< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

45/09/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير الآية 6من سورة التحريم

 

﴿یاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ﴾ [1]

قال في المجمع: (معنى قوا أنفسكم وأهليكم النار بالصبر على طاعة الله وعن معصيته وعن اتباع الشهوات وقوا أهليكم النار بدعائهم إلى الطاعة وتعليمهم الفرائض ونهيهم عن القبائح وحثهم على أفعال الخير) [2]

تقول أوّلا: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ﴾.

هذه الآية المباركة تبدأ بوقاية النفس وهي من أهمّ الواجبات وهي بتربيتها فالنفس لو تركت فهي الأمّارة بالسوء ولذا نرى حتى الأنبياء والأولياء كانوا يربون انفسهم للكمالات بالتوجه الى الله والدعاء والتضرع اليه ومراقبة اعمالهم ومحاسبة نفوسهم ورياضتها وقد كانوا يعوِّدون انفسهم على تحمُّل المشاكل حتى يتسلطوا عليها فترويض النفس كان من فعل الاولياء ونحن علينا ان نؤدب نفوسنا بعدم طاعتها في بعض الموارد في الحلال كي لا تطمع فينا للحرام والصوم من مصاديق ترويض النفس وتعويدها على تحمل الجوع والاجتناب عن كثير من المشتهيات.

ان الإمام الخميني رضوان الله عليه في ذيل الحديث النبوي المبارك المروي عن الصادق عليه السلام: "أن النبي صلى الله عليه واله بعث سرية فلما رجعوا قال: مرحبا بقوم قضوا الجهادَ الأصغر وبقي عليهم الجهادُ الأكبر فقيل يا رسول الله وما الجهاد الأكبر قال: جهاد النفس"[3]

يأتي بشرح نختصره قدر الإمكان قال: (للإنسان نشأتان: أحدهما ظاهرية ملكية دنيوية هي: بدنه وتتألف من الأقاليم الملكية السبعة: الأذن والعين واللسان والبطن والفرج واليد والرجل. والأخرى: باطنية، غيبية، ملكوتية، من عالم آخر: وهي روحه التي هي من عالم الغيب والملكوت ولها مقامات متعددة وفي كل مقام جنود رحمانية تجذب النفس نحو الملكوت الأعلى وتدعوها للسعادة. وجنود شيطانية تجذب النفس نحو الملكوت السفلى وتدعوها للشقاء والانسان هو ساحة الحرب بين المعسكرين، فاذا تغلّب جنود الرحمن كان الانسان من اهل السعادة والرحمة، وانخراط في سلك الملائكة وحشر في زمرة الأنبياء والاولياء والصالحين، وذا تغلّب جنود الشيطان كان الانسان من اهل الشقاء وحشر في زمرة الشياطين والكفار والمحرومين.

المقام الأول: منزل الملك والظاهر وعالمهما وهو منزلها الأدنى والاسفل وفي هذا المقام تتألق الأشعة والانوار الغيبية في هذا الجسد المادي والهيكل الظاهري فتمنحه الحياة وجهاد النفس في هذا المقام: انتصار الانسان على قواها الظاهرية وجعلها مؤتمرة بأمر الخالق، وتطهير المملكة من دنس وجود قوى الشيطان وجنوده. ولهذا الجهاد محطات وخطوات)

الخطوة الأولى: التفكر، وأتي رضوان الله عليه بشرح مبسوط وخلاصته: التفكر في نفسه والتفكر في خالقه والتفكر فيمن مضى من أصحاب المال والقدرة كيف هلكوا ولم يبق منهم شيء والتفكر في زوال الدنيا سريعا وما الى ذلك مما يوجب تنبهه على لزوم طاعة الله والاجتناب من مشتهيات النفس الامارة بالسوء وتحرير نفسه عن دواعي الشر.

والخطوة الثانية: العزم وهو ان يقرر الانسان ترك كل المعاصي وأداء الواجبات كلها ويتدارك ما فاته في أيام حياته متأسيا ظاهره بظاهر الرسول الاكرم صلى الله عليه واله فلا يمكن طي أي طريق لنيل المعارف الإلهية الا بالبدء بظاهر الشريعة والديمومة عليها وما لم يتأدب بآدابها لا يحصل له شيء من حقيقة الاخلاق الحسنة ولا يتجلى في قلبه نور معرفة الله تعالى.

وعليك ان تتذكر ان هجر المعاصي واتيان الطاعات يزيدك عزما، وخلافه يضعفك ومن ذلك استماع الغناء ورفقة أصحاب السوء فأمدد يدك الى ربك ضارعا متوسلا بسيد المرسلين واهل بيته عليهم السلام ليأخذ بيدك الى جنة رضوانه ﴿فاذا عزمت فتوكل على الله﴾ وبرنامجك العملي هو المشارطة والمراقبة والمحاسبة ثم يشرح رضوان الله عليه كيفية كل منها ولزوم المتابعة لتسهيل تطبقها للسالك.

ثم يضيف امرا وهو: انه لابد لك من معين في رحلة جهادك تستمد منه زاد سفرك ووقود رحلتك وهو التذكر: وهو ذكر الله تعالى ونعمائه التي تلطف بها على الانسان من الأمور الفطرية التي جُبِّل الانسان عليها:

خلاصتها: أولا: احترام المنعم وتعظيمه، ثانياً: احترام العظيم تعظيمه ثالثا: احترام الحاضر. ويبين كيف هذه الأمور يكون في فطرة الانسان ويعمل بها عامة الناس بفطرتهم وقد جمعت في الله هذه الثلاثة بأعلى درجتها. فهو الاحق بالتعظيم من كل شيء سواه.

ثم تطرق الى مسألة الروح فقال ما خلاصته: (المقام الثاني: مملكة النفس الباطنية ونشأتها الملكوتية، وهي منبع جميع السعادات والتعاسات والصراع والنزاع فيها بين الجنود الرحمانية والجنود الشيطانية أعظم، والغلبة والانتصار فيها اشد وأهم، لان كلما في مملكة الظاهر قد تنزل من هناك، ومن الممكن أن تسفر هزيمة الجنود الرحمانية في تلك المملكة، عن الهلاك الدائم للإنسان على النحو الذي لا يمكن معه تلافي الخسارة ولا تشمله شفاعة الشافعين ولابد من جهاد أولا: من معرفة النفس بقواها المختلفة هذه القوى الثلاث هي الوهمية والغضبية والشهوانية)

ثم يقول: هذه القوى الثلاث يمكن ان تكون من الجنود الرحمانية وتؤدي الى سعادة الانسان وتوفيقه، اذا سلمتها للعقل السليم وللأنبياء العظام، ومن المكن أن تكون من الجنود الشيطانية اذا تركها وشأنها واطلقت العنان للوهم ليتحكم في القوتين الاخريين: الغضب والشهوة وقد بعث الله الأنبياء من أجل اخضاع النفس الإنسانية لقانون العقل والشرع وترويضها وتأديبها. ان الانسان له في هذه الدنيا صورة ملكية دنيوية خلقها الله تعالى على كمال الحسن والجمال والتركيب البديع، وله صورة، وهيأة وشكل ملكوتي غيبي، تابع لملكات النفس والخلقة الباطنية و تتجسم هذه الصورة في البرزخ والقيامة فاذا غلبت على باطنه ملكة الشهوة والبهيمية واصبح حكم مملكة الباطن حكم البهيمية، كانت صورة الانسان الملكوتية على صورة احدى البهائم التي تلائم ذلك الخلق واذا غلبت على باطنه وسريرته ملكة الغضب والسبعية كانت صورته الملكوتية صورة أحد السباع والبهائم، واذا غلبت على باطنه وسريرته ملكات شيطانية كالخداع والتزوير والنميمة والغيبة كانت صورته الملكوتية على هيئة احد الشياطين بحسب ما يناسب تلك الصورة ومحصل كلامه ببيان مني: ان قوى الوهمية مجالها الاعتقادات ومجال قوى الغضبية هو كونه ذا غيرة واهتمام بأموره ومجال قوى الشهوية تامين حاجات الانسان في حياته وكل من هذه القوى الثلاثة ضرورية لكمال الانسان بحد الاعتدال من دون تفريط او افراط والميل الى الجهتين مهلك للإنسان وموجب لسلطة جنود الشيطان عليه. فمن يرغب الى الاستفادة الكاملة اما يراجع الى كتاب أربعين الامام الخميني واما يراجع الى (لباب الأربعون حديثاً) تحقيق دكتر أياد ارناؤوطي من أساتذة جامعة بغداد.

وهنا اكتفي بالبحث في لزوم تربية النفس ووقايتها عن الانحراف مفاد قوله تعالى: ﴿قو أنفسكم﴾

واترك البحث في ﴿واهليكم﴾ لغد ان شاء الله عصمنا الله من جنود الشيطان بفضله ومنه.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo