< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

45/09/15

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /الآيات 10-13من سورة الصف

 

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى‌ تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ﴾ ﴿تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ ﴿وَأُخْرى‌ تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [1]

أن القران في خطاباته يسلك طرقا مختلفة فقد يأمر الله عباده مباشرة او يقص لهم قصصا او يبين لهم احكاما وقد يطرح أسئلة قياساتها معها أي يحكم بها الوجدان والعقل ففي هذه الآية يطرح للمؤمنين لهم معاملة راجحة فان النجاة من العذاب امر مرغوب عند جميع العقلاء والايمان بالله كذلك عند جميع الأديان فان أكثر من على وجه الارض يعترفون بالله والإيمان برسوله امر عادل مرغوب اليه الا ان مناقشتهم في المصداق والى آخر الآيات أمور يشتاق اليه كل ذي لب.

قال تعالى في البداية مخاطبا للمؤمنين: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى‌ تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ ‌عَذابٍ أَلِيمٍ﴾

طرح معهم سؤال تقريري من انه هل تحبون أن أدلّكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم؟ هذا السؤال في الحقيقة تهيئة للانتباه الى مضمون الجواب ثم بين تفاصيل المعاملة فبين البضاعة التي هي مثمن في هذه المعاملة فقال: ﴿تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ﴾

والمثمن مركب من الامرين امر يعود الى فعل الجوانح وهو مركب عن امرين الايمان بالله والايمان برسوله والجهاد في سبيل الله بالمال والنف

وممّا لا شكّ فيه أنّ اللّه سبحانه غني عن هذه التجارة النافعة وأنّ جميع منافعها تعود على المؤمنين، لذا يقول في نهاية الآية: ﴿ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.

والجدير بالملاحظة هنا أنّ المخاطب هم المؤمنون بقرينة قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ لكنّه في الوقت نفسه يدعوهم إلى الإيمان والجهاد.

وربّما كان هذا التعبير إشارة إلى أنّ الإيمان يلزم أن يكون عميقا وخالصا للّه سبحانه، حتّى يستطيع أن يكون منبعا لكلّ خير، وحافزا للإيثار والتضحية والجهاد، وبذا لا يعتدّ بالإيمان الاسمي السطحي.

أو أنّ التأكيد على الإيمان باللّه ورسوله هنا، هو شرح لمفهوم الإيمان الذي عرض بصورة إجمالية في بداية الآية السابقة.

وعلى كلّ حال فإنّ الإيمان بالرّسول لا ينفصل عن الإيمان باللّه تعالى، كما أنّ الجهاد بالنفس لا ينفصل عن الجهاد بالمال، ذلك أنّ جميع الحروب تستلزم ‌وجود الوسائل والإمكانات المالية، ومن هنا فإنّنا نلاحظ أنّ البعض قادر على الجهاد بكلا النوعين (النفس والمال) وآخرين قادرون على الجهاد بالمال فقط وفي المواقع الخلفية للجبهة، وبعض آخر مستعدّ للجهاد بالنفس والجود بها في سبيل اللّه لأنّهم لا يملكون سواها.

إلّا أنّ الضرورة تستلزم أن يكون هذان النوعان من الجهاد توأمين متلازمين كلّ منهما مع الآخر لتحقيق النصر، وعند التدقيق في الآية المباركة نلاحظ أنّه تعالى قد قدّم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس، لا باعتباره أكثر أهميّة، بل بلحاظ أنّه مقدّمة للجهاد بالنفس، لأنّ مستلزمات الجهاد لا تتهيّأ إلّا عند توفّر الإمكانات الماديّة.

الى هنا درسنا عناصر ثلاثة من التجارة التي طرحتها هذه الآيات المباركات وهي: المشتري وهو الله تعالى والبائع وهم المؤمنون والمثمن وهو انفس المؤمنين واموالهم.

اما الثمن الذي تعهده الله تعالى بعنوان المشتري هو ما ورد في قوله تعالى: ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.

وهو مشتمل على ثلاثة أمور: غفران الذنوب والدخول في الجنات والمساكن الطيبة وهي تحقق للمؤمن السعادة الأبدية والرغدة في العيش مما لا يترك عنده أي قلق وحزن بما لا مزيد عليه.

وهذه المور تكفي لان تكون دافعا للمؤمنين الى التضحية وبذل المال والنفس في سبيل الله.

هنا وقع بحث عند المفسرين والفقهاء من ان غفران الذنوب هل هو مختص بحق الله او يشمل حق الناس ايضاً وفي الفقه يبحثون هل يجوز لن على ذمته دين ان يبادر لحضور الجهاد؟ بعضهم شرطوا جواز الذهاب الى ميادين الحرب لمن ليس عليه دين حل اجله وبعضهم يشترطون جواز الجهاد له بأداء ديونه لأنه في معرض الفوت وهو تفويت لحق الديان أيضا وهذه المباحث تعود الى مبحث لفقه ولا نريد ان ندخل فيها. انما نقول: ان المجاهد اذا كان في ذمته دين ولم يقصر في أدائه وأوصى ورثته بأداء الدين من ماله واستشهد فالله تعالى يتفضل على ديّانه في الآخرة باجور يرضون بها بدلا من مالهم فلا يبقى على الشهيد دين يؤخذ به. فالذي يعطى الى المجاهد في مقبل ماله ونفسه هذه الأمور الثلاثة في الآخرة ولكن الله بشرهم في الدنيا بعوض فيه الفخر والاعتزاز وهو قوله: ﴿وَأُخْرى‌ تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ﴾. وهو قدم الاجر الاخروي ولعل ذلك للخلوص في النية ثم جاء بالأجر الدنيوي وهو الانتصار وفتح حصون العدو وقلاعهم ومدنهم او استرجاع ما غصبوه من حوزة المسلمين. وقد عبّر عنها البارئ سبحانه: بالْفَوْزُ الْعَظِيمُ.

ثم يعقبه بقوله: ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.

هنا اود ان اشير اليكم بحوار جرى بين أحد الاصحاب ورسول الله في ليلة العقبة، الليلة التي التقي بها رسول اللّه سرّا بأهل المدينة قرب مكّة وأخذ منهم البيعة- قال عبد اللّه بن رواحة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: اشترطت لربّك ونفسك ما شئت؟ فقال صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: أشترط لربّي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأشترط لنفسي أن‌ تمنعوني ممّا تمنعون منه أنفسكم وأموالكم.

قال: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ قال صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: (الجنّة). قال عبد اللّه: ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل، أي لا نفسخ ولا نقبل الفسخ" [2]

لايخفى انه حصل خلاف بين المفسرين في المراد من "الفتح القريب" في الآية فمنهم من قال هو فتح مكة المكرمة ومنهم من قال هو فيح بلاد ايران والروم ومنهم من قال تشمل الآيات جميع فتوحات تحقق في الغزوات ولكن الذي اشرنا ليه كرارا مرارا ان خطاب الآيات القرآنية الى المؤمنين في جميع البلاد وعلى مر التأريخ الا ما كان في قرينة على انه وردت في قضية خارجية.

فعلى هذا هذه البشارات متوجهة الى كل من شارك في جهاد مشروع للدفع عن المظلومين و دفع المعتدين الظالمين فهو مبشر بهذه البشارات فتشمل المجاهدين والجرحى والشهداء الدفاع والحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية بواسطة حزب البعث والصدام الأفلقي والدفع المفروضة من ناحية الدواعش الأمريكي او في المقاومة البنانية والفلسطينية و الشهداء المدافعون عن حرم السيدة زينب سلام الله عليها في سوريا والمدافعون الابطال انصار الله في اليمن وكل من يدافع عن الحق في المستقبل ايضاً في مقابل المستكبرين وأزلامهم عصمنا الله و جميع الناس و وقانا شرهم بفضله ورحمته.


[2] في ظلال القران، سيد قطب، ج8، ص87.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo