< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

45/11/27

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسیر الموضوعی/تفسیر الأیات المصدرة بیا ایها الناس /تفسیر الآية 168 من سورة البقرة

 

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَ لاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ .إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَ الْفَحْشَاءِ وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [1]

فی بادئ الامر نطل اطلالة عل بعض مفردات الآية الكريمة:

قال فی المجمع: (الأكل هو البلع عن مضغ وبلع الذهب واللؤلؤ وما أشبهه ليس بأكل في الحقيقة وقد قيل النعام تأكل الجمر فأجروه مجرى أكل الطعام،

والحلال هو الجائز من‌ أفعال العباد ونظيره المباح وأصله الحل نقيض العقد وإنما سمي المباح حلالا لانحلال عقد الحظر عنه ولا يسمى كل حسن حلالا لأنه أفعاله تعالى حسنة ولا يقال إنها حلال إذ الحلال إطلاق في الفعل لمن يجوز عليه المنع، يقال حل يحل حلالا وحل يحل حلولا وحل العقد يحله حلا وأحل من إحرامه وحل فهو محل وحلال وحلت عليه العقوبة وجبت.

والطيب هو الخالص من شائب ينغص وهو على ثلاثة أقسام الطيب المستلذ والطيب الجائز والطيب الطاهر والأصل هو المستلذ إلا أنه وصف به الطاهر والجائز تشبيها إذ ما يزجر عنه العقل أو الشرع كالذي تكرهه النفس في الصرف عنه وما تدعو إليه بخلاف ذلك والطيب الحلال والطيب النظيف وأصل الباب الطيب خلاف الخبيث.

والخطوة بعد ما بين قدمي الماشي والخطوة المرة من الخطو يقال: خطوت خطوة واحدة وجمع الخطوة خطى وأصل الخطو نقل القدم و«خُطُواتِ الشَّيْطانِ» آثاره.

والعدو المباعد عن الخير إلى الشر والولي نقيضه)‌[2]

ورد فی شأن نزول الآية عن ابن عباس: (إنها نزلت في ثقيف وخزاعة وبني عامر بن صعصعة وبني مدلج لما حرّموا على أنفسهم من الحرث والأنعام والبحيرة والسائبة والوصيلة فنهاهم الله عن ذلك). فکما ان ايجاب ما لم يوجبه الشارع المقدس بدعة محرمة كذلك تحريم ما لم يحرّمه الشارع بدعة محرمة 0 نعم لا بأس بتسنين صغريات ما سن الشارع كبراها، كتخصيص الأسبوع الاخير من شهر شعبان لنظافة المساجد لتهيئتها للعبادة فان نظافة المساجد ما ندب اليها الشارع المقدس والمراسيم الدينية في شهر رمضان. او تخصيص ذكرى ولادة فاطمة الزهراء يوماً لتكريم الأمهات. فهي سلام اللع عليه اسوة لنساء العالمين من البنات والزوجات والامهات وما الى ذلك من المراسيم والمناسبات الدينية والوطنية.

قال فی الميزان: (والخطوات بضمتين جمع خطوة، وهي ما بين القدمين للماشي، و قرئ خطوات بفتحتين وهي جمع خطوة وهي المرة، وخطوات الشيطان هي الأمور التي نسبته إلى غرض الشيطان- وهو الإغواء بالشرك- نسبة خطوات الماشي إلى مقصده وغرضه، فهي الأمور التي هي مقدمات للشرك والبعد من الله سبحانه.

والأمر هو تحميل الآمر إرادة نفسه على المأمور ليأتي ما يريده، والأمر من الشيطان وسوسته وتحميله ما يريده من الإنسان عليه بإخطاره في قلبه وتزيينه في نظره، والسوء ما ينافره الإنسان ويستقبحه بنظر الاجتماع فإذا جاوز حده وتعدى طوره كان فحشاء ولذلك سمي الزنا بالفحشاء وهو مصدر كالسراء والضراء). [3]

هذه الآية المباركة مسبوقة بآيات حول التوحيد وأهله والشرك وأهله فهذه الآية تتحدث معنا عن نعم الله تعالى وإحسانه ويعرضها علينا ويشوقنا لتناولها نحن كانسان أي جميع خلقه، ثم ینهانا عن اتباع الشيطان لما في ذلك من الجحود لنعمه والكفران لآلائه.

قال ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ وهذا الخطاب عام لجميع المكلفين من بني آدم ومفردة ﴿كُلُوا﴾ ولو هی صیغة الأمر ولکن تفید الإباحة لآنها فی موضع احتمال الحظر ثم یعممها بقوله: ﴿مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً﴾ قیل: (لما أباح الأكل بيّن ما يجب أن يكون عليه من الصفة لأن في المأكول ما يحرم وفيه ما يحل، فالحرام يعقب الهلكة والحلال يقوي على العبادة).[4]

وإنما يكون حلالا بأن لا يكون مما تناوله الحظر ولا يكون لغير الآكل فيه حق وهو يتناول جميع المحللات وأما الطيب فقيل هو الحلال أيضا فجمع بينهما لاختلاف اللفظين تأكيدا وقيل معناه ما يستطيبونه ويستلذونه في العاجل والآجل ﴿وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ﴾ اختلف في معناه فقيل: أعماله، عن ابن عباس. وقيل: خطاياه عن مجاهد وقتادة، وقيل طاعتكم إياه عن السدي، وقيل آثاره عن الخليل، وروي عن‌ أبي جعفر وأبي عبد الله علیه السلام: "أن من خطوات الشيطان الحلف بالطلاق والنذور في المعاصي وكل يمين بغير الله تعالى‌" [5]

وقال ایضا فی المجمع: ﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ أي: مظهر للعداوة بما يدعوكم إليه من خلاف الطاعة لله تعالى. واختلف الناس في المأكل والمنافع التي لا ضرر على أحد فيها فمنهم من ذهب إلى أنها الحظر ومنهم من ذهب إلى أنها على الإباحة واختاره المرتضى قدس الله روحه ومنهم من وقف بين الأمرين وجوز كل واحد منهما وهذه الآية دالة على إباحة المأكل إلا ما دل الدليل على حظره فجاءت مؤكدة لما في العقل).

وقال فی الميزان: (الحلال مقابل الحرام الممنوع اقتحامه، والحل مقابل الحرمة، والحل مقابل حرم، والحل مقابل العقد، وهو في جميع موارد استعماله يعطي معنى حرية الشي‌ء في فعله وأثره، والطيب- مقابل الخبيث- ما يلائم النفس والشي‌ء، كالطيب من القول لملاءمته السمع، والطيب من العطر يلائم الشامة، والطيب من المكان يلائم حال المتمكن فيه.

فِي عُيُونِ الْأَخْبَارِ فِي بَابِ ذِكْرِ مَا كَتَبَ بِهِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ فِي جَوَابِ مَسَائِلِهِ فِي الْعِلَلِ: "وَحُرِّمَتِ الْمَيْتَةُ لِمَا فِيهَا مِنَ فَسَادِ الْأَبْدَانِ وَالْآفَةِ وَلِمَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْعَلَ التَّسْمِيَةَ سَبَباً لِلتَّحْلِيلِ، وَفَرْقاً بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الدَّمَ كَتَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ لِمَا فِيهِ مِنَ فَسَادِ الْأَبْدَانِ، وَلِأَنَّهُ يُورِثُ الْمَاءَ الْأَصْفَرَ، وَيُبَخِّرُ الْفَمَ وَيُنَتَّنُ الرِّيحَ، وَيُسِي‌ءُ الْخُلُقَ وَيُورِثُ الْقَسْوَةَ لِلْقَلْبِ، وَقِلَّةَ الرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ، حَتَّى لَا يُؤْمَنُ انْ يَقْتُلَ وُلْدَهُ وَوَالِدَهُ وَصَاحِبَهُ وَحَرَّمَ الْخِنْزِيرِ لِأَنَّهُ مُشَوَّهٌ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى عِظَةً لِلْخَلْقِ وَعِبْرَةً وَتَخْوِيفاً وَدَلِيلًا عَلَى مَا مُسِخَ عَلَى خِلْقَتِهِ وَصُورَتِهِ وَجَعَلَ فِيهِ شَبَهاً مِنَ الْإِنْسَانِ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْخَلْقِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِ. وَحَرَّمَ مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ لِلَّذِي أَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى خَلْقِهِ مِنَ الْإِقْرَارِ بِهِ، وَذِكْرِ اسْمِهِ عَلَى الذَّبَائِحِ الْمُحَلَّلَةِ وَ لِئَلَّا يُسَوَّى بَيْنَ مَا تُقُرِّبَ بِهِ وَبَيْنَ مَا جُعِلَ عِبَادَةً لِلشَّيَاطِينِ وَالْأَوْثَانِ لِأَنَّ فِي تَسْمِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْإِقْرَارَ بِرُبُوبِيَّتِهِ وَتَوْحِيدِهِ، وَمَا فِي الْإِهْلَالِ لِغَيْرِ اللَّهِ مِنَ الشِّرْكِ وَالتَّقَرُّبِ إِلَى غَيْرِهِ لِيَكُونَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَتَسْمِيَتُهُ عَلَى الذَّبِيحَةِ فَرْقاً بَيْنَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ وَبَيْنَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ".[6]

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: قُلْتُ لَهُ: لِمَ حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْخَمْرَ وَالْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ؟

فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يُحَرِّمْ ذَلِكَ عَلَى عِبَادِهِ وَأَحَلَّ لَهُمْ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ رَغْبَةٍ فِيمَا أَحَلَّ لَهُمْ، وَلَا زُهْدٍ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ الْخَلْقَ فَعَلِمَ مَا يَقُومُ بِهِ أَبْدَانُهُمْ وَمَا يُصْلِحُهُمْ فَأَحَلَّ لَهُمْ وَأَبَاحَهُ وَعَلِمَ مَا يَضُرُّهُمْ فَنَهَاهُمْ عَنْهُ وَحَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ أَحَلَّ لِلْمُضْطَرِّ فِي الْوَقْتِ الَّذِي لَا يَقُومُ بَدَنُهُ إِلَّا بِهِ. فَأَمَرَهُ انْ يُنَالَ مِنْهُ بِقَدْرِ الْبُلْغَةِ لَا غَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا الْمَيْتَةُ فَإِنَّهُ لَمْ يَنَلْ أَحَدٌ مِنْهَا إِلَّا ضَعُفَ بَدَنُهُ، وَ أَوْهَنَتْ قُوَّتَهُ، وَ انْقَطَعَ نَسْلُهُ، وَ لَا يَمُوتُ آكِلُ الْمَيْتَةِ الّا فَجْأَةً، وَ أَمَّا الدَّمُ فَإِنَّهُ يُورِثُ أَكْلُهُ الْمَاءَ الْأَصْفَرَ وَيُورِثُ الْكَلَبَ وقَسَاوَةَ الْقَلْبِ وَقِلَّةَ الرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ، حَتَّى لَا يُؤْمَنَ عَلَى حَمِيمِهِ وَلَا يُؤْمَنَ عَلَى مَنْ صَحِبَهُ: وَأَمَّا الْخِنْزِيرُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَسَخَ قَوْماً فِي صُوَرٍ شَتَّى مِثْلِ الْخِنْزِيرُ وَالْقِرْدِ وَالدُّبِّ، ثُمَّ نَهَى عَنْ أَكْلِ الْمَيْتَةِ لِكَيْمَا يُنْتَفَعَ بِهَا وَلَا يُسْتَخَفَّ بِعُقُوبَتِهِ"الحديث)

ورد في القرآن قوله تعالى: "ولا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ‌ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ" ثلاث مرات مرة هنا ومرة في الآية 208 في نفس السورة مسبوقا بقوله "يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة" ومرة في سورة الانعام الآية 142 مسبوقا بقوله: "وَمن الانعام حمولة وفرشا كلوا مما رزقكم الله" ومرة في سورة النور حيث قال: يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فانه يأمر بالفحشاء والمنكر ولو لا فضل الله عليكم ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم" كما ترون في موضعين جاء وراء نعمة المأكولات وكانت في موضعين بشأن الاستفادة من الأطعمة والرزق الإلهي.

تكررت في القرآن الكريم سبع مرات قوله: تعالى ﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾‌، كلها في وصف الشيطان‌

وتقول: ﴿إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ﴾. تلخص في هذه الآية منهج الشيطان في ثلاثة أمور هي: السوء، والفحشاء، والتّقول على اللّه. وقالوا الفرق بين السوء والفحشاء شدة القبح في الثاني. والكلام حول هذه المفردات كثير لا تنسجم مع او قاتنا القصيرة فعليكم ان تتأملوا في معانيها و مصاديقها و من خلال الآيات القرآنية الحكيمة و روايات الواردة عن اهل البيت الشريفة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo