« قائمة الدروس
الأستاذ السيد مجتبی الحسيني
بحث التفسیر

46/09/23

بسم الله الرحمن الرحیم

تقسير الآية 13من سورة الحجرات/الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /التفسير الموضوعي

موضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تقسير الآية 13من سورة الحجرات

﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى‌ وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [1]

قد أكملنا البحث في الليالي الماضية الى قوله تعالى: ﴿إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى﴾ وكان بحثنا حول قوله: ﴿وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا﴾ وتحدثنا حول التعارف الذي هو هدف خلق الانسان من ذكر وانثى وجعله شعوبا وقبائل وضرورة هذه الحقيقة، ولكن الامر المرفوض في الإسلام جعل هذه الحقيقة ذريعة للتفاخر والتعالي بينهم الذي يتولد منه الخلافات والنزاعات والمظالم الكثيرة وقد بين صاحب الميزان منشأ هذا الانحراف بقوله:

(أن الإنسان مجبول على طلب ما يتميز به من غيره ويختص به من بين أقرانه من شرف وكرامة، وعامة الناس لتعلقهم بالحياة الدنيا يرون الشرف والكرامة في مزايا الحياة المادية من مال وجمال ونسب وحسب وغير ذلك فيبذلون جل جهدهم في طلبها واقتنائها ليتفاخروا بها ويستعلوا على غيرهم.

وهذه مزايا وهمية لا تجلب لهم شيئا من الشرف والكرامة دون أن توقعهم في مهابط الهلكة والشقوة، والشرف الحقيقي هو الذي يؤدي الإنسان إلى سعادته الحقيقية وهو الحياة الطيبة الأبدية في جوار رب العزة وهذا الشرف والكرامة هو بتقوى الله سبحانه وهي الوسيلة الوحيدة إلى سعادة الدار الآخرة، وتتبعها سعادة الدنيا قال تعالى: ﴿تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾ [2] و قال: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى﴾‌ [3] ، وإذا كانت الكرامة بالتقوى فأكرم الناس عند الله أتقاهم كما قال تعالى. وهذه البغية والغاية التي اختارها الله بعلمه غاية للناس لا تزاحم فيها ولا تدافع بين المتلبسين بها على خلاف الغايات والكرامات التي يتخذها الناس بحسب أوهامهم‌ غايات يتوجهون إليها ويتباهون بها كالغنى والرئاسة والجمال وانتشار الصيت وكذا الأنساب وغيرها).[4]

إنّ القرآن رفض رفضا باتاً لجميع الامتيازات الظاهرية والمادية، وأعطي الأصالة والهدف الأسمى للتقوى والالتزام بطاعة اللَّه والتحلي بالقيم الأخلاقية، وقال: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ﴾ فلا شي‌ء أفضل للإنسان من التقوى والتقرّب إلى اللَّه الذي في السعادة الابدية.

فان المال والجاه والعنوان كلها أمور منفصلة عن وجود الشخص واعتباريات لا حقيقة لها الا الوهم بخلاف التقوى فانها صفة روحانية وباطنية قائمة على النفس ومستقرّة في القلب والروح، فهي الكمال الذي فيه كرامة الانسان وشرفه ولا ومفخرة بها عند الناس ادان صاحبها لا يريد بها الا الله، وهو الذي يعرف المتّقين حقّا وهو مطلع على درجات تقواهم وخلوص نيّاتهم وطهارتهم وصفائهم، فهو يكرمهم طبقا لعلمه ويثيبهم، وأمّا المدّعون لها المراؤون بها فإنّهم يحاسبون عليها لريائهم كذبهم في هذا الادعاء.

فالإسلام اسقط التفاضل والتباهي بالأنساب والانتماء الى القبائل والعشائر او البلاد والأوطان وجعل جميع الناس سواسية في ذواتهم وانما التمايز بالقيم الانسانة والأخلاقية واهمها واشرفها التقوى الجامعة لجميعها. قال تعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ﴾ [5]

هنا اود ان اذكر بعض الروايات الدالة على مكافحة الإسلام لبعض عادات وأعراف الجاهلية التي كانت سائدة على حياة الناس:

منها: أورد في شأن نزول الآية: (إنّ النّبي صلى اللَّه عليه وآله وسلّم أمر «بلالا» بعد فتح مكّة أن يؤذّن، فصعد بلال وأذّن على ظهر الكعبة، فقال «عتّاب بن أسيد» الذي كان من الأحرار: أشكر اللَّه أن مضى أبي من هذه الدنيا ولم ير مثل هذا اليوم، وقال «الحارث بن هشام»: ألم يجد رسول اللَّه غير هذا الغراب الأسود للأذان؟! فنزلت الآية) [6] .

وقال بعضهم: (نزلت الآية عند ما أمر الرّسول صلى اللَّه عليه وآله وسلّم بتزويج بعض الموالي من بنات العرب والموالي تطلق على العبيد الذين عتقوا من ربقة أسيادهم أو على غير العرب (المسلمين)». فتعجّبوا وقالوا: يا رسول اللَّه أ تأمرنا أن نزوّج بناتنا من‌الموالي، فنزلت الآية وأبطلت هذه الأفكار الخرافية في بعض الروايات الإسلامية أنّ النّبي صلى اللَّه عليه وآله وسلّم خطب يوما في مكّة فقال: "يا أيّها الناس إنّ اللَّه قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية و تعاظمها بآبائها فالناس رجلان رجل برّ تقي كريم على اللَّه و فاجر شقي هيّن على اللَّه و الناس بنو آدم وخلق اللَّه آدم من تراب قال اللَّه تعالى: ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى‌ وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير﴾ [7]

قد جاء في كتاب «آداب النفوس» للطبري: (أنّ النّبي صلى اللَّه عليه وآله وسلّم التفت إلى الناس وهو راكب على بعيره في أيّام التشريق بمنى وهي اليوم الحادي عشر والثّاني عشر والثّالث عشر من ذي الحجة فقال: "يا أيّها الناس! ألا إنّ ربّكم واحد و إنّ أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأسود على أحمر ولا لأحمر على أسود إلّا بالتقوى ألا هل بلّغت: قالوا نعم! قال: ليبلغ الشاهد الغائب) [8]

هنا اذکر لکم فصة زواج تم بأمر رسول الله صلى الله عليه واله مما یدل على حرصه لرفض العصبیات القومیة فی المسلمین والیک نصها:

روى الكليني باسناده عن ابي حمزة الثمالي عن ابي جعفر عليهما السلام في ضمن حديث مفصل: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: "إِنَّ رَجُلًا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ يُقَالُ لَهُ جُوَيْبِرٌ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ص مُنْتَجِعاً لِلْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ وَكَانَ رَجُلًا قَصِيراً دَمِيماً مُحْتَاجاً عَارِياً وَكَانَ مِنْ قِبَاحِ السُّودَانِ فَضَمَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ص لِحَالِ غُرْبَتِهِ وَعَرَاهُ وَكَانَ يُجْرِي عَلَيْهِ طَعَامَهُ صَاعاً مِنْ تَمْرٍ بِالصَّاعِ الْأَوَّلِ وَ كَسَاهُ شَمْلَتَيْنِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَلْزَمَ الْمَسْجِدَ وَيَرْقُدَ فِيهِ بِاللَّيْلِ فَمَكَثَ بِذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ حَتَّى كَثُرَ الْغُرَبَاءُ مِمَّنْ يَدْخُلُ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ بِالْمَدِينَةِ وَضَاقَ بِهِمُ الْمَسْجِدُ فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى نَبِيِّهِ ص أَنْ طَهِّرْ مَسْجِدَكَ وَأَخْرِجْ مِنَ الْمَسْجِدِ مَنْ يَرْقُدُ فِيهِ بِاللَّيْلِ وَمُرْ بِسَدِّ أَبْوَابِ مَنْ كَانَ لَهُ فِي مَسْجِدِكَ بَابٌ إِلَّا بَابَ عَلِيٍّ ع وَمَسْكَنَ فَاطِمَةَ ع وَلَا يَمُرَّنَّ فِيهِ جُنُبٌ وَلَا يَرْقُدْ فِيهِ غَرِيبٌ،

قَالَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ص بِسَدِّ أَبْوَابِهِمْ إِلَّا بَابَ عَلِيٍّ ع وَأَقَرَّ مَسْكَنَ فَاطِمَةَ ع عَلَى حَالِهِ، قَالَ: ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص أَمَرَ أَنْ يُتَّخَذَ لِلْمُسْلِمِينَ سَقِيفَةٌ فَعُمِلَتْ لَهُمْ وَهِيَ الصُّفَّةُ، ثُمَّ أَمَرَ الْغُرَبَاءَ وَالْمَسَاكِينَ أَنْ يَظَلُّوا فِيهَا نَهَارَهُمْ وَلَيْلَهُمْ فَنَزَلُوهَا وَاجْتَمَعُوا فِيهَا فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص يَتَعَاهَدُهُمْ بِالْبُرِّ وَالتَّمْرِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ إِذَا كَانَ عِنْدَهُ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَتَعَاهَدُونَهُمْ وَيَرِقُّونَ عَلَيْهِمْ لِرِقَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَيَصْرِفُونَ صَدَقَاتِهِمْ إِلَيْهِمْ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص نَظَرَ إِلَى جُوَيْبِرٍ ذَاتَ يَوْمٍ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ لَهُ وَرِقَّةٍ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ يَا جُوَيْبِرُ لَوْ تَزَوَّجْتَ امْرَأَةً فَعَفَفْتَ بِهَا فَرْجَكَ وَأَعَانَتْكَ عَلَى دُنْيَاكَ وَآخِرَتِكَ.

فَقَالَ لَهُ جُوَيْبِرٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي مَنْ يَرْغَبُ فِيَّ فَوَ اللَّهِ مَا مِنْ حَسَبٍ وَلَا نَسَبٍ وَلَا مَالٍ وَلَا جَمَالٍ فَأَيَّةُ امْرَأَةٍ تَرْغَبُ فِيَّ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص يَا جُوَيْبِرُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ وَضَعَ بِالْإِسْلَامِ مَنْ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ شَرِيفاً وَ شَرَّفَ بِالْإِسْلَامِ مَنْ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَضِيعاً وَأَعَزَّ بِالْإِسْلَامِ مَنْ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ذَلِيلًا وَأَذْهَبَ بِالْإِسْلَامِ مَا كَانَ مِنْ نَخْوَةِ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَفَاخُرِهَا بِعَشَائِرِهَا وَبَاسِقِ أَنْسَابِهَا فَالنَّاسُ الْيَوْمَ كُلُّهُمْ أَبْيَضُهُمْ وَأَسْوَدُهُمْ وَقُرَشِيُّهُمْ وَعَرَبِيُّهُمْ وَعَجَمِيُّهُمْ مِنْ آدَمَ وَإِنَّ آدَمَ خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ طِينٍ وَإِنَّ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ- يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَطْوَعُهُمْ لَهُ وَأَتْقَاهُمْ وَمَا أَعْلَمُ يَا جُوَيْبِرُ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ فَضْلًا إِلَّا لِمَنْ كَانَ أَتْقَى لِلَّهِ مِنْكَ، وَأَطْوَعَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ:‌ انْطَلِقْ يَا جُوَيْبِرُ إِلَى زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ فَإِنَّهُ مِنْ أَشْرَفِ بَنِي بَيَاضَةَ حَسَباً فِيهِمْ فَقُلْ لَهُ إِنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ إِلَيْكَ وَهُوَ يَقُولُ لَكَ زَوِّجْ جُوَيْبِراً ابْنَتَكَ الذَّلْفَاءَ قَالَ فَانْطَلَقَ جُوَيْبِرٌ بِرِسَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ ص إِلَى زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ وَهُوَ فِي مَنْزِلِهِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ قَوْمِهِ عِنْدَهُ فَاسْتَأْذَنَ فَأُعْلِمَ فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا زِيَادَ بْنَ لَبِيدٍ إِنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ إِلَيْكَ فِي حَاجَةٍ لِي فَأَبُوحُ بِهَا أَمْ أُسِرُّهَا إِلَيْكَ؟ فَقَالَ لَهُ زِيَادٌ: بَلْ بُحْ بِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ شَرَفٌ لِي وَفَخْرٌ، فَقَالَ لَهُ جُوَيْبِرٌ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ لَكَ زَوِّجْ جُوَيْبِراً ابْنَتَكَ الذَّلْفَاءَ فَقَالَ لَهُ زِيَادٌ أَ رَسُولُ اللَّهِ أَرْسَلَكَ إِلَيَّ بِهَذَا فَقَالَ لَهُ نَعَمْ، مَا كُنْتُ لِأَكْذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص فَقَالَ لَهُ زِيَادٌ، إِنَّا لَا نُزَوِّجُ فَتَيَاتِنَا إِلَّا أَكْفَاءَنَا مِنَ الْأَنْصَارِ.

فَانْصَرِفْ يَا جُوَيْبِرُ حَتَّى أَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ ص فَأُخْبِرَهُ بِعُذْرِي فَانْصَرَفَ جُوَيْبِرٌ وَهُوَ يَقُولُ وَاللَّهِ مَا بِهَذَا نَزَلَ الْقُرْآنُ وَلَا بِهَذَا ظَهَرَتْ نُبُوَّةُ مُحَمَّدٍ ص فَسَمِعَتْ مَقَالَتَهُ الذَّلْفَاءُ بِنْتُ زِيَادٍ وَهِيَ فِي خِدْرِهَا فَأَرْسَلَتْ إِلَى أَبِيهَا ادْخُلْ إِلَيَّ فَدَخَلَ إِلَيْهَا فَقَالَتْ لَهُ مَا هَذَا الْكَلَامُ الَّذِي سَمِعْتُهُ مِنْكَ تُحَاوِرُ بِهِ جُوَيْبِراً؟ فَقَالَ لَهَا: ذَكَرَ لِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص أَرْسَلَهُ وَقَالَ يَقُولُ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ ص زَوِّجْ جُوَيْبِراً ابْنَتَكَ الذَّلْفَاءَ، فَقَالَتْ لَهُ وَاللَّهِ مَا كَانَ جُوَيْبِرٌ لِيَكْذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص بِحَضْرَتِهِ فَابْعَثِ الْآنَ رَسُولًا يَرُدُّ عَلَيْكَ جُوَيْبِراً، فَبَعَثَ زِيَادٌ رَسُولًا فَلَحِقَ جُوَيْبِراً فَقَالَ لَهُ زِيَادٌ يَا جُوَيْبِرُ مَرْحَباً بِكَ اطْمَئِنَّ حَتَّى أَعُودَ إِلَيْكَ ثُمَّ انْطَلَقَ زِيَادٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص فَقَالَ لَهُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إِنَّ جُوَيْبِراً أَتَانِي بِرِسَالَتِكَ وَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ لَكَ زَوِّجْ جويبراً ابْنَتَكَ الذَّلْفَاءَ، فَلَمْ أَلِنْ لَهُ بِالْقَوْلِ وَرَأَيْتُ لِقَاءَكَ وَنَحْنُ لَا نَتَزَوَّجُ إِلَّا أَكْفَاءَنَا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص يَا زِيَادُ- جُوَيْبِرٌ مُؤْمِنٌ وَالْمُؤْمِنُ كُفْوٌ لِلْمُؤْمِنَةِ وَالْمُسْلِمُ كُفْوٌ لِلْمُسْلِمَةِ فَزَوِّجْهُ يَا زِيَادُ وَلَا تَرْغَبْ عَنْهُ، قَالَ فَرَجَعَ زِيَادٌ إِلَى مَنْزِلِهِ وَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ، فَقَالَ لَهَا مَا سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص فَقَالَتْ لَهُ إِنَّكَ إِنْ عَصَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ ص كَفَرْتَ، فَزَوِّجْ جُوَيْبِراً فَخَرَجَ زِيَادٌ فَأَخَذَ بِيَدِ جُوَيْبِرٍ ثُمَّ أَخْرَجَهُ إِلَى قَوْمِهِ فَزَوَّجَهُ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ص وَضَمِنَ صَدَاقَهُ قَالَ فَجَهَّزَهَا زِيَادٌ وَهَيَّئُوهَا ثُمَّ‌ أَرْسَلُوا إِلَى جُوَيْبِرٍ فَقَالُوا لَهُ أَ لَكَ مَنْزِلٌ فَنَسُوقَهَا إِلَيْكَ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا لِي مِنْ مَنْزِلٍ قَالَ فَهَيَّئُوهَا وَهَيَّئُوا لَهَا مَنْزِلًا وَهَيَّئُوا فِيهِ فِرَاشاً وَمَتَاعاً وَكَسَوْا جُوَيْبِراً ثَوْبَيْنِ وَأُدْخِلَتِ الذَّلْفَاءُ فِي بَيْتِهَا وَأُدْخِلَ جُوَيْبِرٌ عَلَيْهَا مُعَتِّماً فَلَمَّا رَآهَا نَظَرَ إِلَى بَيْتٍ وَمَتَاعٍ وَرِيحٍ طَيِّبَةٍ قَامَ إِلَى زَاوِيَةِ الْبَيْتِ فَلَمْ يَزَلْ تَالِياً لِلْقُرْآنِ رَاكِعاً وَسَاجِداً حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَلَمَّا سَمِعَ النِّدَاءَ خَرَجَ وَخَرَجَتْ زَوْجَتُهُ إِلَى الصَّلَاةِ فَتَوَضَّأَتْ وَصَلَّتِ الصُّبْحَ فَسُئِلَتْ هَلْ مَسَّكِ فَقَالَتْ مَا زَالَ تَالِياً لِلْقُرْآنِ وَرَاكِعاً وَسَاجِداً حَتَّى سَمِعَ النِّدَاءَ فَخَرَجَ فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ وَأَخْفَوْا ذَلِكَ مِنْ زِيَادٍ فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ أَبُوهَا فَانْطَلَقَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص فَقَالَ لَهُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَرْتَنِي بِتَزْوِيجِ جُوَيْبِرٍ وَلَا وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ مَنَاكِحِنَا وَلَكِنْ طَاعَتُكَ أَوْجَبَتْ عَلَيَّ تَزْوِيجَهُ فَقَالَ لَهُ: "النَّبِيُّ ص فَمَا الَّذِي أَنْكَرْتُمْ مِنْهُ قَالَ إِنَّا هَيَّأْنَا لَهُ بَيْتاً وَمَتَاعاً وَأُدْخِلَتِ ابْنَتِيَ الْبَيْتَ وَ أُدْخِلَ مَعَهَا مُعَتِّماً فَمَا كَلَّمَهَا وَلَا نَظَرَ إِلَيْهَا وَلَا دَنَا مِنْهَا، بَلْ قَامَ إِلَى زَاوِيَةِ الْبَيْتِ فَلَمْ يَزَلْ تَالِياً لِلْقُرْآنِ رَاكِعاً وَ سَاجِداً حَتَّى سَمِعَ النِّدَاءَ فَخَرَجَ ثُمَّ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ وَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الثَّالِثَةِ وَلَمْ يَدْنُ مِنْهَا وَلَمْ يُكَلِّمْهَا إِلَى أَنْ جِئْتُكَ وَمَا نَرَاهُ يُرِيدُ النِّسَاءَ فَانْظُرْ فِي أَمْرِنَا.

فَانْصَرَفَ زِيَادٌ وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِلَى جُوَيْبِرٍ فَقَالَ لَهُ أَ مَا تَقْرَبُ النِّسَاءَ فَقَالَ لَهُ جُوَيْبِرٌ أَ وَ مَا أَنَا بِفَحْلٍ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَشَبِقٌ نَهِمٌ إِلَى النِّسَاءِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص قَدْ خُبِّرْتُ بِخِلَافِ مَا وَصَفْتَ بِهِ نَفْسَكَ قَدْ ذُكِرَ لِي أَنَّهُمْ هَيَّئُوا لَكَ بَيْتاً وَفِرَاشاً وَمَتَاعاً وَاُدْخِلَتْ عَلَيْكَ فَتَاةٌ حَسْنَاءُ عَطِرَةٌ وَأَتَيْتَ مُعَتِّماً فَلَمْ تَنْظُرْ إِلَيْهَا وَلَمْ تُكَلِّمْهَا وَلَمْ تَدْنُ مِنْهَا فَمَا دَهَاكَ إِذَنْ فَقَالَ لَهُ جُوَيْبِرٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ دَخَلْتُ بَيْتاً وَاسِعاً وَرَأَيْتُ فِرَاشاً وَمَتَاعاً وَفَتَاةً حَسْنَاءَ عَطِرَةً، وَذَكَرْتُ حَالِيَ الَّتِي كُنْتُ عَلَيْهَا وَغُرْبَتِي وَحَاجَتِي وَوَضِيعَتِي وَكِسْوَتِي مَعَ الْغُرَبَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَأَحْبَبْتُ إِذْ أَوْلَانِي اللَّهُ ذَلِكَ أَنْ أَشْكُرَهُ عَلَى مَا أَعْطَانِي وَأَتَقَرَّبُ إِلَيْهِ ‌ بِحَقِيقَةِ الشُّكْرِ فَنَهَضْتُ إِلَى جَانِبِ الْبَيْتِ فَلَمْ أَزَلْ فِي صَلَاتِي تَالِياً لِلْقُرْآنِ رَاكِعاً وَسَاجِداً أَشْكُرُ اللَّهَ حَتَّى سَمِعْتُ النِّدَاءَ فَخَرَجْتُ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ رَأَيْتُ أَنْ أَصُومَ ذَلِكَ الْيَوْمَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا وَرَأَيْتُ ذَلِكَ فِي جَنْبِ مَا أَعْطَانِي اللَّهُ يَسِيراً وَلَكِنِّي سَأُرْضِيهَا وَأُرْضِيهِمُ اللَّيْلَةَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِلَى زِيَادٍ فَأَتَاهُ فَأَعْلَمَهُ مَا قَالَ جُوَيْبِرٌ فَطَابَتْ أَنْفُسُهُمْ قَالَ وَوَفَى لَهَا جُوَيْبِرٌ بِمَا قَالَ ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص خَرَجَ فِي غَزْوَةٍ لَهُ وَمَعَهُ جُوَيْبِرٌ فَاسْتُشْهِدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَمَا كَانَ فِي الْأَنْصَارِ أَيِّمٌ أَنْفَقُ مِنْهَا بَعْدَ جُوَيْبِرٍ".[9]

 


logo