< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

45/09/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التفسير الموضوعي/تفسير الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير الآيات 10-12 من سورة الممتحنة

قال الله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ ﴿وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْ‌ءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾[1]

قال في المجمع: (قرأ أهل البصرة "ولا تُمَسِّكوا" بالتشديد والباقون «وَلا تُمْسِكُوا» بالتخفيف وفي الشواذ قراءة الأعرج فعقّبتم بالتشديد وقراءة النخعي والزهري ويحيى بن يعمر بخلاف فعقَبتم خفيفة القاف من غير ألف وقراءة مسروق فعقِبتم بكسر القاف من غير ألف والقراءة المشهورة «فَعاقَبْتُمْ» وقرأ مجاهد فأعقَبتم.

«فَعاقَبْتُمْ» أصبتم عقبى منهن يقال عاقب الرجل شيئا إذا أخذ شيئاً عن الأعمش أنه قال عقبتم غنمتم‌)[2]

في شأن النزول وخلاصة ما ورد في الجمع هو: (صالح رسول الله ص بالحديبية مشركي مكة على أن من أتاه من أهل مكة رده عليهم ومن أتى أهل مكة من أصحاب رسول الله ص فهو لهم ولم يردوه عليه وكتبوا بذلك كتابا وختموا عليه فجاءت سبيعة بنت الحرث الأسلمية مسلمة بعد الفراغ من الكتاب والنبي ص بالحديبية فأقبل زوجها مسافر من بني مخزوم في طلبها وكان كافرا فقال يا محمد اردد علي امرأتي فإنك قد شرطت لنا أن ترد علينا منا وهذه طينة الكتاب لم تجف بعد، فنزلت الآية ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ﴾ فأعطى رسول الله ص زوجها مهرها وما أنفق عليها ولم يردها عليه فتزوجها عمر بن الخطاب فكان رسول الله ص يرد من جاءه من الرجال ويحبس من جاءه من النساء إذا امتحن ويعطي أزواجهن مهورهن.

ولما نزلت هذه الآية وفيها قوله ﴿وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ﴾ طلق المسلمون نسائهم المشركات منهم عمر بن الخطاب طلق امرأتين كانتا له بمكة مشركتين قرنية بنت أبي أمية بن المغيرة فتزوجها بعده معاوية بن أبي‌ سفيان وهما على شركهما بمكة والأخرى أم كلثوم بنت عمرو بن جرول الخزاعية أم عبد الله بن عمر وكانت زينب بنت رسول الله ص امرأة أبي العاص بن الربيع فأسلمت ولحقت بالنبي ص في المدينة وأقام أبو العاص مشركا بمكة ثم أتى المدينة فأمنته زينب ثم أسلم فردها عليه رسول الله. وقال رسول الله ص إن الشرط بيننا في الرجال لا في النساء لأن المرأة إذا أسلمت لم تحل لزوجها الكافر فكيف ترد عليه وقد وقعت الفرقة بينهما).[3]

الآيات التي وردت اول هذه السورة ونحن بحثنا عنها تتعلق بلزوم البراءة عن أعداء الله وعدم اخذهم أولياء.

في هذا المقطع من الممتحنة يكون البحث عن النساء المهاجرات، وتشتمل هذا المقطع على سبعة من الاحكام المتعلقة بامر المهاجرات من المؤمنات وهي كما يلي:

اولاً: الامر بامتحان النساء المهاجرات من مكة المكرمة فقال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ﴾.

أمّا أسلوب هذا الامتحان فهو كما قال ابن عباس امتحانهن أن يستحلفن انها ما خرجت من بغض زوج ولا رغبة عن أرض إلى أرض ولا التماس دنيا وما خرجت إلا حبا لله ولرسوله،

وورد وجه آخر حول كيفية الامتحان، و هي ما ورد في الآية الثانية عشرة من نفس السورة قال تعالى:﴿ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى‌ أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيم﴾‌.[4]

طبيعي ان هذا الامتحان ليس كاشفا قطعيا عن ايمانهن والله يشير الى هذا المعنى بقوله: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ﴾ ولكن يوجب ظناً غالباً على إسلامهن والله يقول: ﴿ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا﴾ [5] فلابد شيئا من المسامحة في مثل هذه الأمور ومع ذلك فيما نحن فيه لا يكتفى بمجرد الادعاء بل يحلفن على إيمانهن وقال:

ثانياً: النهي من ارجاعهن الى الكفار. وهو قول الله تعالى ﴿فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ﴾.

ثالثاً: حرمة النكاح بين المسلم والمشرك قال تعالى: ﴿لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾.

بما ان الزواج نوع من التعانق في جميع الأمور وتشكيل اسرة موحدة والايان بالشريعة الإسلامية تشمل جميع مناحي الحياة فلا يمكن ان يجتمع المتخالفان في الدين في بيت واحد، فانهما لا تجانس ولا انسجام بينهما، ولو ان في صدر الإسلام كانت حالات آمن أحد الزوجين دون الآخر ولكن بعد نزول هذه الآية حكم بالتفارق بين الزوجين الا إذا آمن الآخر ايضاً والتحق بركب الإسلام.

رابعاً: إعادة المهر الى الزوج في صورة الانفصال القهري الشرعي ﴿وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا﴾.

والسر في ذلك ان الإسلام امر بالانفصال وعدم رد الزوجة الى الزوج، فلابد من جبران الخسارة.

هنا وقع الخلاف بين المفسرين هل المقصود من الإنفاق هو المهر فقط، أو أنّه يشمل كافّة المصاريف التي صرفها الزوج حين الزواج؟

رجّح أغلب المفسّرين المعنى الأوّل، لكن أبو الفتوح الرازي ذهب الى شمول كافة المصاريف.

وبما ان هذا القرار كان ناشئا عن صلح الحديبية فجُعل على بيت المال دفع المهر الى الزوج.

خامساً: جواز نكاح المهاجرات المنفصلات عن ازواجهن من دون حاجة الى الطلاق، وانما يجب رعاية العدة قال تعالى: ﴿وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾

هنا قد يأتي بالبال انه ينبغي ان يدفع مهر الذي للزواج الثاني الى الزوج الأول الخارج عن الإسلام.

ولكن هذه الاطروحة ليس لها وجه شرعي، مضافا الى انه لعلّ بعضهن لا يردن الزواج، كما ان مقدار المهر كثيراً ما لا يناسب حق الزوج الأول. ولو شرعت هذا الامر كانت فيه إهانة الى المرأة المسلمة كانّ الزوج الثاني يشتريها من الزوج الأول الكافر.

سادساً: ما إذا كان الأمر على العكس، وكان الزوج قد آمن بالإسلام، وبقيت المرأة كافرة، فهنا تنفصل الرابطة الزوجية، فتنقطع صلة زواجهما، كما في قوله تعالى في تكملة الآية: ﴿وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ﴾.

وقد بحث الفقهاء في أنّ هذا الحكم هل هو مختّص بالنساء المشركات فقط، أم أنّه يشمل أهل الكتاب أيضا كالنسوة المسيحيات واليهوديات؟ وتختلف الروايات في هذا المجال، حيث يجدر متابعتها في كتب الفقه. إلّا أنّ ظاهر الآية مطلق ويشمل جميع النساء الكافرات.

أمّا مسألة لزوم رعاية «العدّة» فهي باقية بطريق أولى، لأنّها إذا أنجبت طفلا فسيكون مسلما لأنّ أباه مسلم.

سابعا، وهو آخر حكم ذكر في الآية الكريمة، فهو مهور النساء اللواتي ارتددن عن الإسلام والتحقن بالكفّار فانّ لكم الحقّ في المطالبة مهورهنّ من الكفار مثلما كان للكفار على المسلمين، قال تعالى: ﴿وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا﴾ وهذا الذي توجبه العدالة والاحترام المتقابل للحقوق.

وفي نهاية الآية يقول: ﴿ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾.

وقال في الآية التي تليها: ﴿وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْ‌ءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا﴾

وتمشّيا مع النصّ القرآني فإنّ بإمكان المسلمين الذين فقدوا زوجاتهم اللواتي التحقن بمعسكر الكفر من دون ان يسلموا لهم المهر الى زوجها المسلم، فلابد من تحصيل المهر مما يغتنم من أموال الكفار عند محاربتهم.

هذه الآيات تدل على مدى انصاف الإسلام وعدالته مع العدو الى اعلى درجة والالتزام بالقرارات المتبادلة بينهم. ولعل السرّ في تعرّض القران لهذه الاحكام بالتفصيل، انّ في ظروف الحرب قد لا تراعى العدالة مع العدو فأكّد على ذلك لعدم تفويت حق الأعداء ايضاً.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo