47/04/29
بسم الله الرحمن الرحیم
تفسير الآيات 74-72من سورة آل عمران/اهل الكتاب في منظر القرآن /التقسير الموضوعي
الموضوع: التقسير الموضوعي/اهل الكتاب في منظر القرآن /تفسير الآيات 74-72من سورة آل عمران
الآيات من سورة آل عمران حول أهل الكتاب التي بدأت من الآية 64 واستمرت الى هذا المقطع وقد انهينا بحثنا في الآيات السابقة واليوم معكم في هذا المقطع:
قال تعالى: ﴿وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ ﴿وَلاَ تُؤْمِنُوا إِلاَّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ، قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ ﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [1] .
شان النزول:
قال في الميزان: (قوله تعالى: ﴿وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ﴾ إلى آخر الآية، المراد بوجه النهار بقرينة مقابلته بآخره هو أوله فإن وجه الشيء ما يبدو ويظهر به لغيره وهو في النهار أوله، وسياق قولهم يكشف عن نزول وحي على النبي ص في وجه النهار يوافق ما عليه أهل الكتاب وآخر في آخره يخالف ما هم عليه فإنما هو الذي دعاهم إلى أن يقولوا هذا القول.
وعلى هذا فقوله: ﴿بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أريد به شيء خاص من وحي القرآن يوافق ما عند أهل الكتاب، وقوله: ﴿وَجْهَ النَّهارِ﴾ منصوب على الظرفية ومتعلق بقوله: ﴿أُنْزِلَ﴾، لا بقوله: ﴿آمِنُوا﴾ (صيغة الأمر) لأنه أقرب، وقوله: ﴿وَاكْفُرُوا آخِرَهُ﴾ في معنى واكفروا بما أنزل في آخره فيكون من وضع الظرف موضع المظروف بالمجاز العقلي نظير قوله تعالى: ﴿بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ﴾:[2] .
وبذلك يتأيد ما ورد في سبب النزول عن أئمة أهل البيت: أن هذه كلمة قالتها اليهود حين تغيير القبلة حيث صلى رسول الله صلاة الصبح إلى بيت المقدس وهو قبلة اليهود، ثم حولت القبلة في صلاة الظهر نحو الكعبة فقالت طائفة من اليهود: ﴿آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ﴾ يريدون استقبال بيت المقدس، ﴿وَاكْفُرُوا آخِرَهُ﴾ يريدون استقبال الكعبة.
ويؤيده قولهم بعده على ما حكاه الله: ﴿وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ﴾، أي لا تثقوا بمن لا يتبع دينكم بالإيمان به فتفشوا عنده شيئا من أسراركم والبشارات التي عندكم وكان من علائم النبي ص أنه يحوِّل القبلة إلى الكعبة.
وذكر بعضهم أن قوله: ﴿وَجْهَ النَّهارِ﴾ متعلق بقوله: آمِنُوا (بصيغة الأمر) والمراد به أول النهار، و قوله: آخِرَهُ ظرف بتقدير في، ومتعلق بقوله ﴿َواكْفُرُوا﴾، والمراد بقولهم: ﴿آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ﴾ «إلخ» أن يظهر عدة منهم الإيمان بالقرآن ويلحقوا بجماعة المؤمنين ثم يرتدوا في آخر النهار بإظهار أنهم إنما آمنوا أول النهار لما كاد يلوح لهم من أمارات الصدق والحق من ظاهر الدعوة الإسلامية، وإنما ارتدوا آخر النهار لما تبين لهم من شواهد البطلان وعدم انطباق ما عندهم من بشارات النبوة و علائم الحقانية على النبي صلى الله عليه وآله، فيكون ذلك مكيدة تكاد بها المؤمنون فيرتابون في دينهم، و يهنون في عزيمتهم فينكسر بذلك سورتهم وتبطل أحدوثتهم. وهذا المعنى في نفسه غير بعيد وخاصة من اليهود الذين لم يألوا جهدا في الكرّة على الإسلام لإطفاء نوره من أي طريق ممكن غير أن لفظ الآية لا ينطبق عليه)،[3]
أقول: لا أرى وجهاً لعدم انطباق لفظ الآية على هذا الوجه؟ فالمعنى آمنوا به صباحا وكفروا به مساءً
اما صاحب المجمع قال: (لما ذكر تعالى صدرا من كياد القوم عقبه بذكر هذه المكيدة الشديدة فقال ﴿وَقالَتْ طائِفَةٌ﴾ أي جماعة ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ﴾ أي بعضهم لبعض ﴿آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا﴾ يعنون النبي وأصحابه ﴿وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ﴾ واختلف في معناه على أقوال: (أحدها) أظهروا الإيمان لهم أول النهار وارجعوا عنه في آخره فإنه أحرى أن ينقلبوا عن دينهم عن الحسن وجماعة.
(وثانيها): آمنوا بصلاتهم إلى الكعبة أول النهار وأكفروا آخره ليرجعوا بذلك عن دينهم عن مجاهد.
(وثالثها) أظهروا الإيمان في صدر النهار بما سلف لكم من الإقرار بصفة محمد (صل الله عليه وآله) ثم ارجعوا في آخره لتوهموهم أنه كان قد وقع غلط في صفته ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ عن دينهم الإسلام عن ابن عباس وجماعة.
الى هنا نكتفي بالبحث في الآية الأولى ونترككم الى الجلسة الآتية كي نكمل بحثنا ان شاء الله.