< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

45/09/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الذين امنولا /الآية 16-18 من سورة التغابن

 

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ ﴿إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[1]

ورد في شأن نزول الآية في المجمع: نزل قوله: ﴿مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ﴾ في قوم أرادوا الهجرة فثبطهم نساؤهم وأولادهم عنها عن ابن عباس ومجاهد.[2]

وورد في تفسير القمّي: (فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع: فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَ أَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ﴾ وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إِذَا أَرَادَ الْهِجْرَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص تَعَلَّقَ بِهِ ابْنُهُ وَامْرَأَتُهُ وَقَالُوا نَنْشُدُكَ اللَّهَ أَنْ تَذْهَبَ عَنَّا وَتَدَعَنَا فَنَضْيعَ، بَعْدَكَ فَمِنْهُمْ مَنْ يُطِيعُ أَهْلَهُ فَيُقِيمُ فَحَذَّرَهُمُ اللَّهُ أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَنَهَاهُمْ عَنْ طَاعَتِهِمْ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْضِي وَيَذَرُهُمْ وَيَقُولُ أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ لَمْ تُهَاجِرُوا مَعِي ثُمَّ يَجْمَعُ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فِي دَارِ الْهِجْرَةِ لَا أَنْفَعُكُمْ بِشَيْ‌ءٍ أَبَداً، فَلَمَّا جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُوفِيَ وَيُحْسِنَ وَيَصِلَهُمْ فَقَالَ: ﴿وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.[3]

في هذه الآيات الكريمة حذّر الله المؤمنين عن الوقوع في تعلق الخاطر بالأزواج والأولاد في معادلة الحب لهم والحب لله، فاذا فاق تعلق الخاطر لهم على حب الله يجرّ النفس إلى عدم الطاعة للّه بينما لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق قال الله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ﴾.

عداء الأزواج والاولاد للمؤمن يتصور في أمور:

منها: ما يكون العداء فيها بنية الحب، كما اذا يمنعون المؤمن عن الحضور في الجهاد وما هو يجعله في معرض الخطر من مواطن طاعة الله وهذا من شدة الحب له وضعف الايا وعد القناعة في نفوسهم بان الشهادة في سبيل الله او الإعاقة في سبيله سعادة وشرف يليق بطلبه من الله فهم بمنعهم عن المبادرة الى الجهاد وسائر ما فيه غبطة المؤمن في الواقع و يحرمونه عن تلك الفضائل فهو نوع من العداء في نتيجته.

ومنها: ما يصدر منهم ليس بغضا لأهلهم بل حرصا على بعض حطام الدنيا فيحثونه على مد اليد الى ما لا يجوز من المحرمات وهو يرتكب لموضع رغبتهم وقد ينتهي مثل هذا الحب الى اسقاط المؤمن عن عين الله والخوض في المحرمات بما لا يحمد عقباه وكم من الأولاد جروا آبائهم وامهاتهم وازواجهم الى الخروج عن طاعة الله الى طاعة الشيطان كالزبير الذي كان محسوبا على اهل البيت عليهم السلام ثم دخل في محاربة المولى امير المؤمنين عليه السلام، ومن كان من جنود امير المؤمنين عليه السلام في الصفين ضد معاوية ثم صار من أعوان يزيد وقتلة الحسين عليه السلام.

كما ان الطمع قد يجر الانسان الى ان يعادي ابيه او زوجه وله نماذج كثيرة صار سببا لتمزق الاسر والتعادي بين الاحباب.

إنّ هناك مظاهر عديدة لهذه العداوة، فأحيانا يتعلّقون بثيابكم ليحرموكم خير الهجرة، واخرى ينتظرون موتكم ليسيطروا على أموالكم وثروتكم، وما إلى ذلك. وليس كلّ الأولاد، ولا كلّ الزوجات كذلك، لهذا جاءت «من» التبعيضيّة.

وعلى كلّ حال فإنّ الإنسان يصبح على مفترق طريقين، فطريق اللّه و طريق الأهل و الأزواج، و لا ينبغي أن يتردّد الإنسان في اتّخاذ طريق اللّه و إيثاره على غيره، ففيه النجاة و الصلاح في الدنيا و الآخرة. و هذا ما أكّدت عليه الآية 23 من سورة التوبة: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَ إِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾

و من أجل أن لا يؤدّي ذلك إلى الخشونة في معاملة الأهل، نجد القرآن‌ يوازن ذلك بقوله في ذيل نفس الآية: وَ إِنْ تَعْفُوا وَ تَصْفَحُوا وَ تَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فإذا ندموا و اعتذروا و التحقوا بكم فلا تتعرّضوا لهم بعد ذلك، و اعفوا عنهم و اصفحوا كما تحبّون أن يعفوا اللّه عنكم.

جاء في حديث الإفك أنّ بعض المؤمنين أقسموا أن يقاطعوا أقرباءهم الذين ساهموا في بثّ تلك الشائعة الخبيثة و ترويجها، و أن يمنعوا عنهم أي عون مالي، فنزلت الآية 22 من تلك السورة: ﴿وَ لا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَ السَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى‌ وَ الْمَساكِينَ وَ الْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ لْيَعْفُوا وَ لْيَصْفَحُوا أَ لا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

و كما يظهر من المعنى اللغوي فإنّ لغفران الذنب مستويات ثلاثة هي (العفو) بمعنى صرف النظر عن العقوبة، و (الصفح) في مرتبة أعلى، و يراد به ترك أي توبيخ و لوم، و (الغفران) الذي يعني ستر الذنب و تناسبه، و بهذا فانّ الآية في نفس الوقت الذي تدعو الإنسان إلى الحزم و عدم التسليم في مقابل الزوجة والأولاد فيما لو دعوه إلى سلوك خاطئ تدعوه كذلك إلى بذل العفو و المحبّة في جميع المراحل و كلّ ذلك من أساليب التربية السليمة وتعميق جذور التديّن والإيمان في العائلة.

وتشير الآية اللاحقة إلى أصل كلّي آخر حول الأموال والأولاد، حيث تقول: ﴿إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾ فإذا تجاوزتم ذلك كلّه ﴿فإنّ اللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾.

وقد تقدّم في الآية السابقة الكلام عن عداء بعض الأزواج والأولاد الذين يدعون الإنسان إلى الانحراف وسلوك طريق الشيطان والمعصية والكفر، وفي هذه الآية نجد الكلام عن أنّ جميع الأموال والأولاد عبارة عن «فتنة»، وفي الحقيقة فانّ اللّه يبتلي الإنسان دائما من أجل تربيته، وهذين الأمرين (الأموال والأولاد) من أهمّ وسائل الامتحان والابتلاء، لأنّ جاذبية الأموال من جهة، وحبّ الأولاد من جهة اخرى يدفعان الإنسان بشدّة إلى سلوك طريق معيّن قد لا يكون فيه رضا اللّه تعالى أحيانا، ويقع الإنسان في بعض الموارد في مضيقة شديدة، ولذلك ورد التعبير في الآية «إنّما» التي تدلّ على الحصر.

روي في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السّلام: "لا يقولنّ أحدكم: اللهمّ إنّي أعوذ بك من الفتنة لأنّه ليس أحد إلّا وهو مشتمل على فتنة، ولكن من استعاذ فليستعذ من مضلّات الفتن فإنّ اللّه سبحانه يقول: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ"﴾ [4] .

وعن كثير من المفسّرين والمؤرخّين‌: (كان رسول اللّه يخطب فجاء الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل رسول اللّه إليهما فأخذهما فوضعهما في حجره على المنبر وقال: «صدق اللّه عزّ وجلّ: إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتّى قطعت حديثي ورفعتهما. ثمّ أخذ في خطبته" [5] .

قال في الأمثل (إن قطع الرّسول لخطبته لا يعني أنّه غفل عن ذكر اللّه، أو عن أداء مسئوليته التبليغية، وإنّما كان على علم بما لهذين الطفلين من مقام عظيم عند اللّه، ولذا بادر إلى قطع الخطبة ليبرز مدى حبّه واحترامه لهما. إنّ عمل الرّسول هذا كان تنبيها لكلّ المسلمين ليعرفوا شأن هذين الطفلين العظيمين ابني علي وفاطمة).[6] فقد ورد في حديث أنّ البراء بن عازب يقول: رأيت الحسن بن علي على عاتق النبي وهو يقول: "اللهمّ إنّي أحبّه فأحبّه".[7]

ثم قال الله تعالی: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَ اسْمَعُوا وَ أَطِيعُوا وَ أَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ﴾ لقد أمر اللّه تعالى أوّلا باجتناب الذنوب، ثمّ بإطاعة الأوامر، و تعدّ الطاعة في قضيّة الإنفاق مقدّمة لتلك الطاعة، ثمّ يخبرهم أنّ خير ذلك يعود إليكم و لأنفسكم.

قال بعضهم: إن «خيرا» تعني (المال) و هو وسيلة لتحقيق بعض الطاعات، و ما جاء في آية الوصية يعتبر تعزيزا لهذا المعنى ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ﴾ «2» و ذهب البعض إلى أنّ كلمة (خيرا) جاءت بمعناها الواسع، و لم يعتبروها قيدا للإنفاق، بل هي متعلّقة بالآية ككل، فانّ ثمار الطاعة- كما يقولون- تعود لكم.

و ربّما يكون هذا التّفسير أقرب من غيره «3».

و الأمر بالتقوى بقدر المستطاع لا يتنافى مع ما جاء في الآية (102) من سورة آل عمران حيث تقول: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ﴾ بل هي مكمّلة لتلك و من المسلّم أنّ أداء حقّ التقوى لا يكون إلّا بالقدر الذي يستطيعه الإنسان، إذ يتعذّر التكليف بغير المقدور.

فلا مجال لاعتبار الآية- مورد البحث- ناسخة لتلك الآية في سورة آل عمران كما اعتقد البعض.

و للتأكيد على أهمّيّة الإنفاق ختمت الآية ب ﴿وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo