< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

45/11/20

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الناس /تسير الآيات 21-22من سورة البقرة

 

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [1]

قد تحدثنا فی ثلاث محاضرات حول هاتین الأیتین المبارکتین وقلنا ان عبادة الله تتحقق في ثلاث مواطن في الاعتقاد والعبادة والطاعة والشرك يتحقق في خلافها والله تعالى خلق الانسان للعبادة بمعناها الواسع و المرحوم السید مهدی بحر العلوم فی کتابه مصابیح الاحکام ولو الفها لبيان الحكام الشرعية العملية ولكنه في مقدمة كتابه تطرق الى بحث العبودية لله وذكر آيات من القران وروايات من اهل البيت عليهم السلام حولها ثم لخص الفضائل المترتبة على عبادة الله في كلام جامع نذكر نصه لزيادة المنفعة قال: (كفى العبادة فضلًا أنّها علّة الإيجاد «9»، وصلاح المعاد «10»، وعمل أدلّة الرشاد، والفوز في المعاد، والوسيلة إلى ربّ العباد، وأنّ فيها الاستكانة والتضرّع، والانقياد، والخضوع والخشوع، والركوع والسجود، والقيام بين يدي المعبود، والإقبال عليه، والتلذّذ بخطابه ومناجاته، ورياضة النفس والبدن، وتحمّل المشاقّ في سبيل اللّٰه، وابتغاء مرضاته، وبذل الأموال، وتأدية الحقوق، وإزاحة الشُّحّ المطاع والهوى المتّبَع، والتجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود. وحسبها شرفاً ونبلًا أنّها الرابطة بين العبد والربّ، والباسطة بينهما بساط الانبساط والحبّ؛ فإنّ سببها حبّ العبد لربّه، وغايتها حبّ الربّ لعبده، وذلك قوله تعالى: ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾، وقوله سبحانه: ﴿رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ [2] .

ومن ناحية أخرى الرياء هو الشرك الخفي مما نبتلي بها كثيرا كما ورد في اكثر من الرواية بل ورد في قرآن:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالیوم الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لاَ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْ‌ءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ [3]

وفی آية أخرى قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاءَ قَرِيناً﴾ [4]

﴿وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾[5] وما أكثر من الآيات التي تحذرنا من الرياء في عبادة الله بجميع اقسامه وكذلك كم من روايات تطرقت الى هذا الخطر المحدق بنا

وهناك رواية جعلها الامام الخميني ذاك العارف بالله الزاهد في الدنيا الخبير في تربية النفس والفقيه في الاحكام الشرعية والاخلاق النبيلة انه رضوان الله عليه ذكر حديثا عن امام الصادق وجعلها ثاني حديث في اربعينيته ثم شرحها شرحا عميقا يصلنا الى معرفة مداخل الشيطان من خلال الریاء وهو امر كثير الإبتلاء به ولذا نَودّ ان نقف عند نص الحديث و شرحه على ما ورد في كتاب لباب الاربعون حديثاً:

اما النص فهو الصادق عليه السلام: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: "كُلُّ رِيَاءٍ شِرْكٌ إِنَّهُ مَنْ عَمِلَ لِلنَّاسِ كَانَ ثَوَابُهُ عَلَى النَّاسِ وَمَنْ عَمِلَ لِلَّهِ كَانَ ثَوَابُهُ عَلَى اللَّهِ". [6]

ثم عرف مفردة الرياء بانه:

(الرياء: ازهار الشيء من الأعمال الصالحة أو الاوصاف الحميدة، او العقائد الحقة الصحيحة، للناس، للحصول على منزلة في قلوبهم، والشهرة بينهم بالصلاح والاستقامة والأمانة والتدين من دون أن يكون هناك نية الهية صحيحة).

ثم ذكر مراتب الرياء ومقاماته فقال:

(للرياء مراتب، والتخلص من جميعها من مختصات أولياء الله، فنفوس عامة الناس بحسب الغريزة والفطرة تميل الى اظهار خيراتها، وان لم يقصدوا ذلك وهذا لا يوجب بطلان العمل، او الشرك او النفاق او الكفر، وان كان ذلك شركا ونفاقا لدى الولي او العارف بالله. والتنزه عن مطلق الشرك والإخلاص في جميع مراتبه، هو أول مقامات الاولياء. وقول الائمة عليهم السلام: ان عبادتنا عبادة الاَحْرار، أي حبا لله، لا طمعا في الجنة، ولا خوفا من النار، هي أولى درجات الولاية، ولهم في العبادات حالات لا يمكن أن تستوعبها عقولنا، عليه يمكن الجمع بين الحديث السابق، وحديث محمد بن يعقوب بإسناده عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: "سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَعْمَلُ الشَّيْ‌ءَ مِنَ الْخَيْرِ فَيَرَاهُ إِنْسَانٌ فَيَسُرُّهُ ذَلِكَ فَقَالَ لَا بَأْسَ مَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَ هُوَ يُحِبُّ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ فِي النَّاسِ الْخَيْرُ إِذَا لَمْ يَكُنْ صَنَعَ ذَلِكَ لِذَلِكَ". [7]

ثم بين رضوان الله تعالى ما يتحقق فيه الرياء فقال:

(ويتحقق الرياء في ثلاث مقامات:

الأول: العقائد الحقة والمعارف الإلهية.

الثاني: الخصال الحميدة والملكات الفاضلة.

الثالث: الأعمال والعبادات الشرعية او الأمور الراجحة عقلاً.

ولكل مقام منها درجتان:

إحداهما: بإثباتها لنفسه: عقائد او ملكات أو الأعمال.

والأخرى: بنفي ما يقابلها عن نفسه.

وهذا تفصيل ذلك:

المقام الأول: وله درجتان، أحدهما: ان يظهر العقائد الحقة والمعارف الإلهية رياء كأن يقول: لا مؤثر في الوجود الا الله، او لا أتوكل على أحد سوى الله، او ان يثتي على نفسه كناية، او إشارة بامتلاك العقائد الحقة، كأن ينأوه او يهز رأسه إذا جرى حديث عن التوكل أو عن الرضا بقضاء الله. والأخرى: أن ينزه نفسه عن العقائد الباطلة، بصراحة القول او بالإشارة او الكناية.

والرياء في أصول العقائد، والمعارف الإلهية، أشد أنواع الرياء عذابا، وأسوأها عاقبة هذا المرائي لا يخلو عن حالتين:

أحدهما: الا يعتقد بالأمر الذي يظهره، فهو من المنافقين الخالدين في النار.

والآخر: أن يعتقد بما يظهره، لكنه يظهره رياء، وهذا من الشرك الخفي، لأن المعارف الإلهية، والعقائد الحقة يجب ان تكون خالصة لله تعالى، ففي الحديث: "انا خير شريك من أشرك معي غيري في عمل عمله، لم أقبله الا ما كان لي خالصا" [8] فالله لا يقبل الاعمال القلبية في حال عدم خلوصها، بل يوكلها الى الشريك الآخر.

وما ينبغي ان نعلمه، ان الايمان بالله غير العلم به، ألم يكن ابليس عالما بالله، و وحدانيته، وسائر صفاته؟ فكمال الايمان هو اطمئنان القلب)،

ثم يمثل رضوان الله عليه بالميت الذي نعرف انه لا يفعل شيئا ولكن نخاف ان نبيت معه ليلة في مكان مظلم. ولكن الغسال لا يخاف من ذلك لأنه حصل عنده اطمئنان القلب بعدم توجه ضرر من الميت الى من بجنبه.

ثم يقول: (فالتسليم الذي هو حظ القلب، غبر العلم الذي هو من حظ العقل، فما لم تكتب جملة: "لا اله الا الله" بقلم العقل على لوح القلب الصافي، لن يكون الانسان مؤمنا بوحدانية الله، وعند ما ترد هذه الجملة النورانية الإلهية على القلب، ينتفي الرياء، وتصبح سلطة القلب لذات الحق تعالى، فلا يعرف الانسان بعدها شخصا آخر مؤثرا في مملكة الحق، ولا يتوقع من شخص آخر جاها ولا جلالا، ولا يبحث عن المنزلة والشهرة عند الآخرين....) الى ان يقول:

(تهيّأ أيها المرائي، للظلمات التي لا نور بعده فتحرق ملكوت النفس، وملك البدن، حرقا لم يخطر على قلبي والتي يخبرنا عنها قوله تعالى: ﴿نار الله الموقدة، التي تطلع على الافئدة﴾[9] ....) الى ان قال:

(المقام الثاني، وله درجتان، احداهما: أن يظهر الخصال الحميدة والملكات الفاضلة، وأخرى: ان يتبرّأ ما يقابلها، ويزكي نفسه منها.

ان خطوات الشخص الذي يعرض أخلاقه الحسنة، وملكاته الفاضلة على الناس، ليلفت أنظارهم اليه، هي خطوات النفس، وهو متكبر، أناني، ومعجب بنفسه، وعابد لها، وقد ذكرنا في شرح الحديث الأول، انه يمكن أن يكون للإنسان في عالم الملكوت صورة تغاير الصورة الإنسانية، وأن تلك الصورة تتبع ملكوت النفس وملكاتها، فاذا كنت ذا ملكات فاضلة إنسانية، لا تتصرف النفس الامارة بالسوء فيها، كانت صورتك في عالم الملكوت إنسانية، وإذا كان تحركك بخطى النفس، وكانت رياضتك من أجل الحصول على قوى النفس وقدرتها وتسلطها، كانت رياضتك باطلة، وأدى سلوكك الى سوء العاقبة.

وإذا كان تحركك بخطى الحق، باحثا عن الله، فان رياضتك حقة وشرعية وسيأخذ الله تعالى بيدك ويهديك، قال تعالى: ﴿والّذين جاهدوا فِيْنا لَنَهْدِيَنّهُمْ سُبُلَنَا﴾ وتسقط عنك أنا، ويزول الغرور).

ثم هو رضوان الله عليه يتابع كلامه ويتطرق الى مصائد الشيطان للعلماء لأهل العلم ويضع الاصبع الى نقاط دقيقة جدا ولكن لا يسع بحثنا تلك الشروح فعليكم ان تراجعوها.

وعند ما يدخل في مسألة الرياء بالأعمال العبادية يقول:

(المقام الثالث: وهو الرياء المعروف عند فقهاء الماضين وله درجتان:

احداهما: أن يأتي بالأعمال والعبادات الشرعية او بالأمور الراجحة عقلا، لجلب القلوب، سواء أن يأتي بالعمل نفسه بقصد الرياء او بكيفيته، او شرطه، او جزئه، وأخرى: ان يترك عملاً محرماً أو مكروهاً.

ان عامة الناس، يفوزون بالجنة بالأعمال الحسنة، وترك الأعمال السيئة، لذا يدخل الشيطان عليهم من هذا الطريق، ويسقي جذور الرياء في أعمالهم، فتفرع، وتورق، ويبدل حسناتهم سيئات ويدخلهم جهنم ودركاتها من طريق المناسك والعبادات، ولذا كان الرياء في هذا المقام، أكثر من المقامين الآخرين، وأوسع شيوعاً. هذا الرياء من الدقة والخفاء الى الحد الذي يتسرب الى أعمال الشخص المرائي وهو غافل عنه لأن الانسان مجبول على حب النفس، وحجاب حب النفس يستر عنه معايب نفسه).

ثم يأتي رضوان الله عليه بأمثلة دقيقة في دراسة العلوم الدينية والمباحثات لطلبة العلم وعلماء الدين في التدريس والتدرّس والمناقشات العلمية وغيرها مما يتسرب فيها الرياء والأنانية. كما يأتي ويشير الى مواطن الرياء في صلاة الجماعة، امامة ومأموماً ويشير الى نقاط دقيقة جدا نحيلكم الى مراجعة كلامه لما لم نأت به حرصا على الاختصار هنا.

وقال في قسم من كلامه مخاطبا لنا: (أيها العزيز، كن دقيقا في أعمالك وحاسب نفسك في كل عمل واستنطاقها عن الدواف.... ولا تنخدع بمكرها، واظهارها الرياء بصورة عمل مقدس، ان اعمالنا ليست خالصة لله بدليلين:

أحدهما: تسلط الشيطان علينا وسيطرته، لأنه لا سلطان له على عباد الله المخلصين، ولا يمد يده الى ساحتهم المقدسة، قال تعالى حكاية عن الابليس: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ [10] ان الشيطان كلب اعتاب الحضرة الإلهية، وكلب الدار لا يطارد معارف صاحبه، ولكنه لا يسمح بدخول الغرباء، فإذا رأيت أن للشيطان سيطرة عليك، فاعلم ان اعمالك غير خالصة، وأنها ليست لله تعالى.

والآخر: عدم جريان ينابيع الحكمة من قلوبنا الى السنتنا، على الرغم من أننا نعمل أربعين سنة نتصور أنها قربة الي الله في حين قال رسول الله صلى الله عليه واله: "ما أخلص عبد لله عز وجل أربعين صباحا الا جرت ينابيع الحكمة من قلبه الى لسانه") [11]

وهو رضوان الله عليه بعد تقديم نصائح جميلة ودقيقة قال:

(راقب قلبك وانتبه له واخضع كل حركاتك و سكناتك للملاحظة وفتش في خبايا قلبك وحاسبه حسابا شديدا مقل ما يحاسب الشخص من اهل الدنيا شريكه واترك كل عمل فيه شبهة الرياء ولو كان عملا شريفا جدا، وإذا رأيت انك لا تستطيع أداء الواجبات بإخلاص في العلن، فأدها في الخفاء مع استحباب إتيانها في العلن)، ثم يذكر علامات المرائي منها ما روي عن امير المؤمنين عليه السلم انه قال: "ثَلَاثُ عَلَامَاتٍ لِلْمُرَائِي يَنْشَطُ إِذَا رَأَى النَّاسَ وَيَكْسَلُ إِذَا كَانَ وَحْدَهُ وَيُحِبُّ أَنْ يُحْمَدَ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ".[12] ويختم كلامه بلزوم استئصال جذور الرياء.

هذا ملخص من خلاصة المقال فعليكم ان تراجعوا لا اقل بكتاب لباب الاربعون حديثاً ونسألكم الدعاء في ان يعيننا ربنا بتخليص أنفسنا من شر الرياء بفضله ومنه.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo