذن الولي بأن يتصرّف اليتيم في ماله قبل بلوغه أو لا يأذن ، فعلى كلا التقديرين مقتضى اطلاق الآية الكريمة لا يصح ذلك.


[1] وإذا اردت ان تضيف له الشهرة المحققة فلا بأس.
[2] سورة النساء، الاية6.
[7] ومن باب القضية الجانبية:- وهو أنَّ بعض الاخوة مرة اجتمعت به ودار كلام حينما طبعت كتاب دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي فمن أحد الامور التي كان يوردها قال إنَّ هذا لا يربي الطالب وإنما الطالب يحتاج مثل طريقة الشيخ الأعظم(قده)، وهذا رأي ولا أدري أي طريقة تختار، فإذاً يوجد من يعتقد أن طريقة الشيخ هي الأنسب.
[10] سورة السناء، الآية6.
[11] والمهم عندنا البلوغ أما الرشد فليس مهماً لنا الآن.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo