< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

45/09/21

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /الآيات الثلاثة الأخيرة من سورة المنافقين

 

قال الله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ﴾ ﴿وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى‌ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ ﴿وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ﴾.

کان بحثنا قبل أيام العزاء حول الآيات الثلاثة الأخيرة من سورة الجمعة ووعدناكم ان نكمل بحثنا في الجلسة اللاحقة ولكن ما كان قرارنا من تكملة البحث ادرجناه في المكتوب رعاية لسرعة التقدم في البحث فمن يرغب تكملة البحث السابق فليراجع الى مكتوب البحث في الموق

واليوم ندخل في الآيات الثلاثة الأخيرة من سورة المنافقين حيث خاطب الله المؤمنين بقوله:

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾.

قال العلامة الطباطبائي في الميزان ذيل الآية الكريمة: (الإلهاء الإشغال، والمراد بالهاء الأموال والأولاد عن ذكر الله إشغالها القلب بالتعلق بها بحيث يوجب الإعراض عن التوجه إلى الله بما أنها زينة الحياة الدنيا، قال تعالى: ﴿الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا﴾ [1] ، والاشتغال بها يوجب خلو القلب عن ذكر الله و نسيانه تعالى فلا يبقى له إلا القول من غير عمل وتصديق قلبي ونسيان العبد لربه يستعقب نسيانه تعالى له، قال تعالى: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ [2] ، وهو الخسران المبين، قال تعالى في صفة المنافقين: ﴿أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى‌ فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ﴾ [3] .

وإليه الإشارة بما في ذيل الآية من قوله: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ﴾.

والأصل هو نهي المؤمنين عن التلهي بالأموال والأولاد وتبديله من نهي الأموال والأولاد عن إلهائهم للتلويح إلى أن من طبعها الإلهاء فلا ينبغي لهم أن يتعلقوا بها فتلهيهم عن ذكر الله سبحانه فهو نهي كنائي آكد من التصريح). [4]

كما قال الله تعالى في سورة الانفال: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾[5]

أقول: لعله من الحِكَم التي لوحظت في الآية المبحوث عنها من جعل الأموال والأولاد فاعلاً للإلهاء انّ حالة الغفلة تأتي من الأموال والأولاد بصورة لا يلتفت بها صاحبها فتشغله عن ذكر الله فالآية تحذر المؤمنين من الوقوع في الغفلة من ذكر الله لأن صاحب المال والأولاد مفعول لهما في مجال اللهو عن ذكر الله فلابد ان يقي نفسه عن هذا التأثر الخبيث.

وما ورد فی الحدیث ان: "حب الدنيا رأس كل خطيئة" ومن مظاهر الدنيا هو الأموال والأولاد فالقرآن يحذّر المؤمنين من مغبّة الوقوع في هذه المصيدة الخطيرة ویهدد بقوله: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ﴾.

هذه الآية المباركة وما في معناها لا تريد ان تنكر خيرية المال و قد عبّر الله عن المال بالخير في اكثر من موضع في القران ، كما شجّع الإسلام بإكثار الأولاد كما ورد عن النبي صلى الله عليه واله قال: "تناكحوا وتناسلوا فاني اباهي بكم الأمم حتى السقط" فالأمر الذي هو مرفوض ان يحتل المال او الأولاد مكان حب الله في القلب وهذا الذي يصير سببا للخسران حتى المال والأولاد في مثل هذه الحالة تنقلب من كونها نعمة الى نقمة تهلك صاحبها في الدنيا والآخرة. فالأمر المرغوب اليه عن نستفيد من المال والأولاد لا ان نكون اسيرا لهما فقد ورد في معنى الزهد بيان لطيف وهو قوله عليه السلام: "ليس الزهد بان لا تملك شيئاً بل الزهد ان لا يملكك شيء"

فالأموال والأولاد یمکن ان تکون من النعم الإلهية التي يستعان بها على طاعة اللّه‌ ورضوانه،

ويمكن أن تتحوّل إلى سدّ يحول بين الإنسان وخالقه إذا کان الانسان مقهورا لهما.

وهذا المعنى ورد في كلام امير المؤمنين عليه السلام في حواره مع علاء بن زياد واليك نصه من نهج البلاغة: (ومن كلام له عليه السلام بالبصرة ‌وقد دخل على العلاء بن زياد الحارثي وهو من أصحابه يعوده فلما رأى سعة داره قال: "مَا كُنْتَ تَصْنَعُ بِسِعَةِ هَذِهِ الدَّارِ فِي الدُّنْيَا أَنْتَ إِلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ كُنْتَ أَحْوَجَ وَ بَلَى إِنْ شِئْتَ بَلَغْتَ بِهَا الْآخِرَةَ تَقْرِي فِيهَا الضَّيْفَ وَتَصِلُ فِيهَا الرَّحِمَ وَتُطْلِعُ مِنْهَا الْحُقُوقَ مَطَالِعَهَا فَإِذاً أَنْتَ قَدْ بَلَغْتَ بِهَا الْآخِرَةَ فَقَالَ لَهُ الْعَلَاءُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَشْكُو إِلَيْكَ أَخِي عَاصِمَ بْنَ زِيَادٍ قَالَ: وَمَا لَهُ؟ قَالَ: لَبِسَ الْعَبَاءَةَ وَتَخَلَّى مِنَ الدُّنْيَا، قَالَ: عَلَيَّ بِهِ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: يَا عُدَيَّ نَفْسِهِ لَقَدِ اسْتَهَامَ بِكَ الْخَبِيثُ أَ مَا رَحِمْتَ أَهْلَكَ وَوَلَدَكَ؟ أَ تَرَى اللَّهَ أَحَلَّ لَكَ الطَّيِّبَاتِ وَهُوَ يَكْرَهُ أَنْ تَأْخُذَهَا؟ أَنْتَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا أَنْتَ فِي خُشُونَةِ مَلْبَسِكَ وَجُشُوبَةِ مَأْكَلِكَ؟ قَالَ:‌ وَيْحَكَ إِنِّي لَسْتُ كَأَنْتَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلَى أَئِمَّةِ الْحَقِّ أَنْ يُقَدِّرُوا أَنْفُسَهُمْ بِضَعَفَةِ النَّاسِ كَيْلَا يَتَبَيَّغَ بِالْفَقِيرِ فَقْرُهُ"‌.[6]

وقد ورد في کلام عن الباقر عليه السّلام «ما ذئبان ضاريان في غنم ليس لها راع، هذا في أوّلها وهذا في آخرها، بأسرع فيها من حبّ المال والشرف في دين المؤمن»

اختلف المفسّرون في معنى "ذكر اللّه" ففسّرها البعض بأنّه الصلوات الخمس، والبعض الآخر: إنّه "شكر النعمة و الصبر على البلاء والرضى بالقضاء"، وثالث: إنّه "الحجّ والزكاة وتلاوة القرآن، ورابع: أنّه "كلّ الفرائض". ولکن لا داعی لحصر معنى "ذكر اللّه" فی امر محصور ما دام اللفظ يتحمل معناً واسعاً يشمل كلّ تلك المصاديق. ولهذا قال الله تعالى فی المنتحلین بالانشغال عن ذکر الله باللهو بالاموال والاولاد حتى خرجوا من الدنيا ولم يستفیدوا من نعم اللّه في بناء الحياة الخالدة وتعمير الآخرة ﴿أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ﴾ بعد هذا التحذير الشديد يأمر اللّه تعالى بالإنفاق في سبيله حيث يقول:﴿وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى‌ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ بعض المفسرین جعلوا المراچ من الانفاق دفع الزكاة بينما الانفاق اعم من الزكاة شمولا فلا بأس ان نقول ان المراد من الانفاق كل انفاق واجب او مستحب حتى الانفاق على الاهل والعيال نعم النفقات الواجبة في رأس المصاديق لهذه الآية المباركة.

وعند ما يذكر الله تحسر هؤلاء الممتنعين عن الانفاق بعد وفاتهم بقوله: ﴿فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ فمعناه ان الانفاق صدقة تجعل الانسان في زمرة الصالحين.

اما الآية الثالثة حيث تقول: ﴿وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ﴾. بیان لحقیقة لا مفر منه بانه اليوم عمل بلا حساب وغدا حساب بلا عمل ففرصة العمل والادخار للقيامة هي الحياة الدنيا فلا تفوتننا هذه الفرصة الغنيمة وهذا الامر مرهون لذكر الله بالقلب واللسان والعمل بالصالحات وفقنا الله بها و وقانا عن الالهاء بالمال والولد وسائر المغريات في هذه الدنيا بفضله ومنه انه رحيم ودود.


[1] السورة کهف، الأية 46.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo