46/09/10
بسم الله الرحمن الرحیم
وؤية الهلال بالعين المسلحة/حول صوم شهر رمضان /التفسير الموضوعي
موضوع: التفسير الموضوعي/حول صوم شهر رمضان /وؤية الهلال بالعين المسلحة
بما انه كان وصل بحثنا في التفسير الى قول الله تعالى ﴿فمن شهد منكم الشهر فليصمه﴾ وقلنا الأقرب ان مراد من شهد منكم الشهر رؤية الهلال فرأيت من الأفضل ان نتناول البحث المطروح من انه هل يجب لاثبات الشهر كون الرؤية بالعين المجردة او تكفي الرؤية ولو بواسطة النواظير وامثالها وكان عندي رسالة حققتها قبل اكثر من اربع سنوات فوددت ان أجعلها على طاولة البحث في هذه الامسيات ونطرح كل ليلية منها بقدر ما يسع الوقت واليكم نص التحقيق:
وقفة عند رؤية الهلال بالعين المسلحة:
بسم الله الرحمن الرحیم
احدى المسائل التي اختلفت فيها آراء فقهائنا العظام من شيعة اهل البيت عليهم السلام هي ثبوت اول الشهر بواسطة رؤية الهلال بالعين المسلحة، اي رؤيته بالناظور وما شابهه من الوسائل التي تساعد العين في رؤيتها للهلال عند ما لا يمكن رؤيته بالعين المجردة، ومما ينبغي التنبيه اليه: ليس المراد من الرؤية بالعين المسلحة رؤية صورة الهلال كما اذا تُلتقط صورته بواسطة الأقمار الصناعية ثم عرضها على شاشة تلفزيون او الحاسوب، لان الهلال يتولد قبل ان يكون قابلاً للرؤية بأكثر من عشر ساعات ويمكن كشفه بالأقمار الصناعية ولكنه لا يفيد لإثبات اول الشهر لأنه ليست رؤية الهلال بل هي رؤية صورة الهلال، فالكلام انما هو فيما اذا شاهد الباحث عن الهلال، نفس الهلال مباشرة ولكن بالاستعانة من الوسائل الجديدة التي تساعد العين على رؤيته.
وهذه المسألة لم تكن مطروحة سابقاً وانما الكلام كان في حجية قول المنجمين او كشف طلوع الهلال من خلال القرائن كارتفاع الهلال في الليلة التالية او اثبات الهلال اعتماداً على القواعد الفلكية، قال في العروة: (ولا يثبت بقول المنجّمين ولا بغيبوبة الشفق في الليلة الأُخرى ولا برؤيته يوم الثلاثين قبل الزوال فلا يحكم بكون ذلك اليوم أوّل الشهر ولا بغير ذلك ممّا يفيد الظنّ ولو كان قويّاً) ولكن السيد الخوئي رضوان الله علیه قال: (الظاهر ثبوته بذلك كما أنّ الظاهر ثبوته بتطوّق الهلال فيدلّ على أنّه للّيلة الثانية)[1]
ولكن لم يذكروا العين المسلحة، حتى صاحب العروة الذي كان شديد الحرص على ذكر جميع الفروض والحالات في المسائل. بينما كان في عصره نواظير قوية ومع ذلك لم ينف كفاية الرؤية بها.
لقد رأيت اخيراً فقيهين من الأعلام الفقهاء المعاصرين ناقشا ثبوت الهلال بالعين المسلحة، وأنا مع خضوعي التمام لمقامهما العلمي واعترافي بفضلهما وتقواهما، ولكن المناقشة في الأقوال كانت ديدن الحوزويين وهي التي أعطت الحوزات العلمية حيويتها وقوتها. وانا أريد ان أناقش ما أثاراه من الشبهة في ثبوت الهلال بالعين المسلحة.
انه قد نشرت جريدة «شیعه نیوز» في عددها 11 خرداد 99 نقلا عن أحد كبار الفقهاء المعاصرين وهو الذي أعترفُ بفضله وتقواه وقد اكنّ له كل الاحترام والتقدير وهو ادام الله ظله قد تناول مسألة رؤية الهلال في حلقة بحثه بالمناقشة وقال: ما بمعناه الحرفي من دون زيادة او لا نقصان:
(كان رأيي سابقا كفاية الرؤية بالعين المسلحة ويثبت بها عيد الفطر ولا فرق بين الرؤية بالعين المجردة او المسلحة. وكنت اقول: مثلا: ان النظر الى بدن الاجنبية حرام ولا فرق بين ان ننظر اليه بالعين المجردة او المسلحة. ولا يمكن القول بان الحرمة مختصة بالنظر العادي، كما ان في الاستيلاء على مال الغير وغصبه لا يختلف باي وسيلة تحقق وعلى كل حال فهو حرام.
ثم تنبهتُ الى خلط حصل عندي وكنت في غفلة، من أن الحكم الذي له جانب شخصي يختلف عما كان له جانب عمومي، مثلا النظر الى غير المحارم له جانب شخصي اي التكليف فيه متوجه الى كل فرد مستقلا عن الآخرين، مثلا من يملك عيناً قوية ويستطيع ان يرى الاجنبية من بعيد فنظره الى شعرها حرام ولكن الفرد الآخر الذي رؤيته ضعيفة فنظره من ذاك البعد ليس محرماً، ففي هذا التكليف كل فرد يوجه اليه تكليفاً يخصه ويختلف حكمه عن الآخرين الذين وقفوا في جنبه.
ولكن إذا كان للحكم جانبا عاماً فليس الميزان فيه رؤية كل فرد له بل الميزان فيه الرؤية المتعارفة من النا مثلا حد الترخص الذي يوجب قصر الصلاة هو الوصول الى مكان لا يرى منه جدران المدينة. فاذا وجد من له رؤية قوية جداً فهل تقصر صلاته في فاصلة أبعد؟ لا، ليس هكذا، لانّ التكليف هنا ليس له جانب شخصي حتى كل مكلف يقيس الطريق على حسب مستوى رؤيته. بل الحكم واحد للجميع وهو متعلق بالرؤية المتعارفة ولذا لا يتغير حد الترخص كل يوم حسب تطور الوسائل الجديدة.
وكذلك الامر في رؤية الهلال فإنها جعلت لعموم الناس كطريق لإثبات الشهر الجديد. قال تعالى: «يسألونك عن الاهلّة قل هي مواقيت للناس والحج»، فجعل في القرآن هذا الطريق لعموم الناس كي يعرفوا الوقت، اي الميزان هو ميزان قابل لأهالي الرساتيق أن يستفيدوا منه، فكل الناس يستطيعون ان يعرفوا الهلال من هذا الطريق. وليس طريقا يختص بعض الناس ممن يملك الوسائل والاجهزة.
فعلى هذا الاساس عند ما يجعل حكم في الاسلام لعموم الناس فلابد أن يكون على صورة يستطيع عموم الناس ان يقوموا به، ولا يمكن مثل هذه الاحكام ان نخصصها بهؤلاء الذين يملكون تلك الاجهزة الخاصة. لأنه لا يمكن ان يكون الحكم لعامة الناس ولكن اثباته متوفر لأشخاص محدودة وأكثر الناس الذين يعيشون في البلاد والقرى لا يستطيعون ان يستفيدوا منه والطريق مسدود امامهم.
ولذلك هناك فرق بين التعبيرين: "لا يؤكل لحمه" ولا يجوز لك اكله" ففي التعبير الثاني يمكن ان يحل اكل اللحم في حال الاضطرار ويخرج عن شمول لا يجوز لك اكله، ولكن الاضطرار لا يستطيع ان يخرج ذاك اللحم الجائز اكله عن تحت الجملة الاولى يعني "لا يؤكل لحمه" لان الملاك في الجملة الاولى هو الاكل العادي والمتعارف ولذلك هذا اللحم الذي حل اكله له بسبب الاضطرار لا يجوز له ان يصلي فيه والملاك فيه هو الجانب العادي والعمومي وهو كونه غير مأكول اللحم بخلاف اكله له فالملاك فيه هو الجانب الخاص الذي يختص به)
وغدا نتابع بحثنا في المناقشات على هذه البيانات في الليالي القادمة ان شاء الله