< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

45/09/13

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/تفسير الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير الآية 13 من سورة الممتحنة

 

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ﴾[1]

قال في المجمع: (خاطب سبحانه المؤمنين فقال ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ أي لا تتولوا اليهود وذلك أن جماعة من فقراء المسلمين كانوا يخبرون اليهود أخبار المسلمين يتواصلون إليهم بذلك فيصيبون من ثمارهم، فنهى الله عن ذلك عن المقاتلين وقيل أراد جميع الكفار أي لا تتخذوا كافرا من الكفار أولياء ثم وصف الكفار فقال ﴿قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ﴾ أي من ثواب الآخرة «﴿كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ﴾» يعني أن اليهود بتكذيبهم محمدا ص وهم يعرفون صدقه وأنه رسول قد يئسوا من أن يكون لهم في الآخرة حظ وخير، كما يئس الكفار الذين ماتوا وصاروا في القبور من أن يكون لهم في الآخرة حظ لأنهم قد أيقنوا بعذاب الله عن مجاهد وسعيد بن جبير، وقيل كما يئس كفار العرب من أن يحيا أهل القبور أبدا عن الحسن، وقيل كما يئس الكفار من أن ينالهم خير من أصحاب القبور، وقيل يريد بالكفار هاهنا الذين يدفنون الموتى أي يئس هؤلاء الذين غضب الله عليهم من الآخرة كما يئس الذين دفنوا الموتى منهم).[2]

في هذه السورة المباركة خاطب الله المؤمنين في مطلعها بقوله: ﴿لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودّة﴾ واختتمها مخاطبا لهم بقوله: ﴿لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾

في المجمع اختار المراد من "القوم المغضوب عليهم" اليهود ثم جاء باحتمال آخر بعنوان قيل وهو مطلق الكفار.

فلفهم هذه الآية لابد ان نعرف أولاً: انه من المراد من القوم في قوله تعالى: ﴿قوماً غضب الله عليهم﴾؟ ثانياً: ما المراد من الكفار اليائسين؟ ثالثاً: مِا المراد "﴿من أصحاب القبور﴾ وما معناه؟

قد يرجح ان يكون المراد بالقوم هم اليهود لما ورد في أسباب النزول من ان بعض المسلمين كانوا يذهبون بأخبار المسلمين إلى اليهود مقابل إعطائهم شيئا من فواكه أشجارهم‌. وبما ان في سورة الحمد وبعض الآيات الاخرى لقّب اليهود بالمغضوب عليهم.

ولكن بهذه الاستحسانات لا يمكن تخصيص إطلاق الآية باليهود. وقد ورد الغضب لغيرهم في القران ايضاً كما ان المغضوب منهم الفساق والفجار فينبغي نقف وقفة في بعض ما ورد بشأن اليهود في القرآن.

اما في القران فقد ورد في سورة البقرة مخاطبا الى بني إسرائيل: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى‌ لَنْ نَصْبِرَ عَلى‌ طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَ قِثَّائِها وَ فُومِها وَ عَدَسِها وَ بَصَلِها قالَ أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى‌ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ﴾ [3]

كما ورد في موضع آخر من هذه السورة بعد ما يذكر من بني إسرائيل جرائمهم وسوء فعالهم قوله تعالى: ﴿بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى‌ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى‌ غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ﴾ [4]

ونعلم ان المغضوب عليهم عنوان بني اسرائيل وهو أخص من اليهود فلا يشمل كلهم.

في سورة المائدة يقول: ﴿قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ﴾ ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ﴾ ﴿وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ﴾ ﴿وَتَرى‌ كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ﴿لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [5]

وفي هذه الآيات الخطاب متوجه الى اهل الكتاب وهم اعم من اليهود والمغضوب عليهم فيها الأكثرية من اهل الكتاب لا كلهم.

وفي سورة الفتح قال: ﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً﴾ [6]

هنا يكون المغضوب عليهم هم المنافقين والمنافقات والمشركين المشركات فالعنوان يغاير اليهود تماماً.

في سورة آل عمران قال: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ﴾ ﴿لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ﴾ ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ﴾ [7]

الخطاب هنا أيضا لأهل لكتاب والمغضوب عليهم هم الأكثرية الفاسقة ولو ان بعض الصفات المذكورة فيها تناسب بني إسرائيل. وعلى كل حال المتحصل من هذه الآيات الكريمة حيثية التعليلية التي تستفاد من هذه الآيات وغيرها مما في شأن اهل الكتاب والمشركين والمنافقين هي التي جعلهم عدواً الله ورسوله والمؤمنين ولابد ان نحترز عنهم ولا نركن عليهم ولا نواليهم أينما وجدوا وفي أي زمان وتطبق هذه الآيات لما يوجد في عصرنا من الطغاة والمستعمرين اهل الرياء والكذب والخديعة بحضارتهم ومؤسساتهم الرنانة وهم المستكبرون المعتدون وهم داعمين للدولة المغصوبة للصهاينة وكذلك الدول الخاضعة لهم عربية وغير عربية المنفذة لمؤامراتهم على شعوبهم المسلمة المستضعفة المظلومة وهنا لتكملة البحث نشير الى آية أُخرى توضح لنا هذا المعنى وهو قول الله تعالى: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى‌ ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَ رُهْباناً وَ أَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [8] ان في هذه المقارنة تعلل كون النصارى اقربهم مودة بما فيهم قسيسين ورهبان وانهم لا يستكبرون أي انهم اهل العبادة والخضوع لله و ليسوا اهل الاعتداء والاستكبار على الآخرين فمفهوم هذا التعليل ان من ليس فيهم رجال الدين والتوجه الى الله وهؤلاء الذين يستكبرون في الأرض هم اشد عداوة في زماننا هذا الذي نراه في البلاد الغربية وبالأخص أمريكا و بريطانيا و فرنسا وألمانيا كثير من شعوبهم وبالأخص رجال حكوماتهم هم العلمانيون لا يتدينون بدين وليسوا اهل الخضوع والعبادة لله وهم يستكبرون على شعوبهم وعلى شعوب الدول الضعيفة ويستعمرون كثير من البلاد فهم المستكبرون بامتياز فهم في هذا العصر اشد الناس عداوة للذين آمنوا من الثوريين والمقاومين واهل الدين والايمان.

والجدير بالانتباه بعد الآيات التي تلوناها لكم من سورة آل عمران مباشرة يقول: ﴿لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ﴾ ﴿يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ ﴿وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ﴾ [9] فسمى اهل الكتاب الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر الى أخرها هم الصالحون والمتقون ومن ينتفع من اعماله الصالحة.

كما نرى في موضع آخر يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى‌ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾[10]

ومثلها مع اختلاف جزئي نجدها في سورة المائدة قال تعالى:

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى‌ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾[11]

من هذه الآيات نعرف ان ليس كل من ليس مسلما من اهل الكتاب اعدائنا بل اذا التزموا بطاعة الله هم اهل الجنة ولكن ل يخفى ان من منهم تمت عليه الحجة بان الإسلام دين من عند الله ورسوله هو الذي بشر الله في العهدين به مع ذلك لم يُسلم، فهو معاقب لعدم اتباع الحق والشريعة الإلهية كما ان كونهم خيار ليس معناه لزوم قبول سلطتهم على المسلمين بل الإسلام يعلوا ولا يعلى عليه قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصارى‌ أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾[12]

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo