< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/06/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 48 ) هل يجوز استعمال ألفاظ البيع في الشراء وبالعكس أو لا - المكاسب المحرّمة.

وينبغي الالتفات إلى أنه ت توجد مسألتان في المقام لابد من التمييز بينهما:-

الأولى:- هل يلزم تأخر القبول عن الايجاب أو يجوز تقدّمه عليه ؟ ، وهذه قضية لم يشر إليها السيد الماتن لا بسلبٍ ولا بإيجاب ، ولكن من سكوته يفهم أنه لا يشترط ، وقد قلنا ذكر في المنهاج القديم أنه يشترط تأخر القبول وتقدم الايجاب ولكنه حذف ذلك ، بيد أنه كان من المناسب الاشارة إلى ذلك فإنَّ الرسالة العملية ليست مبنيّة على ذكر الأحكام الإلزامية فقط ، بل حتى غير الالزامية التي هي محل التأمل ينبغي أن يشار إليها ، ، ونحن سوف نتكلّم عنها الآن.

الثانية:- لو قلنا يجوز تقدّم القبول على الايجاب ولا يلزم تأخره عنه نبحث قضية أخرى ، وهي أنه هل يجوز في القبول المتقدّم أن يكون بصيغة الأمر ، مثلاً أن يقول المشتري ( بعني دارك ) والبائع يقول ( بعتك داري بكذا ) فهل يكفي هذا أو لا ؟

فربما نقول:- يجوز تقدّم القبول في المسألة الأولى ولكن تقدمه بصيغة الأمر لا يكفي ، باعتبار أنَّ القبول ليس عبارة عن مجرّد الرضا بالإيجاب وإنما هو رضا بإضافة إنشاء النقل ، يعني نقل المشتري الثمن إلى البائع في مقابل المبيع ، فإنشاء النقل معتبرٌ في القبول ، ومع تقدّمه بلفظ ( بعني ) لا يدل إلا على الرضا فقط أما على إنشاء تمليك الثمن للبائع مقابل المثمن فإنه ليس فيه دلالة عليه.

إذن الحكم بجواز تقدّم القبول في المسألة الأولى لا يلازم جواز تقدّمه بصيغة الأمر ، نعم من بنى على الجواز في الحالة الثانية يلزم أن يبني على الجواز في المسألة الأولى ، يعني إذا بنينا على جواز تقدّم القبول بصيغة الأمر فبالأولى يجوز تقدّمه بغير صيغة الأمر.

وعلى أيّ حال هاتان مسألتان ينبغي التمييز بينهما ، والمسألة التي بأيدينا[1] والتي نريد بحثها ناظرة إلى الثانية دون الأولى ، ولكننا نتكلم عن المسألة الأولى أوّلاً ثم نتكلم عن الثانية:-

المسألة الأولى:- هل يجوز تقدّم القبول على الايجاب بغير صيغة الأمر ؟

ذكر صاحب الجواهر(قده)[2] :- أنَّ الأشهر كما قيل اشتراط تأخر القبول عن الايجاب ، وذكر ذلك قبله صاحب مفتاح الكرامة(قده)[3] ، فإنه ذكر أنَّ الشهيدين نسبا إلى الشيخ الطوسي في خلافه أنه ادّعى الاجماع على اشتراط تأخّر القبول ، ثم قال لكني بحثت مسألةً مسألة فلم أجد هذا الاجماع ، قال ما نصّه:- ( وقد نسب في غاية المراد والمسالك إلى الخلاف دعوى الاجماع وهو وهم قطعاً لأني تتبعت كتاب البيع فيه مسألةً مسألة وغيره حتى النكاح فلم أجده ادّعى ذلك وإنما عبارته في المقام توهم ذلك للمستعجل وهي قوله " دليلنا أنَّ ما اعتبرناه مجمع على ثبوت العقد به وما ادّعوه لا دلالة على صحته " )[4] ، يعني أنه قال هذه العبارة وهي لا تدل على أنه يريد أن يدّعي الاجماع على بطلان تقديم القبول وإنما يريد أن يقول إنه مع تأخير القبول هو صحيح حتماً ومجمعٌ عليه أما إذا قدّمنا القبول فلا يوجد إجماع على صحته ، لا أنه يريد أن يقول يوجد اجماع على البطلان وعدم الجواز.

فإذن المسألة لا يوجد فيها اجماع على اشتراط تأخر القبول ، ومقتضى اطلاق الأدلة - من ﴿ أحلّ الله البيع ﴾ أو ﴿ تجارة عن تراض ﴾ أو ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ - عدم اشتراط تأخر القبول ، فإنه متى ما صدق عليه أنه بيع صح ، وهذا يصدق حتى مع تقدم القبول على الايجاب ، فمقتضى اطلاق الأدلة عدم اعتبار تأخّر القبول.

بيد أنه ربما يستدل على اشتراط تأخر القبول بوجهين:-

الأوّل:- انصراف المطلقات إلى الصورة المتعارفة وهي حالة تأخر القبول ، فحالة تقدّم القبول لا يوجد اطلاق يشملها فيصححها.

والجواب:- إنَّ هذه دعوى ضعفة جداً.

الثاني:- إنَّ القبول فرع الايجاب وتابع له فيلزم تأخره.

وهذا الوجه أيضاً كما ترى:- فإنه ضعيف أيضاً.

فإذن المسألة تستحق البحث ، والكلام تارةً يقع بلحاظ عقد البيع ، وأخرى بلحاظ بقيّة العقود ، وللشيخ الأعظم(قده) تفصيل في باب البيع لا بأس به وسوف نذكره.بيد أنه قبل أن نذكره نقدّم مقدمة يتوقّف عليها مطلب الشيخ الأعظم(قده) ، وهي أنَّ القبول يعتبر فيه امران:-

الأول:- الدلالة على الرضا ، فهو يعتبر من باب دلالته على الرضا.

الثاني:- يعتبر فيه أن يكون دالاً على إنشاء تمليك الثمن للبائع مقابل تملّك المبيع ، فيلزم أن يكون دالاً على إنشاء النقل في الحال ، أي حال إنشاء القبول.

وبعد أن اتضح هذا نأتي إلى تفصيل الشيخ الأعظم(قد) ، فإنه قال هناك حالات ثلاث لتقدّم القبول:-

الأولى:- أن يتقدّم بصيغة قبلت أو رضيت.

الثانية:- أن يتقدّم بصيغة ملكت واشتريت.

الثالثة:- أن يتقدّم بصيغة الأمر والاستيجاب مثل ( بعني ).

ومسألتنا هذه متعرضة إلى الحالة الثالثة فقط ، أما الحالة الأولى والثانية فلم تتعرض إليهما ولكن نحن نريد أن نتعرّض إليهما.

أما الحالة الأولى:- فقال إنَّ ذلك لا يكفي ، والوجه في ذلك هو أنَّ القبول يلزم فيه دلالته على الرضا بإضافة دلالته على إنشاء النقل في الحال - أي في حال انشاء القبول هو لابد وأن يدل على إنشاء النقل - ، ومن الواضح أنه لو تقدّم القبول بصيغة ( قبلت ) فهنا أقصى ما يدل عليه هو الرضا أما على إنشاء تمليك الثمن مقابل المثمن فلا يوجد فيه ، وأولى من ذلك أنه لا يدل على ذلك في الحال - يعني حال إنشاء القبول - ، فليست فيه دلالة على إنشاء نقل الثمن مقابل المثمن فضلاً عن عدم دلالته عن كون هذا الانشاء في الحال ، وهذا بخلاف ما إذا تأخر القبول عن الايجاب بأن فرض أن البائع قال ( بعتك داري بكذا ) فقال له المشتري ( قبلت ) فهنا يدل على كلا الأمرين ، فهو يدل على الرضا بهذا الإنشاء ويدل أيضاً على أني رضيت بإنشاء تمليك الثمن لك مقابل المثمن ، ففيه دلالة على كلا الأمرين مادام قد تقدّم الايجاب ، أما إذا لم يتقدم الايجاب فـلفظة ( قبلت ) ليست فيها دلالة إلا على الرضا أما الإنشاء فليست فيها دلالة علية فضلاً عن كون ذلك الإنشاء في الحال ، ونصّ عبارته:- ( إنَّ القبول الذي هو أحد ركني عقد المعاوضة فرع الايجاب فلا يعقل تقدمه عليه وليس المراد من هذا القبول الذي هو ركنٌ للعقد مجرّد الرضا بالإيجاب حتى يقال إنَّ الرضا بشيء لا يستلزم تحققه قبله فقد يرضى الإنسان بالأمر المستقبل بل المراد منه الرضا بالإيجاب على وجهٍ يتضمن إنشاء نقل ماله في الحال إلى الموجب على وجه العوضية لأنَّ المشتري ناقل كالبائع وهذا لا يتحقق إلا مع تأخر الرضا عن الايجاب إذ مع تقدّمه لا يتحقق النقل في الحال فإنَّ من رضي بمعاوضة يُنشِؤها الموجب في المستقبل لم ينقل في الحال ماله إلى الموجب بخلاف من رضي بالمعاوضة التي أنشاها الموجب سابقاً فإنه يرفع بهذا الرضا يده من ماله وينقله إلى غيره على وجه العوضية )[5] .

فإذن هو قال يعتبر في القبول ثلاثة أمور وهي الرضا وإنشاء النقل وأن يكون إنشاء النقل في الحال ، وهذه الأمور الثلاثة تتوفر إذا تأخر القبول عن الايجاب ، وأما إذا تقدّم فالأوّل متوفر دون الأخيرين.

[1] وهي مسألة ( 48 ).
[3] وفصدي من نقل هذه الكلمات هو ملاحظة أنه هل يوجد اجماع على اشتراط تقدم الايجاب على القبول أو لا لأنه إذا كان يوجد اجماع فسوف يسد الباب علينا قليلاً أما ّغا لم يوجد اجماع فنحن نلاحظ ماذا تقتضي القاعدة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo