< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/02/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 57 ) حكم المقبوض بالعقد الفاسد.

إن قلت:- إنَّ الآية الكريمة واردة في حالة عدم الاعتداء ولا تشمل حالة عدم الاعتداء فهذا الدليل أخص من المدّعى؟

قلت:- نضم إلى ذلك القول بعدم الفصل ، فإن الفقهاء لم يفصّلوا بين حالة الاعتداء حالة عدم الاعتداء ، فإذا كان المثل يضمن بمثله في حالة الاعتداء فبعدم الفصل نقول إنه في حالة عدم الاعتداء الحكم أيضاً كذلك.

ويردّه:- أن الآية الكريمة يمكن تفسيرها بشكل آخر وذلك بأن يكون المقصود هو أنه إذا فرض أنه مزّق ثوبك فمزّق ثوبه بذلك المقدار ، وإذا هدم دارك فاهدم داره بذلك المقدار ، وهكذا في سائر الأمور ، فالاعتداء بالمثل هو بهذا المعنى لا بالمعنى الذي ذكره من أنَّ المثلي يضمن بالمثل والقيمي يضمن بالقيمة ، وما ذكرناه إن لم يكن هو المقصود من الآية جزماً فلا أقل تكون الآية من المجمل ، فلا يمكن التمسّك بها لما أفاده(قده) ، والغريب أنه لم يذكر هذا الاحتمال.

الدليل الثالث:- التمسك بإطلاق أدلة الضمان ، بمعنى أنَّ أدلة الضمان حينما قالت المتلف يضمن وسكتت عن كيفية الضمان فمعنى هذا أنَّ الأمر أوكل إلى العرف ، والعرف يحكم بأنَّ المثلي يضمن بمثله والقيمي يضمن بقيمته.

وكأنه(قده) أراد أن يطبّق الفكرة التي تطبق في سائر الموارد ، كما في مثل قوله تعالى ﴿ وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ﴾ أي أنَّ أب الطفل عليه أن يكسو المرأة التي ولدت له هذا الطفل ، يعني أنَّ الزوج عليه أن ينفق على زوجته بالمتعارف ، والآية الكريمة قد سكتت عن تحديده فنأتي إلى العرف ، والعرف يحدد هذا ، ففي ذلك الزمان كانت تكفي الحجرة الواحدة أما في زماننا فالمعروف يصير شيئاً آخر ، فكأن أراد أن يسحب هذه الفكرة التي تطبق في هذه الآية الكريمة إلى دليل الضمان.

ويرده:- إنَّ هذا وجيه فيما لو كنّا نملك دليلاً لفظياً على الضمان ، فلو فرض أنه كان يوجد لدينا دليل بلسان ( المتلف لمال غيره يضمن ) ، أو ولو على أقل كانت قاعدة ( على اليد ) موجود فأيضاً نكتفي بها ، ولكن المفروض - كما اتضح سابقاً - أننا لا نملك دليلاً لفظياً تاماً من يحث السند والدلالة ، وإنما الدليل المهم هو السيرة العقلائية ، وعلى هذا الأساس يكون الوجه المناسب هو الرجوع إلى العقلاء ، فنقول إنَّ العقلاء يحكمون بأنَّ المثلي يضمن بمثله والقيمي يضمن بقيمته ، وأنت من أحد العقلاء فإنك ألا ترى ذلك ؟!! ، إنَّ هذا شيء عقلائي وحتى غير المتشرع يقول به أيضاً.

فإذاً القضية عقلائية ، وحيث لا ردع عنها فذلك يدل على الإمضاء ، يعني إمضاء أصل الضمان وإمضاء كيفية الضمان وهي أنَّ المثلي يضمن بالمثل والقيمي بالقيمة.

والخلاصة:- إنَّ المثلي يضمن بمثله والقيمي يضمن بقيمته ، لا للاجماع ، ولا لآية الاعتداء ، ولا لإطلاق دليل الضمان ، وإنما ذلك للسيرة العقلائية ، فكما أنها مدرك لأصل الضمان كذلك هي مدرك لتفاصيل كيفية الضمان بالنحو الذي أوضحناه.

ما هو المثلي ؟

والجواب:- نسب الشيخ الأعظم(قده) إلى المشهور أنهم قالوا إنَّ المثلي ما تساوت أجزاؤه من حيث القيمة ، وهو(قده) علّق قال [1] :- ( إنَّ المقصود من " تجاوزت أجزاؤه من حيث القيمة " يعني بالنسبة ) ، يعني إذا فرض أنه يوجد عندنا قطعة من القماش كانت تساوي مائة دينار فنصفها يساوي خمسين دينار ونصف النصف كان يساوي خمسة وعشرين دريناً ، فإذا كان الشيء بهذا الشكل فهو مثلي ، فإنَّ أجزاءه تتساوى من حيث القيمة بالنسبة ، يعني إذا كان الكل يساوي مائة فالنصف منه يساوي نصف المائة .... وهكذا ، فإذا كان الشيء بهذا الشكل فهو مثلي.

وفيه:- إنه أحياناً قد تختلف القيمة رغم أنه مثلي ، فهو مثلي بالوجدان لكن القيمة تخلف ، كما لو فرضنا أنَّ القسم الأخير منه كان ربع متر ، فهنا ربع المتر لا يساوي قيمة ربع قيمة المتر ، لأنَّ المتر له راغب أما ربع المتر فلا توجد رغبة فيه لقلته ، فلقلته سوف تنقص قيمته ، فإذاً حيثية الكم تؤثر في القيمة أيضاً ، فلو جعلنا المدار على التساوي من حيث القيمة بالنسبة كما ذكر المشهور والشيخ الأعظم(قده) فلازم ذلك أنَّ القماش مثلاً يخرج عن المثلية ، باعتبار أنَّ أجزاءه الصغيرة تكون قيمتها أقل بسبب قلة الكم رغم أننا نشعر جزماً بأنَّ القطعة الواحدة منه مثلية ، فلو أريد أن يحدد هذا التحديد فلازمه أن لا يكون مثلياً ، فإنَّ ربع المتر لا يساوي من حيث القيمة ربع قيمة المتر.

والأنسب أن يقال:- إنَّ مدرك ضمان المثلي بالمثل هو السيرة العقلائية وتحديد المثل أيضاً يمكن أن نقول هي قضية عقلائية ، وهذا أمر ينبغي أن يكون مسلّماً ، ونتمكن أن نقول إنَّ الشيء يكون مثلياً عند العقلاء فيما إذا فرض أنه حصل تساوٍ في الصفات الموجبة لاختلاف الرغبة وبالتالي الموجبة لاختلاف القيمة ، يعني أنَّ الشيء الواحد كقطعة من قماش فيها صفات دخيلة في رغبة الناس وفيها أيضاً صفات ليس دخيلة في رغبتهم ، فإذا فرض أنَّ الشيء كان متساوياً في الصفات الدخيلة في الرغبة وبالتالي تكون متساوية في الصفات الموجبة لاختلاف القيمة - لأنَّ الرغبة تؤثر على القيمة - فهذا يكون مثلياً حتى لو اشتمل على اختلاف في صفات أخرى ليست موجبة لاختلاف الرغبة ، فالمدار على ملاحظة الصفات الموجبة لاختلاف الرغبة وبالتالي تكون موجبة لاختلاف القيمة ، فمتى ما فرض وجود اتحاد فهذا مثلي ، وإذا لم يكن فهذا قيمي ، فمثلاً في القماش قد يفترض أنَّ اللون الفاتح مع اللون الغامق يؤثران في الرغبة ، كما في العباءة فإنها إذا كانت شديدة السواد فإنها مرغوبة أكثر من العباءة التي يكون سوادها أقل ، فهذه صفات دخيلة في الرغبة ، ففي مثل هذه الحالة نقول إنَّ هذه العباءة ليست مثلاً لتلك العباءة مادام هناك اختلاف ، أما لو فرضنا أنَّ الاختلاف بينهما كان بالنعومة والخشونة أما اللون فواحد وفرضنا أنَّ العقلاء لم تختلف رعبتهم باختلاف النعومة والخشونة فهذا نعدّه مثلياً رغم أنه يوجد اختلاف في بعض الصفات ، فعلى هذا الأساس لو أتلفت عليه قماشاً خشناً فيجوز لي أن أقدّم له الناعم مادامت النعومة والخشونة لا تؤثران في القيمة وفي الرغبة فيعدّ هذا مثلياً.

فالمدار إذاً على الصفات الدخيلة في الرغبة وبالتالي الدخيلة في اختلاف القيمة ، هكذا يرى العقلاء ، ونحن نستند في ذلك على هذه القضية ، وهي أنه مادام مدرك الضمان بالمثل هو الارتكاز العقلائي فلابد وأن نرجع إلى الارتكاز العقلائي وهو يحدد ذلك كما أشرنا إليه .فإذاً يكون المدار على الصفات الموجبة لاختلاف الرغبة والقيمة فمع الاتحاد فيها يُعدّ ذلك مثلياً ، ومع الاختلاف فيها يُعدّ ذلك قيمياً.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo