« قائمة الدروس
الأستاذ السيد مجتبی الحسيني
بحث التفسیر

46/09/13

بسم الله الرحمن الرحیم

كفاية رؤية الهلال بالعين المسلحة/حول صوم شهر رمضان /التفسير الموضوعي

موضوع: التفسير الموضوعي/حول صوم شهر رمضان /كفاية رؤية الهلال بالعين المسلحة

قال تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾

نحن قد أنهينا مناقشاتنا للشبهات المثارة من قبل سماحة السيد المرجع وخمسة من الشبهات المثارة من سماحة الشيخ المرجع في الليالي الماضية والليلة نريد ان نتناول بالمناقشة الشبهات الباقية عما اثارها سماحة شيخنا المبجل دام ظله أحدها:

اما المسألة السادسة: في خصوص الخسوف والكسوف غير المرئي، من لزوم القول بوجوب صلاة الآيات في مورد الخسوف والكسوف غير مرئيان الا بواسطة تلسكوب حيث لا يمكن رؤيتهما بالعين المجردة؟

فنقول: لعله لا وجود للخسوف او الكسوف غير المرئي. وعلى فرض الوجود، ان موضوع صلاة الآيات هو الخسوف والكسوف اللذان سعتهما يغشيان ظاهر الشمس والقمر الى درجة ينعكسان على الارض ولذلك لم يذكر في الروايات تعبيرا عن رؤية الخسوف او الكسوف وليست الرؤية مأخوذة في موضوع وجوب صلاة الآيات وانما المأخوذ هو العلم بهما والتعبير الذي ورد في النصوص هو "عَلِمَ او لَمْ يَعْلَمْ" لنوم وامثاله لأنهما امران ظاهران لكل من التفت اليهما، وقتهما "مِنَ الِابْتِدَاءِ إِلَى الِانْجِلَاءِ" وفي طول هذا الزمان ظاهران لمن ينظر اليهما.

بخلاف رؤية الهلال فهي في الشهور الناقصة تحتاج الا البحث والفحص وان يقوم بعض الناس بالاستهلال ثم الشهادة برؤيته، وكثيراً ما لا يحصل الرؤية الا لآحاد من الناس فهذا الفرق الواضح دال على ان قياس رؤية الهلال بالخسوف والكسوف قياس مع الفارق.

اما المسألة السابعة: في خصوص الزلازل التي لا نحس بها وانما یکتشف بالأجهزة الكاشفة لها.

فنقول: الزلزلة عنوان لا يصدق الا على حركة الارض المحسوسة ولا تشمل تلك الحركات غير المحسوسة من الارض ووجوب صلاة الآيات فرع لتحقق الاحساس بالحركة وهذا الذي يستفاد من لسان الروايات التي وردت حول الزلزال حيث ذكرت في عداد الآيات الهائلة وأخاويف السماء، والهزات غير المحسوسة ليس فيها هول ولا خوف، ويختلف امرها عن رؤية الهلال تماماً. ولذلك في الهلال ايضاً نقول بعدم كفاية ولادة الهلال ولو علمنا بها، بل لابد ان يصير عمره مثلا أربعة عشرة ساعة حتى يصبح قابلاً للرؤية، فاذا تحققت الرؤية ولو بالاستعانة عن الأجهزة التي تقوي الرؤية وهي رؤية حقيقية بلا مسامحة او مجاز يجب الصوم في اول الشهر ويحرم الصوم عند حصول الرؤية لأول شهر شوال.

اما الكلام في قبال ما قال سماحته في مختتم كلامه من لزوم القول بارتكاب النبي والائمة المعصومين للصوم الحرام معذورين عند ما كان الشهر في الظاهر ثلاثين يوما ولو كان عندهم الناظور لكان تسعة وعشرين يوماً.

فنقول: ان الملاك في اثبات الهلال هي الرؤية الفعلية لا الرؤية الشانية والتقديرية فعلى ذلك بما ان من عهد النبي والائمة المعصومين صلوات الله عليهم اجمعين الى العقود الاخيرة التي ظهرت بعض الاجهزة المتطورة للرصد، لم تحصل لهم رؤية فعلية حتى يتم لهم اثبات الهلال ويوجب عليهم الصوم او الافطار. فقد عملوا بواجبهم واما في هذا العصر الذي تتوفر فيه وسائل الرصد ويسهل الإعلام والإخبار بتحقق الرؤية ويصل خبرها في دقائق قصيرة الى جميع انحاء الأرض فيثبت لهم الرؤية ويترتب عليه دخول الشهر الجديد رمضاناّ او شوالاّ.

مضافا الى اننا لو أردنا ان نأخذ بهذه الشبهة فهي سارية على القول بلزوم الرؤية بالعين المجردة ايضاّ. لان الرؤية بالعين المجردة ايضا لم تكن تحصل في الشهور الناقصة الا في نقاط محدودة ولأفراد قليلة، لوجود الغيوم والابخرة والغبار في مطلع الهلال، وفي القديم لم يكن وسيلة لإعلام رؤية هلال في المناطق المشاركة في الافق مع المنطقة التي تحققت فيها الرؤية بالعين المجردة حتى يصوموا في اول شهر رمضان ويفطروا في اول شهر شوال، حتى في هذا العصر هؤلاء من الفقهاء الذين يتقيدون بالرؤية بالعين المجردة كثيراً ما لا يحصل لهم الاطمئنان فلم يحكموا بأول الشهر بينما تحققت الرؤية فلا يصومون مقلديهم في اول رمضان ولا يفطرون في اول شوال وعندنا علم اجمالي بان في كثير من الشهور لو لم يكن الغيم والبخار والغبار لاكتشف الهلال فحالهم في هذا العصر قريب من حال الناس في طيلة التاريخ قبل اختراع وسائل الرصد الجديدة.

دليل الانصراف: لا يخفى ان بعض الفقهاء يستندون للزوم تحقق الرؤية بالعين المجردة لثبوت الهلال على دليل الانصراف: تقريره: بما انه في عصر الشريعة لم تكن الآلات والأجهزة المتطورة، فما ورد في القرآن من قوله تعالى: ﴿فمن شهد منكم الشهر فليصمه﴾ والروايات الآمرة بالصيام للرؤية والافطار للرؤية او لرؤيته، منصرفة على ما كان في عهد الشريعة ولا تشمل الرؤية الحاصلة بمساعدة الاجهزة المتطورة بل منصرفة عنها.

لكن يرد على هذا الدليل بان الملاك في انصراف عنوان عن احد مصاديقه ليس ندرة الوجود ولا عدم الوجود بل الملاك في الانصراف كما اعترف به الفحول من الفقهاء ويصدقهم العرف، ندرة استعمال اللفظ في هذا المصداق مثلاً: اذا ورد دليل على ان "لحم الغنم حلال اكله" يحلل لنا جميع اصناف الغنم سواء ما كان منها موجودة في عصر الشريعة او لم يكن او كان نادر الوجود او لم يكن في جزيرة العرب، مثلا هناك نوعية من الغنم صوفها شديد التجعيد و لها احسن الصوف لحياكة الاقمشة و لو لم يسبق مثلها في العالم او في جزيرة العرب او ان وجد نوعية لا قرن لها اصلا ولكنها كلها حلال قطعا وقس على هذا فعلل وتفعلل بل الملاك ندرة استعمال اللفظ في ذاك المعنى. كشمول الحيوان على الانسان بينما الانسان في الحقيقة نوع من الحيوان فهو "جسم نامي متحرك بالإرادة" فمن قال إني رأيت حيواناً في الشارع ينصرف كلامه الى غير الانسان اي كلامه منصرف عن الانسان، او عندما يقال لا تصل فيما لا يؤكل لحمه فلا يستفاد منه بطلان الصلاة اذا كان شعر انسان على ثوب المصلي بل الكلام ينصرف على سائر الحيوانات مما لا يجوز اكل لحمه. وكذلك ما يدل على كراهة اكل سؤر غير مأكول اللحم لا يشمل سؤر المؤمن الا إذا كان الكلام مقروناً بقرينة تدخل الانسان في مدلوله، لانّ استعمال لفظ الحيوان او ما لا يؤكل لحمه في الانسان ليس متعارفاً في المحاورات العرفية ولو ان الانسان في الحقيقة حيوان لا يجوز أكل لحمه. ولكن دليل الكراهة او عدم جواز الصلاة في شعره ووبره قطعا لا يشمل الانسان ومنصرف عنه الى سائر الحيوانات غير مأكول اللحم.

وفي مسألة الهلال ايضا لو لم تكن الاجهزة الجديدة في عصر الرسالة ولكن صدق الرؤية بالعين على ما يراه الانسان بمساعدة المنظار-نظارات-او الناظور او التلسكوب لا ينبغي المناقشة فيه، كما ان النظر الى الأجنبة من خلال هذه الاجهزة محرم قطعاً لأنّها رؤية ونظر الى غير ذي محرم، فدليل صم للرؤية وأفطر للرؤية يشمل حصول الرؤية بالأجهزة ايضا ولا صارف عن شمولها فاذا أخبر الثقات بأنّهم رءوا الهلال فقد تحقق الموضوع وهو دخول الشهر شرعا والحكم يأتي ورائه. وبعبارة اخرى ان الملاك في انصراف لفظ عن أحد مصاديقه هو صحة السلب في نظر العرف وفيما نحن فيه لا يصح نفي الرؤية عن رؤية حصلت من خلال الأجهزة.

وأخيراً: نستخلص من هذه الدراسة المتواضعة ان رؤية الهلال باستعانة الأجهزة رؤية واقعية بلا مسامحة ولا مجاز فاذا تمت الرؤية بهذه الوسائل فقد تحقق موضوع قوله تعالى: "﴿فمن شهد منكم الشهر فليصمه﴾" وكذلك تحقق موضوع الروايات الجاهرة بالقول: "صم للرؤية وأفطر للرؤية" والشارع المقدس عند ما نطق بهذا الحكم كان يرى المستقبل الى يوم القيامة وما يؤول اليه الامّة من التطورات التقنية فكلامه حيّ مؤد لمراده الى يوم القيامة، كما قال صلى الله عليه واله شرع محمد صلى الله عليه واله مستمر الى يوم القيامة. ولكن لكل مجتهد ما استنبطه ولكل مقلِّد الأخذ برأي مقلَده وكل مشكور ومأجور عند الله تعالى.

الى هنا نكتفي البحث عن حكم رؤية الهلال بالعين المسلحة وارجو من سادتنا ومشايخنا الاجلاء ان يبذلوا ملاحظاتهم القيمة على هذا المكتوب المتواضع كتابة او صوتا او شفوياً.

فنعود في هذه الامسيات الرمضانية الى متابعة بحثنا التفسيري في الآيات المصدرة ب﴿يا أيها الناس﴾ وقد بقي منها اربع آيات مباركات نتناولها بالبحث في الليالي الباقية من هذا الشهر الفضيل ان شاء الله.

 

 

logo