< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

45/10/15

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الناس /الآية 21-22 من سورة البقرة

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [1]

نحن بعد ما أكملنا البحث في الآيات المصدرة ب ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ وقد كانت تسعة وثمانون موردا وقد تناولناها في مئة وستين محاضرة وبدئنا من: (الاربعاء1جمادي الأولى 1442) الى (الجمعة 25شهر رمضان1445) أي في اكثر من ثلاث سنوات وأربعة اشهر، رأينا من المناسب ان ندخل في دراسة الآيات المصدرة ب ﴿يا أيها الناس﴾ حيث يخاطبنا ربنا بها وجميع البشر.

وقد تكررت في القرآن عشرون مرّة، فيها علوم وعرفان وعظة وعبر وتاريخ وتحذير وتبشير وغير ذلك، وأول آية وردت في القرآن على حسب ترتيب مصحف الشريف بهذا العنوان هو قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾

اما حول مفردة الناس قال في المجمع: (الناس والبشر والإنس نظائر وهي الجماعة من الحيوان المتميزة بالصورة الإنسانية وأصله أناس من الإنس ووزنه فعال فأسقطت الهمزة منها لكثرة الاستعمال إذا دخلها الألف واللام للتعريف، ثم أدغمت لام التعريف في النون كما قيل "لكِنّا"، والأصل "لكن إنّا" وقيل الناس مأخوذة من النوس وهو الحركة وتصغيره نويس ووزنه فعل، وقيل أخذ من الظهور فسمي ناساً وإنسانا لظهوره وإدراك البصر إياه، يقال آنست ببصري شيئا وقال الله سبحانه: ﴿إني آنست نارا﴾ والإنسان واحد والناس جمعه، لا من لفظه، وقيل أخذ من النسيان لقوله تعالى: ﴿فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً﴾ وأصل الإنسان إنسيان ولذلك قيل في تحقيره وتصغيره أنيسيان فرد إلى الأصل)[2]

يلفت النظر قي هذه الآية المباركة نقاط هامة:

أولاً: الخطاب فيها شامل لجميع الفئات من البشر ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ هو نداء عام شامل یشمل جمیع البشر العقلاء الواعین منهم، ففیها إيعاز إلى أن هذه الدعوة لا تختص لعنصر أو قبيلة أو طائفة أو فئة او ای انقسام من البشر، بل هو نداء من رب العالمین لجمیع البشر فی العالم یدعوهم الى عبادة الله الذي هو ربهم وكل شيء مخلوق له وقائم به، ورفضُ جمیع ألوان الشرك والانحراف عن التوحيد.

ثانیاً: اختار من بين أسماء الله مفردة -رب- صفة تحاكي فضل الله على خلقه ويضيف الرب اليهم بلفظ الخطاب، ثم يذكّرهم ان له حق عظيم عليهم فانه هو الذي خلقهم، وكذلك خَلَقَ مَن قبلَهم من الآباء والامهات الذين يتعصب لهم الانسان بطبيعته.

ثالثاً: يبين أثر هذه العبادة في حياتهم وهو التقوى التي تَقيَهم من كل ما يضرّهم في الدنيا والآخرة.

ورد فِي عُيُونِ الْأَخْبَارِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْفَضْلُ بْنُ شَاذَانَ مِنَ الْعِلَلِ "عَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: "فَإِنْ قَالَ، فَلِمَ يَعْبُدُوهُ؟ «قِيلَ». لِئَلَّا يَكُونُوا نَاسِينَ لِذِكْرِهِ وَلَا تَارِكِينَ لِأَدَبِهِ، وَلَا لَاهِينَ عَنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، إِذَا كَانَ فِيهِ صَلَاحُهُمْ وَقِوَامُهُمْ، فَلَوْ تَرَكُوا بِغَيْرِ تَعَبُّدٍ لَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ".[3]

فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ خُطْبَةٌ لِلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ فِيهَا. "أَوَّلُ عِبَادَةِ اللَّهِ مَعْرِفَتُهُ، وَأَصْلُ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَوْحِيدُهُ، وَنِظَامُ تَوْحِيدِ اللَّهِ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ، بِشَهَادَةِ الْعُقُولِ أَنَّ كُلَّ صِفَةٍ وَمَوْصُوفٍ مَخْلُوقٌ وَشَهَادَةِ كُلِّ مَخْلُوقٍ أَنَّ لَهُ خَالِقاً لَيْسَ بِصِفَةٍ وَلَا مَوْصُوفٍ، وَشَهَادَةِ كُلِّ صِفَةِ وَمَوْصُوفٍ بِالاقْتِرَانِ بِالْحَدَثِ، وَشَهَادَةِ الْحَدَثِ بِالامْتِنَاعِ مِنَ الْأَزَلِ الْمُمْتَنِعِ مِنَ الْحَدَثِ"[4]

وقريب من هذا المعنى ما ورد في نهج البلاغة: " أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ وَ كَمَالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْدِيقُ بِهِ وَ كَمَالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُهُ وَ كَمَالُ تَوْحِيدِهِ الْإِخْلَاصُ لَهُ وَ كَمَالُ الْإِخْلَاصِ لَهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ لِشَهَادَةِ كُلِّ صِفَةٍ أَنَّهَا غَيْرُ الْمَوْصُوفِ وَشَهَادَةِ كُلِّ مَوْصُوفٍ أَنَّهُ غَيْرُ الصِّفَةِ فَمَنْ وَصَفَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فَقَدْ قَرَنَهُ وَمَنْ قَرَنَهُ فَقَدْ ثَنَّاهُ وَمَنْ ثَنَّاهُ فَقَدْ جَزَّأَهُ وَمَنْ جَزَّأَهُ فَقَدْ جَهِلَهُ وَمَنْ أَشَارَ إِلَيْهِ فَقَدْ حَدَّهُ وَ مَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ وَمَنْ قَالَ فِيمَ فَقَدْ ضَمَّنَهُ وَمَنْ قَالَ عَلَا مَ فَقَدْ أَخْلَى مِنْهُ كَائِنٌ لَا عَنْ حَدَثٍ مَوْجُودٌ لَا عَنْ عَدَمٍ مَعَ كُلِّ شَيْ‌ءٍ لَا بِمُقَارَنَةٍ وَغَيْرُ كُلِّ شَيْ‌ءٍ لَا بِمُزَايَلَةٍ فَاعِلٌ لَا بِمَعْنَى الْحَرَكَاتِ وَالْآلَةِ بَصِيرٌ إِذْ لَا مَنْظُورَ إِلَيْهِ مِنْ خَلْقِهِ مُتَوَحِّدٌ إِذْ لَا سَكَنَ يَسْتَأْنِسُ بِهِ وَلَا يَسْتَوْحِشُ لِفَقْدِهِ الخ"[5]

41- فِي أُصُولِ الْكَافِي بسنده عن ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَوْ قُلْتُ لَهُ-: جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ نَعْبُدُ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ الْوَاحِدَ الْأَحَدَ الصَّمَدَ؟ قَالَ. فَقَالَ: إِنَّ مَنْ عَبَدَ الِاسْمَ دُونَ الْمُسَمَّى بِالْأَسْمَاءِ فَقَدْ أَشْرَكَ وَكَفَرَ وَجَحَدَ وَلَمْ يَعْبُدْ شَيْئاً، بَلْ عَبَدَ اللَّهَ الْوَاحِدَ الْأَحَدَ الصَّمَدَ الْمُسَمَّى‌ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ دُونَ الْأَسْمَاءِ، أَنَّ الْأَسْمَاءَ صِفَاتٌ وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ تَعَالَى". [6]

قد يكون الانسان عند ما يواجه هذه الكلمات يقف متحيرا كيف يمكن لنا ان نعرف ربنا تعالى؟ لابد ان نعلم ان البشر عاجز عن تصور كنه الله تعالى: فما يتخيله البشر هو مجرد الأوهام ولذا ورد في كلام المولى علي عليه السلام وهو امام العارفين قال: "كلما ميزتموه بأوهامكم فهو مخلوق منكم مردود اليكم"

فلا معني لإحضار الله في اوهامنا وخيالنا فالله تعالى: لا يعرف بكنهه بل يعرف بآثاره و آياته "وفي كل شيء له آية تدل على انه واحد" فالعقل والوجدان والفطرة تدركه، والوهم والخيال والتصور قاصر عنه، وهذا القصور موجود في فهم ماهية كثير من الحقائق التي نعيشها كالروح والعقل والكهرباء و الجاذبة وغيرها من الحقائق كل ذلك لا نعرفها بكنهها وماهيتها وانما نعرفها بآثارها وهي أمور محدودة مخلوقة، فكيف نتوقع ان ندرك حقيقة هو خارج عن كل شيء وانما نحن نستطيع ان نتصور المحسوسات المادية فما ورد انه: "من تفكر في ذات الله تزندق" مشير الى هذا المعنى. فالبشر يدرك الله بفطرته وبعقله بل لا يستطيع ان ينكره ومن ينكر الله بقوله يكابر عقله وفطرته، ولذلك هو غير معذور والله تعالى يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى‌ إِثْماً عَظِيماً﴾[7]

وفي آية أخرى يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً﴾ [8]

الى هنا تحدثنا حول العبادة بمعرفة المعبود وهناك مجالات أخرى للعبادة نتطرق اليها في الأسابيع القادمة ان شاء الله

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo